التعليم ركين ركين في حياة البشر وله دور أساسي في تقدم المجتمعات البشرية. المجتمعات التي اهتمت بهذا المجال وعملت على تطويره استطاعت أن تخطو نحو التقدم بشكل سريع، أما المجتمعات التي أغفلت التعليم فإنها لم تُبصر النور ولم تقتحم ميادين التطور والتقدم.
نظام المعارف (النظام التعليمي المدرسي) في أفغانستان سار سيرا صعوديا من الناحية الكمية منذ 18 عاما. هناك ارتفاع في معدل تسجيل الطلاب في المدارس، إلا أن هناك تحديات كبرى تهدد هذا القطاع مثل التدهور الأمني، ودناءة الجودة، والفساد في الإدارات التعليمية وغيرها من التحديات.
في هذا المقال سيكون الحديث عن وضع التعليم في أفغانستان منذ الفترة التي تلت عام 2001م مع تسليط الضوء على الوعود التي لم تُنفذ في هذا المجال، والتحديات التي تعترض طريق التعليم المدرسي بأفغانستان.
وضع التعليم بعد عام 2001م
بعد سقوط حكومة طالبان وتشكيل الحكومة الجديدة حدثت تحولات في قطاع التعليم وافتتحت المعارف صفحة جديدة. تم تفعيل آلاف المدارس في كل ولايات أفغانستان والتحق بها آلاف التلاميذ. في عام 2001م نشطت 3389 مدرسة في أفغانستان وكان عدد الدارسين بها مليون متعلم يُدرسهم 20 ألف مدرس، وكان عدد الطالبات قريبا من الصفر.
أما في الزمن الحاضر فإن عدد المدارس – حسب إحصائيات وزارة المعارف – يبلغ 18000 مدرسة ويدرس بها قرابة 9 ملايين طالب وطالبة، وعدد المدرسين نحو 190 ألف معلم، وبهم نسبة معلمين احترافيين بنسبة 36%، في حين أن عدد المدرسين المِهنيين في عام 2001م كان قليلا جدا، ويرجع السبب في قلة المعلمين المِهنيين في تلك الفترة إلى قلة دور تدريب المعلمين حيث كان في أفغانستان 4 جامعات لتدريب المعلمين فقط وكان عدد الخريجين من هذه الكليات لا يتعدى 400 مدرس. أما اليوم فهناك 42 كلية لتدريب المعلمين بكل ولايات أفغانستان.
مع أن قطاع المعارف تطور كثيرا في هذه المدة بأفغانستان حيث أُنشئت آلاف المدارس والتحق بها مئات الآلاف من التلاميذ، إلا أن هناك حاليا نحو 3.7 مليون طفل في سنٍ وحال مُهيئة للدراسة ولكنهم محرومون من المدارس. يُضاف إلى ذلك أن قطاع المعارف بأفغانستان يواجه تحديات عديدة على رأسها الحرب والتدهور الأمني والفساد الإداري. كما أن من مشكلات وزارة المعارف: قلة المدرسين المحترفين، وشح المباني للمدارس، وقلة الكتب الدراسية وبقية الأدوات الدراسية وعدم مطابقة الامتحانات للمعايير، والمدارس المُسجلة بالتزوير – المدارس الوهمية – والمشاكل في المناهج الدراسية، وضعف الإدارة والكثير من التحديات الأخرى في مجال التعليم.
الوعود التي لم تُنفذ بعد
تحسين وضع المعارف هو أحد الشعارات البارزة التي أعلنها الرئيس محمد أشرف غني في فترة الانتخابات، ومع اعتلائه لكرسي الحكم جدد وعوده في مناسبة الاحتفال بمناسبة يوم المعلم.
وعد الرئيس غني بزيادة الاستثمار في رفع كفاءة المعلمين لأجل تطوير حالة التعليم ولكي يكون خريجو الصف السادس والصف التاسع والصف الثاني عشر قادرين على العمل والكسب والحياة الكريمة. كما وعد بإزالة الفجوة بين المدارس الدينية والمدارس العادية مع زيادة التركيز على التعاليم الدينية.
حسب وعود الرئيس فإن كل مُعلم سُيسلم قطعة أرض في محافظته، وأضاف الرئيس قائلا: “كلما تمت مكافحة الفساد وزاد دخل الحكومة نتيجة لمنع الفساد؛ ستزداد رواتبكم”.
مع أن هذه الوعود في بداية حكومة الوحدة الوطنية خلقت آمالا بتحسين قطاع المعارف، إلا أن الرئيس غني بعد بدء حكومته بسنة قدم اعتذارا للمعلمين، ووعد في عام 2017م بأنه سيضع المعارف والتعليم على رأس برامجه. الرئيس غني كرر وعوده في بداية العام الدراسي 2018م، وصرح بأنه سيتم بناء مباني جديدة لعدد 6000 مدرسة، وسيتم توصيل المدارس في العاصمة والمحافظات بالإنترنت، كما وعد بأنه سينفذ وعده بزيادة رواتب المعلمين حتى تاريخ 2018/August/18، إلا أنه في بداية العام الدراسي 2019م قال: “توفير الميزانية والإمكانيات لستة آلاف مدرسة ليس أمرا سهلا، إلا أن الخطوات الأساسية قد اتُّخذت، وحان موعد التنفيذ الكامل”.
عزا الرئيس غني أسباب عدم تنفيذ وعوده في مجال التعليم إلى التحديات المفاجئة، وقال: “يُبنى حاليا عدد 1200 مدرسة، وسيتم تخصيص ميزانية لبناء 2700 مدرسة في العام الحالي”.
وقد مرت ستة شهور على وعود الرئيس غني الأخيرة، إلا أن المعارف مازالت على ما كانت عليه، ولا توجد مؤشرات تدل على تطورات ملحوظة. والتقرير الأخير المنشور من مكتب اليونيسف ووزارة المعارف الأفغانية أظهر دليل على وضع التعليم المتردي في البلد.
أكبر التحديات التي تواجه التعليم في أفغانستان
مع أن الحكومة قدمت وعودا مكررة بتحسين وضع المعارف في البلد، إلا أن هناك الكثير من التحديات التي تُهدد هذا القطاع الهام. من جملة 14 ألف مدرسة، هناك سبعة آلاف مدرسة ليس لها مبنى محدد، ويدرس بها الطلاب داخل الخيام أو في العراء. وزارة المعارف تنبي سنويا نحو ألف مدرسة جديدة، وإذا قارنّا هذه العدد بعدد المدارس الفاقدة للمباني فإن ألف مدرسة ليس عددا كافيا، حيث إن التحاق الطلبة الجددة يزداد كل عام. من التحديات كذلك انعدام الأمن، فالحروب تُعد أكبر عائق أمام التعليم. وفق التقرير الأخير المنشور من مكتب الأمم المتحدة لإعادة إنشاء أفغانستان UNAMA، فإن العام الماضي 2018م كان الأشد دموية للشعب الأفغاني حيث قُتل وجُرح فيه أكثر من 10 آلاف مواطن أفغاني.
وفق معلومات وزارة المعارف الأفغانية، هناك حاليا نحو 400 مدرسة مُغلقة في أفغانستان. الفساد الإداري تحدٍ آخر يواجه قطاع التعليم. في بداية العام الدراسي 2019م أعلنت اللجنة المستقلة لتقييم مكافحة الفساد بأن قطاع التعليم مازال مليئا بالثغرات التي إذا لم تُتدارك فسيكون لها تأثيرات سلبية فادحة على التعليم. هذه اللجنة نشرت تقريرا 2018 يتضمن التحذير من كمية الفساد الكبيرة في وزارة المعارف، ومن ذلك الفساد في توظيف المدرسين، وبيع الكتب الدراسية في السوق، ومشاكل في توزيع رواتب المعلمين في الولايات وغير ذلك.
عدم وجود مباني في المدارس يرجع كذلك لقضية الفساد، حيث إن هناك الكثير من المدارس الوهمية وقد تم الاحتيال والنهب من ميزانياتها. بالإضافة إلى التدهور الأمني والفساد فإن دناءة المستوى التعليمي يُعد تحديا آخر يواجه قطاع التعليم. وفق إحصائيات وزارة المعارف الأفغانية فإن نسبة 27% فقط من إجماليي 190 ألف مدرس حازوا على أقل شهادة مطلوبة للتدريس وهي شهادة التخرج من الصف الرابع عشر.
وهذا العامل بالإضافة إلى العوامل الأخرى يؤثر سلبا على حالة التعليم في البلد. وفق بيانات وزارة المعارف فإن هناك نقصا بقدر 90 مليون كتاب دراسي و 70 ألف مدرس. التحدي الآخر في قطاع التعليم هو ضعف القدرة التنفيذية لهذا القطاع في العاصمة والولايات. قطاع المعارف يُعاني من سوء الإدارة وسوء الإشراف في العاصمة ومعظم الولايات بسبب ضعف الكوادر والفساد في التوظيف. لذا فإن قطاع المعارف يحتاج أولا إلى نظام إداري وثانيا إلى إستراتيجية وطنية منظمة وشاملة قائمة على المعايير المعتبرة، لتقضي على التحديات التي تعترض مسيرة التعليم في أفغانستان.