في تاريخ 28/سبتمبر/2019م تم عقد الانتخابات الرئاسية الأفغانية في الأماكن التي كانت ظروفها موائمة، وقد تمت العملية بعد اتخاذ تدابير أمنية مُكثفة. عُقدت الانتخابات بعد تأجيلها مرتين، ومن بين سُكان أفغانستان البالغ عددهم نحو 37 مليون نسمة سجّل تسعة ملايين شخص أسماءهم للتصويت، وشاركَ من العدد المذكور 1824401 شخص في الانتخابات بإدلاء أصواتهم في 24281 مركزٍ للاقتراع. تُشكل النساء نسبة 31% من المصوّتين، كما يُشكّلن نسبة 11% من مجموع الأفراد الذين تتوفر فيهم شروط التصويت. وفق النتائج المبدئية المُعلَنة فإن محمد أشرف غني الذي يرأسُ جماعة (مؤسسي الدولة) قد حاز نسبة 50.64% من مجموع الأصوات، معتليا بذلك هرم المرشحين للرئاسة بأفغانستان.
ما هي أسباب تأجيل إعلان النتائج المبدئية للانتخابات؟
تم تعيين تاريخ 19/أكتوبر/2019م لإعلان النتائج المبدئية للانتخابات الرئاسية، ثم أُجّلت إلى تاريخ 7/نوفمبر/2019م بعد تأخير استمر لـ 19 يوما. ثم أُجّل موعد إعلان النتيجة مرة أخرى إلى تاريخ 14/نوفمبر/2019م، ولم يتم الإعلان في هذا التاريخ أيضا، وأُعلنت في بداية شهر جدي، وقد تكون العوامل التالية هي الأسباب التي أدت إلى تأخير إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية:
- أدت اعتراضات بعض الفرق الانتخابية إلى تأخير إعلان النتائج عدة أيام، حيث اعترضت الفرق على قضية إشراف مفوضية الانتخابات على قضية معدات فرز الأصوات وحسابها التي تم نقلها للولايات. اعتزمت مفوضية الانتخابات أن تشرف على فرز الأصوات في عدد 8255 مركز من مراكز الاقتراع في جميع ولايات أفغانستان البالغ عددها 34 ولاية، إلا أن المراكز المذكورة افتقدت لمعدات مسح البصمة أو اتضح أن هناك فروقا في بيانات الانتخابات المُسجلة بها. الكثير من المرشحين يردون مزاعم مفوضية الانتخابات ويُطالبون بإبطال 300 ألف تصويت، إلا أن المفوضية لا توافقهم على ذلك. يرى المعترضون أن من بين التصويتات المذكورة هناك 102012 تصويت تم تسجيلها خارج الوقت المسموح، وهناك 137630 تصويت تم احتجازها، كما أن تفاصيل عدد 70000 تصويت لا تظهر بشكل واضح، إلا أن قرار المفوضية قضى بعدّ هذه الأصوات ضمن التصويتات الصحيحة.
- من جملة اعتراضات المنتقدين للمفوضية أن مخازن صناديق الاقتراع كانت موصدة في 7 ولايات، ولذا لم تقدر مفوضية الانتخابات على تفتيش تلك الصناديق وإعادة فرز اقتراعاتها في المدة المُحددة.
- الشركة الألمانية “ديرملوك” التي وفّرت أجهزة مسح البصمات وتسجيل الهويات، لم تُقدم بيانات ونتائج التصويت لمفوضية الانتخابات إلا بعد مُضي أكثر من أسبوعين، في حين أن الواجب عليها كان يقتضي إنهاء ذلك خلال يومين أو ثلاثة أيام.
إمكانية انتقال عملية الانتخابات إلى الدور الثاني
بعد تأخير استمر لقرابة ثلاثة أشهر، أعلنت مفوضية الانتخابات النتائج المبدئية للانتخابات بتاريخ 27/ديسمبر/2019م ووفقا لهذه النتائج حاز محمد أشرف غني نسبةً أعلى من 50%، وهناك قلق حيال صحة النتائج المُعلنة مع احتمال تغييرات كبيرة في النتائج، كما لا يُستبعد انتقال العملية الانتخابية إلى الشوط الثاني. هنا نحو 16500 شكوى تم تسجيلها لدى لجنة تسجيل الشكاوي بمفوضية الانتخابات، ومعظمها مُسجلة من فريق “الثبات والتعايش”، الذي قاطع عملية حساب وفرز الأصوات، وطالب بإبطال عدد 300 ألف تصويت بسبب عدم اشتمالها على البصمة أو أنها أُدخلت في صناديق الاقتراع خارج الوقت المسموح. يُلاحظ كذلك أنه لا يوجد اتحاد في المواقف في مفوضية الانتخابات حيال نتائج الانتخابات. وفق التقارير فقد اعترف أحد أعضاء المفوضية واسمه مولانا عبدالله أن النتائج الأولية المُعلنة مليئة بالمخالفات القانونية، وقد طالبَ لجنة فحص الشكاوي الانتخابية بإنجاز عملها بحيادية تامة، ليتم تمييز التصويتات السليمة من المخالفة للقانون. رغم أن إعلان النتائج المبدئية للانتخابات الرئاسية تأخر عن وقته ثلاثة أشهر، إلا أنها مازالت تفتقد للشفافية وعليها علامات استفهام، ولا يمكن استبعاد احتمال وقوع التغيير في النتائج. إذا أبطلت مفوضية الانتخابات نحو 12 ألف تصويت من الأصوات المؤيدة للمرشح أشرف غني، فستنتقل عملية الانتخابات إلى الشوط الثاني يقينا. مما يزيد في إمكانية وقوع هذا الاحتمال هو أن الأمريكان يؤيدون مسارا لا يُعرقل مفاوضاتهم مع طالبان. ووفق التقارير فإن الأمريكان لا يعتقدون أن أشرف غني سيُبدي استعداده للسلام مع طالبان في حال فوزه في هذه الانتخابات.
تأثيرات الانتخابات على عملية السلام
لا شك أن الانتخابات وكيفية إجرائها وتأخر إعلان نتائجها مرتبطة بعملية السلام الحالية. الكثيرون أمّلوا في أن تحصل المصالحة ثم تعقبها الانتخابات، إلا أن الرئيس الأفغاني اجتهد في أن تُعقد الانتخابات أولا، ثم تتحرك البلد بعدها نحو السلام بقيادة الرئيس المُنتخب الجديد. وقد تم تنفيذ ما أراده الرئيس غني، وسبب ذلك هو أن الولايات المتحدة الأمريكية أعملت ضغوطات على طالبان تفيدهم بأنه في حال امتناعهم عن الامتثال لرغبة الولايات المتحدة فإن الرئيس الأفغاني سيُنتخب وستضيع فرصة السلام لخمس سنوات أخرى. بالإضافة إلى ذلك يُذكر أنه لم تحدث أي تطورات في عملية السلام خلال مرحلة الانتخابات، وبعد أن أُجريت الانتخابات برزت تطورات في مفاوضات السلام، كما أن إعلان الانتخابات كان له تأثير سلبي على مفاوضات السلام. والآن بعد حصول تطورات كثيرة في المفاوضات، فإن طالبان تؤكد فقط على موقفها حيال إطلاق النار، ولذا تُعمل الولايات المتحدة الأمريكية عليها الضغوطات، ولذا تم إعلان النتائاج المبدئية للانتخابات لتُظهر أمريكا لطالبان أنه في حال عدم استجابة التنظيم لمطالب أمريكا فسيُنتخب رئيس لأفغانستان وستقل فرصة إحلال السلام. وقد تُرك طريق مفتوح لطالبان هو أن يُفسح المجال لهيئة الشكاوى الانتخابية بأن تُكمل عملها، ويتوقف أمر انتخاب الرئيس الأفغاني على قرار هيئة الشكاوى الانتخابية. إذا قبلت طالبان هذا الطلب فإن قرار هيئة الشكاوى الانتخابية سيحول دون وصول أشرف غني إلى سدة الحكم وستنقل عملية الانتخابات إلى الشوط الثاني. وستُشكل بعدها حكومة توافقية، وستفقد حينها الانتخابات معناها. لذا فإن التغييرات في نتائج الانتخابات والتطورات والعراقيل التي تعترض طريقها مرتبطة بمفاوضات السلام الجارية في قطر. هنا – في أفغانستان – يُضغط على طالبان من خلال التطورات في نتائج الانتخابات، ويكون تأثير ذلك هناك في قطر حيال تجري مفاوضات السلام. يقول أعضاء مفوضية الانتخابات بأفغانستان أن كثرة الشكاوي قد تستغرق وقتا طويلا لفحصها، ومن ذلك يظهر أن النتائج النهائية ستتأخر مثل ما أُخّرت النتائج المبدئية، وسيبقى الشعب منتظرا إلى أمد غير معلوم.