على رغم من أن خطوات أمريكا الأخيرة بشأن السلام الأفغاني تبعث الأمل، إلا أن دور الدول الإقليمية بهذا الشأن لا ينبغي التجاهل به في هذه المرحلة، ونظرا إلى حرب الـ 17 الماضية يبدو أن تعاون دول قوية في المنطقة خطوة مهمة لأجل السلام والاستقرار الأمني في هذا البلد.
تعتبر روسيا القوة الحاكمة على المستوى الإقليمي والدولي والتي بدأت تزداد علاقتها حول القضايا الأفغانية. كما أنشأت علاقات مع حركة طالبان وتُظهر أنها تهدف إلى بدء محادثات السلام الأفغانية وتحاول أن تقنع طالبان لهذه المفاوضات.
ما هي الجوانب المهمة التي ينبغي الاهتمام بها في قضية السلام الأفغاني؟ ولماذا الدور الإقليمي في السلام الأفغاني مهم؟ وما مدى أهمية وتأثير اجتماع موسكو على هذه القضية؟ هي أسألة تمت الإجابة عنها في هذا الجزء من التحليل الأسبوعي.
الحواجز الثلاث أمام السلام الأفغاني
منذ السنوات القليلة الماضية، تحاول الحكومة الأفغانية بدء مفاوضات السلام مع طالبان. كما تمت محاولات عدة للضغط على طالبان بمختلف الوسائل وعلى المستوى الإقليمي والدولي، لتحضر طالبان على طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية مباشرة وبطريقة ما، ولكن لم يكن لها أي إنجاز كبير حتى الآن.
وحتى تكون لمحاولات السلام نتيجة إيجابية، فينبغي أن تحاول إزالة الحواجز الثلاث على المستوى المحلي، والإقليمي والدولي والتي تعد مهمة في هذه القضية:
أولا: فضلا عن الموانع العديدة أمام تعزيز السلام في أفغانستان، هناك مشكلات على المستوى المحلي، فهناك أشخاص وجهات تخالف عملية السلام علنا أحيانا وسرأ في كثير من الأحيان، والتي تعتبر من أهم الحواجز أمام السلام الأفغاني وكانت سببا في مواصلة الحرب في البلاد.
هؤلاء الناس والجهات يرون مصالحهم في مواضلة الحرب، ويعتبرون السلام خسارة لهم، ولأجل هذا ينفخون دائما في رماد الحرب لمواصلتها؛ ولكن للوصول إلى السلام فينبغي أن يحث هؤلاء على السلام أو يمنع من إيجاد الموانع والحواجز. وعليه، فإن أول خطوة إلى السلام هي سد طريق معارضي السلام داخل البلاد.
الثاني: الدول المجاورة لأفغانستان، ولا سيما باكستان وإيران هما الدولتان المتهمان دائما بتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. لطالما انتقدت الحكومة الأفغانية باكستان بأنها تؤوي المعارضة المسلحة للحكومة الأفغانية في أراضيها. كما اتهمت إيران في بعض الأحيان بالتعاون مع المعارضة المسلحة.
تعتبر مخاوف البلدان المجاورة حول القضية الأفغانية وعدم التعاون الحقيقي في قضية السلام الأفغانية من أهم الحواجز على المستوى الإقليمي. وعلى العموم، البلدان المجاورة لأفغانستان ولا سيما باكستان، وإيران، والصين هي الدول التي يمكنها أن تساعد الحكومة الأفغانية للوصول إلى السلام. لذلك يبدو من الضروري، أن تتم محاولات عدة لجلب مساعدة هذه البلدان المجاورة والاستجابة لمخاوفها، لأن دورها لا يمكن الإغماض عنه.
الثالث: على مدى السنوات القليلة الماضية، ولا سيما بعد عام 2014م والأزمة الأوكراينية، وبعدها معارضة روسيا والولايات المتحدة على القضية السورية، تعتبر من القاضايا التي تشير إلى بدء الحرب الباردة مرة أخرى بين روسيا والغرب. ويبدو في الآونة الأخيرة أن الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو تركت آثارها على الحرب في أفغانستان. ولذلك يبدو أن أفغانستان غيرت إلى ميدان المعركة بين القوى العظمى، وما لم تتغير الحروب النيابية للقوى الإقليمية والدولية في أفغانستان إلى مجال المساعدة والتعاون، فليست لعملية السلام أي نتيجة تذكر.
لماذا التعاون الإقليمي مهم؟
لم يعارض بعض هذه الدول الإقليمية المعارضة الحضور الأمريكي عام 2001م وكان جزءا من الغزو الأمريكي لأفغانستان والإطاحة بنظام طالبان. كانت روسيا من هذه الدول والتي وافقت الغزو الأمريكي لأفغانستان ولم تخالف عام 2001م قرار مجلس الأم التابع للأمم المتحدة. ولكن بعد عقد ونصف عقد من الزمان وخاصة بعد ظهور داعش في أفغانستان، أغلقت روسيا ولأول مرة طريق بعثة ناتو عام 2015 من بلادها، وهكذا اتسعت معارضة البلدين إلى أن وصلت إلى أفغانستان.
بعد هذه المعارضة الأخيرة نشرت تقاير بأن روسيا تدعم طالبان عسكريا، ولكن رفضت روسيا دوما المساعدات العسكرية، وأوضحت علاقاتها مع طالبان في أفغانستان، من أجل مخاوفها من ازدياد نشاط داعش فيها، وتحسن الدبلوماسية الروسية في أفغانستان، ومساعدة الحكومة الأفغانية في بدء مفاوضات السلام مع طالبان.
وبما أن الولايات المتحدة بدأت محاولاتها في بدء محادثات مع طالبان مباشرة، وتريد أن تنهي الحرب الحالية عن طريق المفاوضات، فإن دور روسيا في هذا الوقت لا يغمض عنه من ناحية، وله تأثير إيجابي من ناحية أخرى؛ لأن روسيا من القوى العظمى في العالم الحاضر، ومن جانب آخر، علاقاتها الحالية مع طالبان والثقة المرجوة عليها تؤهلها بأن تكون جانبا مهما في مساعدة هذه المفاوضات.
وكيف يمكن للدول الإقليمية أن تساعد حقا في تعزيز السلام في أفغانستان؟ سؤال يتحتم أن يقدم أولا الولايات المتحدة تصورا واضحا عن تواجده في أفغانستان، حتى يزيل المخاوف التي أدلى بها هذه الدول عن تواجد الولايات المتحدة في أفغانستان.
اجتماع موسكو
كان من المقرر أن تستضيف موسكو اجتماعا في 4 سبتمبر حول السلام الأفغاني قبل ما يقرب من شهرين. على الرغم من أن طالبان قد أبلغت عن مشاركتها في هذا الاجتماع، ولكن عارضت الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية هذا الاجتماع لأن روسيا كانت مضيفة. في ذلك الوقت، تأخر الاجتماع بعد محادثات الرئيس الأفغاني وزير الخارجية الروسي هاتفيا، ومن المقرر أن يعقد الاجتماع في الأيام المقبلة.
الاجتماع في موسكو بشأن السلام الأفغاني يعبر عن علاقة روسيا واستعدادها وتعاونها لهذه العملية. وعلى العموم، وصلت الحكومة الأفغانية إلى أنها لا يمكن الإغماض عن دور روسيا في قضية السلام الأفغاني، وعليه يبدو أن الحكومة الأفغانية تهتم بدور روسيا افي عملية السلام ومن المتوقع أن تشارك في هذا الاجتماع.
ومن جانب آخر، فإن الحرب الحالية وعلى مدى 17 عاما قد أعيت كل الأطراف المعنية في الحرب، لأن في الآونة الأخيرة قد وصلت عملية السلام إلى حالة ليست الحكومة الأفغانية وحدها هي التي تسعى إليها وإنما الولايات المتحدة هي الأخرى بدأت محاولات جادة في هذه العملية، وبما أن مصالح روسيا تكمن في السلام فإنها أيضا تحاول أن تنهي الحرب الراهنة.
وبشكل عام نستيطع القول بأن الجهود الأخيرة حول السلام الأفغاني واعدة، لأن في هذه المسيرة قد سافر مبعوث الولايات المتحدة زلمي خليلزاد إلى خمس دول بما فيها أفغانستان، وحاول جلب المساعدات في هذه العملية فثي باكستان وأفغانستان، وقد أطلق سراح ملا برادر واثنين آخرين من السجن، كما أنه تم إطلاق سراح خمسة آخرين من مسؤولي حركة طالبان من جوانتانامو، وقد انضموا إلى المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة. وعليه، فإن أهم خطوة في هذه المرحلة ولأجل نجاح عملية السلام هو أن لا يغمض العين عن دور الدول الإقليمية في مفاوضات السلام فحسب، بل يتم محاولات جادة في مشاركتها في محادثات السلام الأفغانية.
انتهى