عقد مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسين للأمن الأسبوع الماضي (۱٥ – ۱۷ فبراير ۲۰۱۹م) في مدينة ميونيخ الألمانية لدراسة التحديات السياسية والأمنية التي يواجهها العالم. حضر المؤتمر ۳٥ رئيس دولة، و٥۰ وزير خارجية، و۳۰ وزير دفاع، وعشرات آخرون من رؤساء وممثلي المنظمات غير حكومية من جميع أنحاء العالم.
شارك الرئيس الأفغاني في هذا المؤتمر على رأس وفد عالي المستوى، وبالإضافة إلى مشاركته في المؤتمر التقى في هامشه برؤساء ومسؤولين آخرين لبعض الدول على حدة. كان تركيز الحكومة الأفغانية في هذه اللقاءات على عملية السلام الأفغانية وتعريفها للسلام المستقِر.
يعقد مؤتمر ميونيخ السنوي الخامس والخمسين هذا العام في وقت تكون قضية السلام وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان على رأس الأخبار في البلاد، وكان من المؤمل أن تحتل القضية الأفغانية حيزا أكبرا من موضوعات هذا المؤتمر، لكن اهتمام المؤتمر بالقضية كان أقل مما كان متوقعا.
مؤتمر ميونيخ السنوي الخامس والخمسون، والقضية الأفغانية في المؤتمر وهامشه من الموضوعات التي نتطرق إليها في هذه السطور.
مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسون
يعقد مؤتمر ميونيخ للأمن كل سنة لتقييم الأمن العالمي في شهر فبراير منذ عام ۱۹٦۳م. يعقد المؤتمر في فندق (بايريشر هو) في مدينة ميونيخ الألمانية. هذا المؤتمر هو أكبر ندوة عالمية مستقلة لتبادل الآراء وبحث السياسة الأمنية العالمية والتي يجتمع فيها شخصيات كبيرة من أكثر من سبعين دولة من جميع أنحاء العالم.
المشاركون في هذا المؤتمر هم رؤساء الدول، والوزراء، وأعضاء البرلمانات، وممثلو القوات المسلحة رفيعو المستوى، وكبار الشخصيات من المنظمات الدولية، وممثلو المجتمع المدني وقطاعات الصناعة وإعلاميون.
انعقد مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسين السنوي الأسبوع الماضي في ۱٥ و۱٦ و۱۷ من فبراير من هذا العام. مع أن مستقبل الاتحاد الأروبي، وكيفية الوضع التجاري، والأمن الدولي، والتحكم في التسلح، وتداعيات سباق السلطة بين أمريكا والصين وروسيا من الأمور المهمة المعنونة في المؤتمر؛ إلا أن أكثر البحوث المقدمة في المؤتمر تمركزت حول الخلافات بين أمريكا وأروبا، وتبادل التهم بين القوى الكبرى، وكيفية مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس اعتبر إيران أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط، وطلب من الدول الأروبية أن تخرج من الاتفاق الذري مع هذا البلد. أكد بنس في كلمته: “لقد حان الوقت أن تخرج أروبا من الاتفاق الذري مع إيران”. أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنكر التهم الواردة، وقال أن واشنطن هو العامل الأساس لعدم الاستقرار في المنطقة.
التأكيد على محو تنظيم الدولة الإسلامية موضوع آخر من موضوعات مؤتمر ميونيخ. في هذا المؤتمر تمت مناقشة استراتيجية الغرب ضد داعش. باتريك شنهن القائم بأعمال وزارة الدفاع الأمريكية قال في مؤتمر ميونيخ أن واشنطن تريد تعزيز شراكة اتحاد دول المنطقة لمواجهة داعش وتوسيع نطاق المواجهة مع داعش إلى خارج العراق وسورية. وزير الدفاع الألماني أيضا أكد على ضرورة الاستعدادات لمواجهة داعش، مع أن داعش ضعف كثيرا في العراق وسورية؛ ولكن يجب أن نعرف أنه ظهر بوجه آخر وكون شبكة عالمية من بقية الحركات الإرهابية بهدف الفعاليات تحت الأرضية.
القضية الأفغانية في مؤتمر ميونيخ
لايتم اتخاذ قرار إلزامي في مؤتمر ميونيخ بشأن أي من الموضوعات؛ ولكن يكون هناك تبادل للآراء ولقاءات سياسية مهمة. شارك أفغانستان في المؤتمر رجاء أن ينتج عنه تعاون أكثر من المجتمع الدولي مع الحكومة الأفغانية سيما بشأن السلام والأمن.
كان من المتوقع وبالنظر إلى مفاوضات السلام الجارية بين أمريكا وطالبان واحتمال خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، أن تكون القضية الأفغانية على صدر القضايا المطروحة في مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسين؛ ولكن لم يكن كذلك، والوحيد الذي تطرق إلى القضية الأفغانية بشكل سريع هي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. ميركل نبهت على خطورة خروج القوات الأمريكة السريع من أفغانستان وقالت: “الألمان قامت بعمل كثير عندما اقتنع الشعب أن الدفاع عن الأمن الألماني يجب أن يكون في جبال هندوكش”.
وفي لقاء خاص الذي كان على شكل السؤال والجواب في مؤتمر ميونيخ حاول الرئيس غني أن يعرض مطالب الحكومة الأفغانية وتعاون الدول الغربية فيما يتعلق عملية السلام الأفغاني. حاول غني أن يقدم تعريفا واضحا عن السلام الدائم، وأكد أن السلام الدائم في أفغانستان لن يكون إلا بواسطة الأفغان أنفسهم.
هوامش مؤتمر ميونيخ
هوامش مؤتمر ميونيخ الأمني أيضا كانت فرصة مناسبة للقاءات ثنائية لكبار المسؤولين من دول العالم. مؤتمر ميونيخ الأمني الخامس والخمسون كان للمسؤولين الأفغان أيضا فرصة مناسبة لمقابلة الشركاء الدوليين والحوار معهم. هنا نلقي نظرة إلى لقاءات المسؤولين الأفغان على هامش مؤتمر ميونيخ:
لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين: التقى رئيس الجمهورية أشرف غني على هامش مؤتمر ميونيخ بنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، والمبعوث الأمريكي لمفاوضات السلام في أفغانستان زلمي خليلزاد، ورئيسة الكونغرس الأمريكي ننسي بيلوسي كل على حدة، وتحدث معهم حول عملية السلام والإصلاحات الانتخابية في أفغانستان.
مايك بنس في لقائه مع أشرف غني عبر تقديره وإعجابه بعد للويا جيرغا (المجلس التقليدي الأفغاني) والإصلاحات في لجنة الانتخابات، وقال أن أمريكا لن تسمح أن يتحول أفغانستان مرة أخرى إلى وكر للإرهابيين. من جهة أخرى زلمي خليلزاد وفي لقائه مع الرئيس غني تحدث حول إجراءات القادمة وعقد اللويا جيرغا للسلام والتقدم الذي حصل أخيرا بهذا الشأن. رئيسة الكونغرس الأمريكي ننسي بيلوسي أيضا تحدثت مع الرئيس غني بشأن عملية السلام وطمأنت الرئيس على استمرار التعاون الأمريكي مع أفغانستان سيما في عملية السلام ومكافحة الإرهاب، وستبقى أمريكا شريكة استراتيجية مع أفغانستان في هذه القضية. الرئيس غني وضمن تقديره للتعاون الأمركي المستمر أكد أن الحاجة ماسة لتصل الجهود الجارية من أجل السلام إلى نتائج مرجوة هي السلام والاستقرار الدائمين في أفغانستان.
لقاءات مع مسؤولين أروبيين: التقى الرئيس غني على هامش مؤتمر ميونيخ مع مسؤولي الدول الأروبية كل على حدة، منهم المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، رئيسة الوزراء النرويجي إيرنا سولبريج، وزير الدفاع البريطاني جاوين ويليامسين، ومسؤولة العلاقات الخارجية والممثلة الخاصة للاتحاد الأروبي، ووزير الدفاع التركي هلوسي آكار.
كانت هذه اللقاءات والحديث فيها يدور حول مفاوضات السلام في أفغانستان، ومكافحة الإرهاب، والانتخابات الرئاسية، والتعاون الإقليمي، والتحولات وكيفية إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان. كما طمأن المسؤولون الأروبيون الرئيس غني في لقاءاتهم معه على استمرار تعاونهم مع أفغانستان.
لقاءات مع مسؤولي الدول والمنظمات الأخرى: كما التقى الرئيس غني على هامش مؤتمر ميونيخ مع سكرتير حلف شمال الأطلسي الناتو ستولتنبرج، و وزير الخارجية الإماراتي الدكتور أنور محمد قرقاش، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، و وزير الخارجية الأزبيكستاني عبدالعزيز كاملوف كل على حدة. عملية السلام في أفغانستان، والتعاون المشترك لمكافحة الإرهاب، وتعزيز العلاقات الثنائية كانت أهم الموضوعات التي تم الحديث عنها في هذه اللقاءات.
مع أن مؤتمر ميونيخ الخامس والخمسين لم يول اهتماما كبيرا بالقضية الأفغانية؛ إلا أن الحكومة الأفغانية سعت تقديم نفسها كونها في مقدمة الحرب على الإرهاب وعلى المجتمع الدولي التعاون معها في القطاع الأمني وفي الحرب ضد الجماعات المسلحة. كما حاول المسؤولون الأفغان واستغلالا من الهجمات الأخيرة التي وقعت في الهند وإيران توضيح موقفهم تجاهها وتكثيف الضغوط الدولية على باكستان لإيوائها الجماعات الإرهابية وحمايتها للإرهابيين.
انتهى