قبل 32 سنة من اليوم، هُزم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. سعت حكومة د. نجيب الله (آخر حكومة يسارية في أفغانستان) حتى آخر لحظاتها أن تمنع خروج القوات السوفييتية من أفغانستان، إلى أن صدر آخر توجيه من “ميخائيل جورباتشوف فرجامين” إلى د. نجيب بأن القوات السوفييتية ستخرج من أفغانستان، كما وُجّه بأن يُعد نفسه لتنفيذ هذا القرار خلال سنة.
لم يكن السوفييتيون قادرون على إكمال الحرب في أفغانستان. معاهدة جنيف لم تكن إلا ذريعة لخروج القوات السوفييتية من أفغانستان. تم توقيع اتفاقية جنيف من قبل وزراء خارجية أفغانستان وباكستان وروسيا وأمريكا تحت إشراف الأمم المتحدة في تاريخ 14/أبريل/1988م.
بدأت عملية خروج القوات السوفييتية من مدينة جلال آباد في تاريخ 15/مايو/1988م. وقد تم ذلك تحت إشراف 10 مسؤولين تابعين لهيئة الأمم المتحدة. وفي النهاية بخروج الجنرال “بوريس جروموف” قائد الكتيبة السوفييتية رقم 40 عبر جسر حيرتان في تاريخ 15/فبراير/1989 انتهى رسميا الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
اجتاحت القوات السوفييتية أفغانستان في تاريخ 27/ديسمبر/1979م، وخلال تسع سنوات من الحرب، تكبدت أفغانستان خسائر في الأرواح وخسائر مالية وفكرية بالغة، مع إصابات لا حصر لها.
خروج أو انهزام؟
تصريح ميخائيل جورباتشوف للدكتور نجيب الله (آخر قائد عميل للشيوعيين في كابل) والذي نصه كالتالي: “سواء كانت حكومة كابل مستعدة أم لا، القوات الشيوعية ستخرج من أفغانستان” يدل على صعوبة الأوضاع التي مر بها الاتحاد السوفييتي حين إخراج قواته من أفغانستان.
مع الأسف مازال هناك من لا يعدّ خروج السوفييتيين من أفغانستان انهزاما مفضوحا، وإنما يرى ذلك الخروج أحد تكتيكات الحرب التي أُسست على معهادة جنيف. ولو كان الاتحاد السوفييتي متمسكا بالقوانين والمواثيق الدولية لما احتل البلد المجاور له في الوهلة الأولى أصلا، ولما غض الطرف عن عشرات المطالبات الواصلة إليه من هيئة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات الأخرى والتي ناشدته بالخروج العاجل من أفغانستان.
أسباب انهزام القوات السوفييتية
هناك أسباب عديدة تفسر انهزام القوات السوفييتية في أفغانستان. يرى الخبراء أن هناك ثلاث أسباب رئيسة هي الأبرز:
أولا: وجود قوة معنوية دينية وعاطفة جياشة ضد احتلال الأجانب لأفغانستان من العوامل الرئيسة المسببة لانهزام الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. إذا تصفحنا التاريخ فسنجد أن الأفغان عبر القرون هزموا أعداءهم بحيازتهم لهذه القوة المعنوية وألحقوا الهزيمة من خلالها بكل معتدي.
السبب الثاني وراء انهزام الشيوعيين في أفغانستان هو الدعم الدولي للجهاد الأفغاني. وذلك أن تلك الفترة شهدت مساندة جميع الدول الإسلامية ومعظم الدول غير الإسلامية لجهاد الشعب الأفغاني، وقد وضع ذلك المجاهدين في حالة مدعومة سياسيا وعسكريا وماديا، كما أدى ذلك أيضا إلى تهميش دور الاتحاد السوفييتي والدول المساندة له.
ثالثا: انهزام الاتحاد السوفييتي داخليا تسبب في انكسارهم وهزيمتهم في أفغانستان. لقد ظن الجيش الأحمر بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية أنه غير قابل للهزيمة. ولأجل هذا لم يسمع الاتحاد السوفييتي للدعوات المحذرة له من الدخول إلى أفغانستان، واجتاح بلدنا عسكريا مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتي.
نتائج انهزام القوات السوفييتية في الداخل والخارج
الشيوعيون طعنوا في خاصرة بلادنا حين احتلالهم طعنة مازالت – بعد مضيّ أربعين سنة- تنزف دما حتى يومنا هذا، ولم يبق جانب في بلدنا إلا وقد تضرر بسبب هذا الاجتياح الغاشم.
من نتائج هذا الاحتلال سقوط مليونيْ شهيد، وتشرد مئات الآلاف من الأرامل والأيتام، وهجرة ستة ملايين شخص. وكل هذا ضريبة غالية يدفعها الشعب الأفغاني جراء احتلال قوات الاتحاد السوفييتي لبلدنا. يُضاف إلى ما ذُكر إعاقة مليونين ونصف مليون شخص بسبب الاجتياح السوفييتي لأفغانستان.
بسبب الاحتلال السوفييتي تضررت البنية التحتية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في بلادنا، وآلت إلى الاضمحلال أو العطب الشديد. كما أن هذا الاحتلال فتح الباب للتدخلات الجائرة في شؤون بلادنا من قبل الأجانب. ربما سعى الأجانب قبل الاحتلال الشيوعي إلى التدخل في الشأن الأفغاني، إلا أن تلك التدخلات لم تكن على مستوى التدخلات بعد الاحتلال.
عندما عزم شعبنا على مقاومة احتلال الشيوعيين، اضطر إلى مد الأيدي لكل دول العالم، مما كان سببا في تدخل الأجانب في شؤون بلادنا. الحرب الجارية في بلادنا أيضا من نتتائج الاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
من النتائج السلبية الأخرى للاحتلال السوفييتي لأفغانستان هو بقاء عدة أجيال على حال أمية، ولذا تأخرنا عن ركب التطور الإنساني مسافة سنوات طوال.
الاتحاد الشيوعي عندما اجتاح أفغانستان، لم يصل إلى أهدافه. ليس ذلك فحسب وإنما دفع ضريبة ذلك بتشتت مكوناته وانهيار شوكته، وذلك أن الاتحاد السوفييتي فقد تماسكه وانهار بعد مدة وجيزة من انهزامه في أفغانستان. لم ينهزم الاتحاد السوفييتي على الصعيد العسكري فحسب وإنما على صعيد الفكر والعقيدة كذلك.
لأسباب عديدة انحسر الفكر الاشتراكي حول العالم وتم تهميشه على نحو يعجز معه عن النهوض مرة أخرى. أضف إلى ذلك أن رقعة الاتحاد السوفييتي كانت تبلغ 22 مليون كليومتر مربع، ولم يبق من هذه المساحة إلى روايات تاريخية.
بانهزام الاتحاد السوفييتي حصل الغرب على أكبر منفعة وتنفس الصعداء لأجل سقوط أحد التهديدات الكبرى على مستوى العالم. الحرب الباردة انتهت وانحاز العالم إلى قطب أمريكا. تحررت دول أوروبا الشرقية، وبلاد القوقاز ودول آسيا الوسطى التي كانت يوما تُسمى أقمار الاتحاد السوفييتي، وحصلت كل هذه الدول على استقلالها.
نهاية إمبراطورية
بعد تسع سنوات من الجهاد الأفغاني اضطر الاتحاد السوفييتي إلى إخراج عساكره من أفغانستان. بعد خروج القوات الشيوعية من أفغانستان لم يصمد الاتحاد السوفييتي كثيرا ومُحي من خارطة العالم. الدول التي كانت قابعة تحة سلطة الاتحاد السوفييتي السياسية والفكرية تحررت واستقلت من هيمنته.
الذين يسمون انهزام الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بأنه انسحاب تكتيكي وعملية سلمية من قبل جورباتشوف يشوهون التاريخ. الحقيقة هي أن العمود الفقري الاتحاد السوفييتي قد انحنى خلال سنوات الاحتلال التسع. الاستبداد السياسي والعقدي أيضا لم يكن ليُتحمل من قبل الشعوب. نيران الجهاد الأفغاني كانت تزداد اضطراما يوما بعد يوم وقد اتخذ المجاهدون عندها قرارا حازما بتلقين الشيوعيين درسا تاريخيا غير قابلٍ للنسيان.
وبالتحديد في تلك الآونة، سُمعت أصوات من قادة الاتحاد السوفييتي تنادي بخروج القوات الشيوعية المسلحة من أفغانستان بشكل سلمي وتصالحي، حتى يوقفوا العار الذي أصابهم جراء انهزامهم.