السابع عشر من الشهر مي يوافق اليوم العالمي للاتصال عن بعد أو الاتصال البعادي. تقنية الاتصال عن بعد تُعد من أهم الصناعات التي تربط أجزاء العالم ببعض. وقد نمت هذه الصناعة منذ بداية اكتشافها وحتى الآن بشكل سريع وقد تخطت جميع الحجب. كما أن هذه الظاهرة نمت في أفغانستان أيضا بشكل سريع إلا أن الحرب ألحقت أضرارا بالغا بها ودمرت بنيتها التحتية. بعد عام 2001 سرت الحياة مجددا في هذه الصناعة وأخذت في النمو السريع. تُعد أفغانستان حاليا في مجال الاتصال البعادي إحدى الدول المتقدمة في دول المنطقة. سنسلط الضوء في هذا المقال على مجال الاتصال عن بعد وما لدى أفغانستان من فرص وتحديات في هذا المجال.
تاريخ الاتصال البعادي في أفغانستان
أول محطة في رحلة أفغانستان في مجال الاتصال عن بعد بدأت بتنصيب الهاتف السلكي اليدوي في القصر الرئاسي بكابل عام 1898م. في عام 1908 نُصب نظام مصغر لهاتف بسعة 25 سلك في شمال القصر الرئاسي. خدمات التلغراف كانت الخطوة التالية في مجال الاتصال عن بعد، حيث بدأ استخدامها في أفغانستان عام 1914م. في هذا الوقت تم افتتاح أول محطة إذاعية في كابل بسعة 20 كيلو واط لبث إذاعة باريس. أول جهاز هاتف تم استيراده للبلد كان من صنع شركة تسلا من دولة تشيكوسلوفاكيا بسعة 1200 سلك وتم افتتاحه في المبنى السابق لوزارة الاتصال في منطقة (بُل باغ عمومي) في كابل. في عام 1955م تم افتتاح المركز الآلي للاتصالات بدعم من شركة (سيمنز) الألمانية الغربية بسعة 5000 سلك. وعقب ذلك في عام 1967م تم تفعيل مراكز الاتصال الآلية في منطقتي (كارته جهار) و (شهر نَو) بسعة 3000 سلك من قبل متخصصين من ألمانيا الغربية.
بدأ تشغيل أجهزة الهاتف الآلية في مدن مزار شريف، وهرات و قندهار بسعة 1500 سلك، ثم تم تنصيب الأجهزة الآلية في مناطق خير خانه و مكروريان بكابل بسعة 3000 سلك في عام 1977م بدعم من ألمانيا الغربية، إلا أن هذا الدعم لم يستمر مع استمرار الغزو الروسي لأفغانستان مما تسبب في عدم إكمال المشروع. وبعد وقفة تم استئناف العمل من قبل متخصصين أفغان بقيادة المهندس محمد شاكر طاهر وأُكمل المشروع وبدأ تشغيله. في أواسط العقد الثامن من القرن الماضي بدأ استخدام خدمات الهاتف والتلغراف على مستوى المديريات. رغم أن نظام الهاتف كان مقتصرا على بعض الأجهزة الحكومية إلا أن فئاتٍ من المحليين كانوا يستخدمون هذه الخدمات بشكل محدود.
في عامي 1983 و 1984 تم تنصيب الأجهزة من نوع كراسبار في ولايات كابل وجلال آباد و بروان و بلخمري و شبرغان و كندوز. في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي تسببت الاضطرابات السياسية والاجتماعية في تعطيل وتدمير أنظمة الاتصال، وفي أواخر فترة حكم الحزب الشيوعي الديمقراطي كانت معظم المديريات تفتقد إلى خدمات الاتصال الضرورية.
المرحلة الجيدة من التطورات
بعد عام 2001 طرحت وزارة الاتصال وتقنية المعلومات – بشكل غير مسبوق في البلد – إستراتيجية وسياسات عامة لقطاع الاتصال لتقدر من خلالها على تشغيل الشركات والإدارات الخاصة في الاستثمار في مجال الاتصال. منذ ذلك الوقت تعاقبت شركات أفغان بيسيم، و روشن، و MTN، و واصل تيليكوم، واتصالات، وشركات حكومية مثل سلام و أفغان تليكوم على الاستثمار في هذا المجال برؤوس أموال طائلة من الخارج وتقدمت بشكل سريع في منافسة شديدة. تغطي هذه الشبكات حاليا أكثر من 90% من مساحة أفغانستان. وفق بعض الإحصائيات يبلغ عدد الشرائح التي تم توزيعها في البلد 25 مليون شريحة، ويبلغ بذلك عدد الهواتف النقالة المستخدمة في البلد عددا يتراوح بين 15 و 17 مليون هاتف تخمينا.
التحديات
رغم النمو السريع في قطاع الاتصال وخصوصا شبكات الجوال؛ هناك مشكلات في هذا القطاع تحول دون تطبيق خطط وزارة الاتصال وتقنية المعلومات كما تعيق تطور هذا القطاع العام بشكل متزن. من أهم هذه العقبات:
۱.الأمن: الأمن عامل مهم يؤثر تأثيرا بالغا على جميع نواحي الحياة بما فيها مجال الاتصال وتقنية المعلومات، حيث أنه لا يمكن المحافظة على الأنظمة الموجودة وتطويرها في مجال الاتصال دون استقرار الأمن في البلد. كما أن تمديد الأسلاك الضوئية (Optical fiber) في جميع أنحاء البلد متوقف على الحالة الأمنية. تمديد هذه الأسلاك وتوصيلها مع الدول المجاورة ضروري لتوفير خدمة الإنترنت بجودة عالية وتكلفة نازلة. وقد تم العمل على تمديد هذه الأسلاك بشكل بطيء كما تم قطع وتدمير الأسلاك المُمدة عدة مرات، منها التهديدات التي تلقاها مشروع الأسلاك الضوئية في شمال غربي البلد والمناطق المركزية والجنوبية والتي أدت إلى إلغاء المشروع بالكلية.
من أسباب رفع تكلفة الاتصال تدهور الحالة الأمنية، حيث تضطر الشركات من أجل الحفاظ على سلامة الأبراج إلى توظيف حرس وتحمل مصاريف إضافية. كما أن هناك مناطق يتم تدمير الأبراج فيها من قبل المعارضة المسلحة. وقد لوحظ أن الجماعات المسلحة وذوو النفوذ من القادة المحليين يمنعون تنفيذ مشاريع قطاع الاتصال أو يؤخرونها في كثير من المحافظات.انعدام الأمن في الكثير من المحافظات تسبب في عدم تعبيد الطرق العامة، وذلك يؤدي بدوره إلى تعذر نقل المعدات اللازمة لبناء أبراج الشبكات وتمديد الأسلاك الضوئية، ولذا فإن هناك مساحات لم يتم تغطيتها حتى الآن بشبكات الاتصال. توزيع شرائح الجوال غير المسجلة من قبل شركات الاتصال أدى كذلك إلى مشاكل أمنية واجتماعية وسياسية بما في ذلك جرائم القتل والاختطاف والتحرش والإيذاء. من جانب آخر فإن عدم الاستخدام الواسع للهواتف المنزلية والمكتبية السلكية بجانب عوامل أخرى أدى إلى تعطل البنية التحتية لنظام الاتصال في الحروب الأهلية، ويوجد حاليا نحو 356 ألف سلك هاتف نشيط في أفغانستان.
۲. الفساد: ضعف الكفاءات ووجود الفساد تسببا في تقليل دخل وزارة الاتصال الذي تتلقاه من شركات الهواتف النقالة. تصل مبيعات هذه الشركات سنويا إلى نحو 3.5 مليار دولار، وذلك أن متوسط مصاريف الهاتف الواحد يُخمن في حدود 9 دولارات، ووفق هذا العدد فإن دخل وزارة الاتصال المتدفق من الشركات المذكورة يبلغ نحو 600 مليون دولار سنويا.إلا أن الواقع خلاف ذلك، حيث أن دخل الوزارة من الشركات يصل إلى 200 مليون دولار سنويا. كما أن الشعب لم يرتض الضريبة التي وُضعت على بطاقات شحن الرصيد بمقدار 10%، وليس لديهم ثقة بأن هذا المبلغ يتم إيداعه كاملا في خزانة الحكومة. يُخمن القدر الإجمالي للمبلغ الحاصل من الضريبة المذكورة بـ 300 مليون دولار سنويا، فهل يتم تسليم هذا المبلغ بنزاهة إلى الحكومة أم أن هناك مبالغ تُختلس منه؟
وفق تصريحات المسؤولين في وزارة الاتصال وتقنية المعلومات فإن شركات الاتصال تفتقد للنزاهة ليس فقط في دفع الضرائب للحكومة وإنما كذلك في دفع الغرامات التي على عواتقها.
۳. غلاء سعر المكالمات واستغلال العملاء
رغم أن قطاع الاتصال اجتاز خطى تطورية كبيرة إلا أن سعر المكالمات مازال مرتفعا مقارنة بالدول المجاورة، مع رداءةٍ في الجودة. تُعد أفغانستان من الدول الفقيرة في العالم، ويقبع نحو 50% من السكان تحت خط الفقر، لذا فإن من غير الممكن لجميع سكان البلد أن يستخدموا خدمة الهاتف على قدر الحاجة بسبب غلاء سعر المكالمات.
من الأسباب الأخرى التي أدت إلى غلاء سعر المكالمات سوء استغلال نظام السوق الحر، حيث إن الشركات بالتنسيق مع بعضها البعض تُبقي أسعار المكالمات مرتفعة وفق رغبتها، وللأسف فإن وزارة الاتصال الموقرة لا تلعب دورا في مراقبة أسعار المكالمات الهاتفية. من الشكاوي الشائعة لدى مستخدمي الهواتف النقالة أن الرصيد يُسرق من شرائحهم، أو يتم تفعيل بعض الباقات التي تقتطع من رصيدهم دون إذنهم. كما لوحظ أن الكثير من باقات الإنترنت من الجيل الثالث والجيل الرابع (3G و 4G) التي يشتريها المستخدمون بسبب الإعلانات المكثفة ليست في مستوى الجودة المزعوم في الإعلانات.
مقترحات
من أجل تحسين قطاع الاتصال في البلد فإن من الضروري تطبيق المقترحات التالية:
1- على وزارة الاتصال أن تخفض أسعار شبكات الهاتف لخدمات المكالمات والإنترنت بعد إجراء دراسة مستفيضة ورعاية أصول المنافسة البناءة، وذلك حتى يتمكن أفراد الشعب الأفغاني وخصوصا قليلو ذات اليد من أداء ضرورياتهم التواصلية عبر الهاتف والإنترنت بقيمة متواضعة.
-2ينبغي أن يكون هناك ارتباط مبني على الصدق والنزاهة بين وزارة الاتصال وشركات قطاع الاتصال ليتم التنسيق والتعاون لأجل الحفاظ على جودة وقيمة خدمات التواصل، ويُضمن بذلك رضا المستخدمين من جانب، والحفاظ على دخل الحكومة من جانب آخر.
-3 ينبغي تحسين نظام أخذ الضرائب من شركات الاتصال حتى تكون نزيهةً أكثر من السابق، وذلك كي لا يتبدد أحد الموارد المهمة لدخل الحكومة.
4- في حين أن معظم الأرباح الحاصلة من شركات الهواتف النقالة تُنقل إلى خارج البلد، ينبغي تطوير خدمات الهواتف السلكية حتى تقل ظاهرة هروب الأموال إلى الخارج.