عُقدت القمة التاسعة عشر لمنظمة شانغهاي للتعاون في يومي 13 و 14 من شهر يونيو الحالي بمدينة بيشكيك بدولة قرغيزستان. وقد شارك الرئيس الأفغاني في المؤتمر برفقة وفدٍ من المسؤولين. خلفية هذه المنظمة لها ارتباط مباشر بأوضاع أفغانستان، وخلال العقد الماضي ازداد الاهتمام بهذه المنظمة. ونظرا لما اكتسبته المنظمة من أهمية فقد أرادت الحكومة الأفغانية الانضمام إلى عضويتها. كما التقى الرئيس غني على هامش المؤتمر المذكور برؤساء كل من الصين والهند وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان.
ما هي التأثيرات المتبادلة بين منظمة شانغهاي والحكومة الأفغانية؟ وما هو دور المنظمة على الصعيد الإقليمي والدولي؟ وما تأثير هذه الأدوار على عملية السلام الأفغاني؟ تجدون في هذا المقال أجابة على هذه الأسئلة مع تحليل لنتائج القمة المذكورة.
منظمة شانغهاي 5؛ وخلفية منظمة شانغهاي للتعاون
إلى حين تفكك الاتحاد السوفييتي كان للصين حدود مشتركة بطول 7000 كلم مع عدد من الدول مثل روسيا وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان، الأمر الذي وجّه مخاطر وتحديات للصين أدت في النهاية إلى نشوء حروب بينها وبين الاتحاد السوفييتي.
اجتمعت الصين وأربعة دول أخرى (روسيا، كازاخستان، طاجكستان وقرغيزستان) في اجتماع مشترك عام 1996م عُقد لأجل تحسين العلاقات وتحديدا لأجل حل النزاعات المتعلقة بالحدود المشتركة. وقد انتهى الأمر بذلك إلى إنشاء (منظمة شانغهاي 5) وقد استطاعت هذه المنظمة على حل النزاعات الحدودية في مدة وجيزة.
وبعد تسوية قضية الحدود، تحسنت العلاقات الودية بين الدول الأعضاء، ومن ثم ركزت الدول على قضية تواجد الجماعات المتطرفة في المنطقة وخصوصا أفغانستان واعتزمت اتخاذ إجراءاتٍ ضدها. وقد عُقدت اجتماعات ضمت وزراء الخارجية ووزراء الدفاع بالدول الخمس، وقد رتبت هذه الدول ضمن أولياتها الأمن والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، والسعي إلى عدم إنتاج الأسلحة النووية في آسيا الوسطى، والتطور الاقتصادي.
في تاريخ 15/يوليو/2001 انضمت دولة أوزبكستان لعضوية منظمة شانغهاي-5، وتم تسمية المنظمة رسميا بـ “منظمة شانغهاي للتعاون”.
حاليا هناك ثماني دول لها عضوية دائمة في المنظمة وهي (الصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وروسيا، وطاجكستان، وأوزبكستان، والهند وباكستان). أما دول أفغانستان وبيلاروس وإيران ومنغوليا فهي دول مراقبة، ودول آذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسريلانكا فتُعد دولا مشاركة في المفاوضات.
الدور الإقليمي والدولي لمنظمة شانغهاي للتعاون
على مستوى العالم تعد منظمة شانغهاي للتعاون إحدى المنظمات المعتبرة ويمكننا أن نضعها في الترتيب العالمي بعد منظمة الأمم المتحدة حيث أن دول منظمة شانغهاي تشكل نسبة 44% من سكان العالم. منظمة شانغهاي تتخذ خطوات في كل فترة باتجاه التطور، وقد ضمت إلى عضويتها الدول الأربع الحائزة على السلاح النووي بما فيها الهند وباكستان، كما أن تركيا صارت مشاركة للمنظمة وهو أمر يصب في صالح دولة الصين.
استطاعت دول منظمة شانغهاي للتعاون من خلال (الهيكل الإقليمي لمكافحة الفساد) أو ما يُدعى بـ RATS في الفترة بين 2011 و 2015م أن تمنع وقوع 20 هجمة إرهابية وأن تقضي على نحو 440 وكر إرهابي مع إلقاء القبض على 1700 مجرم دولي كما استطاعت الكشف عن نحو 3250 جهاز تفجير، وهذه الخطوات لها تأثير على استقرار الأمن نسبيا في المنطقة.
علاوة على ذلك فقد تم مناقشة هذه المواضيع في القمة المنعقدة عام 2015 وذُكر فيها أن الدول الأعضاء بحاجة إلى تبادل المعلومات حيال المراكز الإرهابية وأنشطتها ومصادر تمويلها، ليتم اتخاذ خطوات وقرارات مشتركة لأجل منع وقوع التدهور الأمني في المنطقة.
حسب تصريحات منظمة شانغهاي للتعاون فإن الدول الأعضاء تتعاون في المجالات التالية لاتخاذ خطوات إيجابية من شأنها بناء الثقة بين دول المنطقة وحفظها من الصراعات:
المخدرات: منظمة شانغهاي للتعاون عقدت اجتماعات مع المجتمع الدولي وتم بحث قضايا مكافحة الإرهاب وزرع وتهريب المخدرات والتسليح غير القانوني على مستوى العالم، ومن الاجتماعات المذكورة مؤتمرُ عام 2016م المنعقد بمقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، وكان هدف المؤتمر مكافحة الأخطار الدولية. كما تم عقد مؤتمر آخر في فيينا عاصمة النمسا بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات والجرائم التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
التعاون الاقتصادي: تعتزم منظمة شانغهاي دعم قطاعات التجارة الحرة والاستقرار الاقتصادي وإنعاش الاقتصاد الدولي بشكل مستمر، مع محاولة إزالة العوائق التي تعترض طريق التجارة الدولية.
التعاون الثقافي: السبب الأصلي الذي أنشأ الثقة بين الدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي ومهد الطرق للتعاون بينها هو التعاون في المجالات الثقافية والعلمية. من الممكن أن يكون هناك ميراث ثقافي ضخم وتبادل ثقافي بين دول آسيا الوسطى، مما يُعد كفيلا بتقريب المسافة بين الشعوب.
القمة التاسعة عشر لدول منظمة شانغهاي للتعاون
في يومي 13 و 14 من شهر يونيو هذا العام عقدت منظمة شانغهاي مؤتمرا تناول بالإضافة إلى قضية الأمن الإقليمي قضايا أخرى مثل مكافحة الإرهاب المخدرات، والتقدم الاقتصادي وتطوير قطاع الصناعة وأوضاع أفغانستان والموقف من اتفاقية إيران حيال السلاح النووي.
دولة الصين دولة مقتدرة في المنطقة وترغب في انضمام أفغانستان لعضوية المنظمة بشكل دائم، وقد أيدت الصين تعيين أفغانستان عام 2012م كدولة مراقبة للمنظمة. مشاركة أفغانستان في المنظمة أمر مهم جدا حيث أنه كفيل بإنجاح جهود مكافحة المخدرات والجماعات الإرهابية التي لا يقتصر خطرها على أفغانستان وحسب وإنما تهدد أمن جميع دول المنطقة.
أضاف الرئيس غني في حديثه بقمة منظمة شانغهاي أن المخدرات والإرهاب والحروب تمثل مخاطر كبيرة لأمن دول المنظمة كما أبرز تقديره لجهود القوات الأمنية الأفغانية التي استطاعت أن تقضي على عدد 53 معمل إنتاج للمخدرات بولاية فراه غربي أفغانستان، مما يُخمن قدر إنتاجها بمليار دولار، وأكد أن بلاده تكافح زراعة وتهريب المخدرات بشكل حازم.
دور منظمة شانغهاي للتعاون في عملية السلام الأفغاني
طالب الرئيس غني دعم عملية السلام الأفغاني وأكد أن قيادة الأفغان لعملية السلام لا تخالف أهداف دول منظمة شانغهاي. الحكومة الأفغانية تسعى لإرساء السلام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وتستطيع عبر التنسيق مع دول المنطقة أن تُوجد إجماعا إقليميا حيال قضايا السلام بأفغانستان، كما أن دور الصين والهند اللتان لهما علاقات وثيقة بأفغانستان يُعد مهما ومفيدا في هذا الصدد. هذا وقد وعد رئيس وزراء دولة باكستان المنضوية تحت عضوية المنظمة بتقديم الدعم لعملية السلام الأفغاني تحت قيادة الأفغان.
كلمة أخيرة
لمنظمة شانغهاي أهمية فريدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما أن أفغانستان هي نقطة الاتصال بين دول آسيا الجنوبية والمركزية التي انضم بعضها إلى أعضاء منظمة شانغهاي. لذا فإن المسارعة بإلحاق أفغانستان إلى عضوية المنظمة سيفيد في إيجاد حلول لقضايا السلام في البلد وقضايا الحدود المشتركة والمصالح الاقتصادية.
تستطيع الحكومة الأفغانية بعد الانضمام للدول الأعضاء بالمنظمة أن توجد حلولا لقضايا الحدود المشتركة مع الدول الأخرى، حيث أن الدول الأعضاء التزموا عام 2015م بتسوية قضايا الحدود المشتركة والتعاون من أجل تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب العالمي. أفغانستان بانضمامها للمنظمة تستطيع أن تُعمل الضغط على دولتي باكستان وإيران من أجل دفعهما للعب دورٍ إيجابي ونشيط في إحلال السلام الدائم في أفغانستان.