قالت حركة طالبان في بيان لها قبل أيام أن ممثليها سيلتقون بممثلي الحكومة الأمريكية ورئيس الوزراء الباكستاني في إسلامآباد في ۱۸ فبراير ۲۰۱۹م قبل لقاء الدوحة، وذلك بدعوة رسمية من الحكومة الباكستانية؛ لكن قبل يومين من الاجتماع نشر بيان يفيد إرجاءه إلى وقت لاحق.
تخطيط مؤتمر إسلامآباد كان في وقت يقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى باكستان، كما كان من المتوقع أيضا أن يلتقي الأمير محمد بن سلمان بممثلين من حركة طالبان، وكان يتكهن أن تحاول السعودية وأمريكا تشجيع باكستان على التعاون الجاد مع عملية السلام الأفغانية.
الحديث عن سفر ممثلين من طالبان إلى إسلامآباد يأتي في وقت من المقرر أن يجتمع الأمريكيون وطالبان في العاصمة القطرية الدوحة للحديث بشأن عملية السلام في أفغانستان في ۲٥ من فبراير من العام الميلادي الحالي.
إرجاء مؤتمر إسلامآباد المخطط له، وأسباب إرجاء هذا المؤتمر من الموضوعات التي تقرؤون حولها في هذا التحليل.
مؤتمر إسلامآباد
تحاول باكستان منذ بضعة عقود الماضية أن يكون لها نفوذها في أفغانستان. مع أن هناك ضغوطا دولية على باكستان لإيوائه طالبان وتأييدها للحركة؛ ولكن عندما قررت الحركة الدخول في مفاوضات السلام مع الأمريكيين، فإن باكستان تحاول مرة أخرى الحصول على أهدافها في هذه العملية، وأن تزيد من رصيده عند الأمريكيين والحكومة الأفغانية بإعطاء نفسه دورا محوريا في هذه العملية.
مؤتمر إسلامآباد كان من المقرر إقامته في ۱۸ من فبراير من العام الميلادي الحالي، قالت الحركة بهذا الشأن في بيان لها أن ممثليها سيلتقون برئيس الوزراء الباكستاني أثناء زيارتهم لهذا البلد، ويتحدثون حول العلاقات الأفغانية الباكستانية واللاجئون الأفغان في باكستان والمشكلات التجارية بين البلدين.
بعد أن نشرت طالبان بيانا حول زيارة ممثليها لباكستان؛ أثار البيان ردود فعل شديدة على مستوى الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني. كثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعية انتقدوا طالبان، كما أبدى مسؤولو الحركة السابقون قلقهم بهذا الشأن. أدان الرئيس أشرف غني هذه الزيارة وقال: “على باكستان أن توضح علاقتها بطالبان، كما يجب على الحركة توضيح علاقتها بباكستان”. بعد ذلك قدمت وزارة الخارجية الأفغانية شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة بشأن الزيارات التي قامت بها حركة طالبان.
الرئيس السابق حامد كرزي أيضا قال أن باكستان تريد إعمال نفوذها في أفغانستان عن طريق عملية السلام، ويجب تخليص عملية السلام الأفغانية من النفوذ الباكستاني حسب قوله، ويجب حل جميع المشكلات في أفغانستان عن طريق الحوار بين الأفغان أنفسهم.
لماذا تم إرجاء مؤتمر إسلامآباد؟
حول إرجاء اللقاء المخطط له بين المندوبين الأمريكيين ورئيس الوزراء الباكستاني؛ هناك نقاط مهمة كالتالي:
الوضع المتوتر في المنطقة: قبل إقامة مؤتمر إسلامآباد، وقع هجوم بسيارة مفخخة على جنود هنود في منطقة كشمير الهندية قتل بسببه حوالي ٤٥ شخصا، ألقت الهند مسؤوليته على الجيش والاستخبارات الباكستانيين، وهددت بالانتقام من باكستان. بعد حصول التوتر في العلاقات بين دلهي وإسلامآباد طلبت باكستان من منظمة الأمم المتحدة أن تلعب دورها لتخفيف التوتر بين البلدين.
بالنظر إلى هذا الوضع هناك احتمالان؛ الأول: إن الهند شريكة استراتيجية لأمريكا؛ وربما طلبت أمريكا من باكستان إرجاء مؤتمر إسلامآباد من أجل الهند من جهة، ومن جهة أخرى أخذت بذلك تخفيف قلق الحكومة الأفغانية بعين الاعتبار. والثاني: ربما انصرفت باكستان من إقامة هذا المؤتمر على أراضيها نظرا للوضع الحالي والضغوط الموجودة عليها.
استغلال طالبان الاختلافات الموجودة بين دول المنطقة: زيارة ممثلي حركة طالبان لباكستان تم التخطيط لها في وقت تستضيف إسلامآباد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة، ومن جهة أخرى قتل ۲۷ شخصا في إيران بهجوم دموي لجيش العدل على الحرس الثوري الإيراني. إيران انتقدت باكستان بشدة على خلفية هذا الهجوم. يعتقد أن طابان ألغت زيارتها لباكستان لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر وإيران؛ لأن العلاقات بين كل من قطر وإيران من جهة والسعودية من جهة أخرى ليست طيبة.
تقديم الحكومة الأفغانية شكوى رسمية إلى منظمة الأمم المتحدة: بعد انتشار خبر زيارة ممثلي طالبان لباكستان، قدمت الحكومة الأفغانية شكوى إلى مجلس الأمن تشكو زيارات طالبان إلى بعض الدول. تقول الحكومة الأفغانية أن القائمة السوداء تتضمن أسماء مسؤولي الحركة ولا يستطيعون السفر أينما يريدون وبكل حرية. طلبت الحكومة الأفغانية في شكواها من الأمم المتحدة احترام المطالبات والصلاحيات القانونية للحكومة بمنع وفد طالبان من السفر إلى باكستان.
حول تأجيل مؤتمر إسلامآباد، القائمة السوداء هي القضية التي أشارت إليها طالبان في بيانها أيضا. جاء في بيان طالبان أن سبب إلغاء زيارة وفدها لباكستان هو كون أسماء مسؤولين من الحركة ضمن القائمة السوداء للأمم المتحدة، لكن السؤال المطروح هنا أن طالبان وفي الأشهر الماضية سافروا إلى دول كثيرة، وشاركوا في مؤتمر موسكو، لماذا لم تقم الأمم المتحدة قبل ذلك بفعل أي شيء تجاه القضية.
هل قلق الحكومة الأفغانية في التقلص؟
قرار الحكومة الأفغانية على دعوة المجلس الأعلى للقبائل الأفغانية (لويا جيرغا) في شهر حوت من العام الشمسي الحالي، وتعيين مدة سنة للمصالحة مع طالبان من قبل الرئيس أشرف غني في مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسين، وزيارة القائم بأعمال وزارة الدفاع الأمريكية لكابل، واللقاءات مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في مؤتمر ميونيخ، وزيارة زلمي خليلزاد لكابل قبل أسبوع؛ كل ذلك من الأمور التي يمكن أن تعتبر ضوءا أخضر من قبل الأمريكيين والمجتمع الدولي للحكومة الأفغانية للتخفيف من قلقها.
مع أن الرئيس غني قد أبدى قلقه بشأن المفاوضات المباشرة بين الأمريكيين وطالبان؛ إلا أنه وبعد لقائه الأخير مع زلمي خليلزاد قال أنه توصل مع المبعوث الأمريكي إلى قاعدة جديدة لمفاوضات السلام في أفغانستان.
وحول الفريق الحكومي المفاوض لحركة طالبان قال خليلزاد أثناء سفره إلى كابل: قبل كل شيء هناك حاجة ماسة إلى فريق وطني وصادق لإنجاح عملية السلام في أفغانستان. وقال: قبل دعوة المجلس التقليدي الأفغاني (لويا جيرغا) يجب إيجاد فريق وسيط حتى يستطيع المجلس أن يعتبره ممثلا له في المفاوضات تكون له صلاحية كاملة فيها.
حول تصريحات زلمي خليلزاد هذه قال الرئيس غني: يمكن إحداث التغيير في الوفد الحكومي المعلن عنه للمفاوضات إذا دعت الحاجة إلى ذلك. كما قال خليلزاد أيضا أنه يحاول إقناع طالبان على التفاوض مع الحكومة الأفغانية. من كل ذلك؛ يبدو أن المسافة الموجودة بين الرئيس غني وأمريكا في تقلص، وتحاول الأمريكان إقناع الحكومة الأفغانية أن تكون مع العملية لا ضدها.
انتهى