في تقريره الجديد، أشاد البنك الدولي بالإصلاحات الاقتصادية وتحسين البيئة لبدء الأعمال التجارية في أفغانستان. وفقاً لهذا التقرير الذي يعده البنك الدولي سنويا لمقارنة 10 مؤشرات تجارية في 190 دولة؛ قد ارتفعت أفغانستان من المرتبة ۱۸۳ إلى المرتبة ۱٦۷. يشير التقرير إلى أن أفغانستان من خلال تنفيذ الإصلاحات في خمسة مؤشرات واتخاذ سلسلة من الإجراءات التجارية المناسبة؛ تصدر الدول الأفضل التي قدمت تسهيلات لازمة لتحسين وضع التجارة.
أثناء تشكيل حكومة الوحدة الوطنية كان الوضع الاقتصادي سيئا بسبب انسحاب معظم القوات الأجنبية والوضع السياسي السيء في البلاد، وخلال السنوات الأربع الماضية من عمر هذه الحكومة، قد تدهور الوضع الاقتصادي في بعض المجالات أيضاً. نذكر من هذه المشكلات هبوط قيمة العملة الأفغانية، وانتشار البطالة، وعدم نجاح الحكومة في مكافحة الفساد الإداري، وغير ذلك. ومع ذلك؛ كان هناك تقدم في بعض المجالات، سيما الإصلاحات في مجال تحسين البيئة التجارية.
كيف كان وضع التجارة والعبور (الترانزيت) في فترة حكومة الوحدة الوطنية؟ ما هي المشكلات والتحديات أمام هذين المجالين في هذه الفترة؟ وما هو الأمل لتحسين الوضع الاقتصادي والبيئة التجارية في البلاد خاصة في ظل تقرير البنك الدولي الأخير؟ أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحليل.
التجارة والعبور/الترانزيت
تعتبر التجارة والعبور من المجالات المهمة والمترابطة في اقتصاد الدول، ولكن الأمن والميزة الجغرافية هما من العوامل المهمة التي يمكن أن يكونا أرضية مناسبة لتنمية هذين المجالين. يعتبر العبور من أهم مصادر الدخل لدول العالم في العصر الحاضر. الربح الكبير للعبور في الوقت الحالي يزيد من جهود ومنافسة الدول لإيجاد التسهيلات اللازمة لرفع أسهمها في هذا المجال.
أفغانستان بلد غير ساحلي وتعد هذه الحالة مشكلة وتحديا أمام العبور والتجارة في البلد؛ ولكنه أيضا من الدول المهمة في المنطقة نظرا لموقعه الجغرافي وأهميته في مجال العبور ونقل البضائع، ويمكن أن يكون له دور كبير في تنمية المنطقة كما يقوله الخبراء الاقتصاديون.
مع أن لأفغانستان قيمة عبور أكبر، وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو “طريق الحرير” التاريخي؛ إلا أن سوء الوضع الأمني، وضعف الحكومة، والفساد المستشري في المؤسسات، وعدم وجود المؤسسات المختصة بالعبور من العوامل التي تقلل من شأنه وفعاليته.
قُدمت مليارات الدولارات لأفغانستان بعد عام ۲۰۰۱م وتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن المشكلات والتحديات في مجال العبور والتجارة لم تقل، ولذلك كانت الحدود الجنوبية فقط هي التي تربط أفغانستان بالعالم حتی عام ۱۳۹٤هـ ش، وكان أفغانستان تصدر بضائعه وتستورد عن طريق ميناء كراتشي في باكستان. ولكن في حكومة الوحدة الوطنية ومع بذل بعض الجهود في هذا المجال کان الوضع في تحسن مستمر.
في الوقت الحالي خرج أفغانستان في نقل بضائعه من حصار البلد الوحيد الجار له، ووجد طرقا أخرى لتصدير بضائعه التجارية واستيرادها. تدشين ميناء (تشابهار)، وتدشين طرق جوية إلى دول المنطقة وأروبا، والاستفادة من طريق سكك الحديد المشتركة بين أفغانستان وتركمنستان من الطرق الجديدة للتجارة والنقل العبوري بين أفغانستان والمنطقة.
المشاكل الموجودة في قطاع التجارة والعبور
مع أن هناك جهودا بذلت بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لتوسيع العلاقات التجارية بين أفغانستان ودول أخرى وتسويق البضائع الأفغانية، وكانت هناك إنجازات للحكومة الأفغانية في هذا المجال؛ إلا أن هناك بعض التحديات والمشكلات حتى الآن في هذا المجال الاقتصادي المهم للبلاد، ونشير إلى بعضها كالآتي:
الوضع الأمني السيئ؛ استمرار الحرب وعدم الاستقرار من التحديات الكبيرة الموجودة أمام التجارة والنقل العبوري في أفغانستان. التجار والمستثمرون يمتنعون عن الاستثمار في البلاد لأنهم لا يستأمنون أنفسهم وأموالهم من جهة، ومن جهة أخرى الوضع الأمني السيئ سبب الأخطار أمام نقل الأموال والبضائع في الطرق السريعة للبلاد.
الفساد الإداري؛ فشل الحكومة الأفغانية في مكافحة الفساد الإداري هو الآخر من التحديات الموجودة أمام التجارة والعبور. الفساد في إدارات هذا القطاع سبب للتجار أنواعا مختلفة من المشكلات في تصدير البضائع واستيرادها.
المشكلات مع دول الجوار؛ كانت التجارة العبوري لأفغانستان مع دول الجوار متأثرة بالعلاقات السياسية مع هذه الدول معظم الأحيان، وخلال العقدين ونصف العقد الماضي كلما تدهورت العلاقات السياسية بين كابل وإسلام آباد؛ أثر هذا الوضع أيضا على العلاقات الاقتصادية للبلدين. وهذا الوضع يواجه الصادرات الأفغانية إلى الأسواق العالمية إلى مشكلات، كما أنها تفقد قيمتها داخل البلاد.
التنافس العالمي؛ الصراعات والمشكلات الإقليمية والدولية هي الأخرى من التحديات الموجودة في الوقت الحالي أمام التجارة والنقل العبوري وأمام العلاقات الاقتصادية لأفغانستان عامة مع دول المنطقة. على سبيل المثال؛ العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران أثرت على علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى، وهذا تقلق أفغانستان بشأن تصديرها عن طريق ميناء (تشابهار)، وإن كان هناك ترددا لأمريكا بشأن تنمية ميناء (تشابهار) في الوقت الحالي لعلاقاتها الطيبة مع الهند وأفغانستان، لأنه لايريد إلحاق الضرر باقتصاد البلدين وفقا للخبراء الاقتصاديين.
آمال لتحسين التجارة والنقل العبوري في أفغانستان
الخطوات التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية لتسهيل بدء التجارة والمذكورة في تقرير البنك الدولي؛ هي عبارة عن تخفيض رسوم رخصة التجارة من ۳۲ ألف أفغاني إلى ۱۰۰ أفغاني، وسهولة دفع الضرائب بطریقة إلكترونية، والمصادقة على القانون الجديد للشركات الصغيرة، والحصول السهل للمتشبثين على القروض. هذه الأمور من الإجراءات التي حسنت الوضع التجاري في أفغانستان.
وفقا لتقرير البنك الدولي، فإن ذلك قلل من مدة الحصول على الرخصة التجارية وقيمتها طوال العام الماضي، وتهيأت الظروف الملائمة للاستثمارات الجديدة نتيجة لذلك، ويأتي أفغانستان في عداد ٤۹ دولة من ناحية بدء التجارة.
عموما؛ اكتملت أو دشنت عدد من المشاريع الأساسية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وقد بحث أفغانستان عن طرق بديلة ومتعددة لتصديراته وكذلك لمستورداته، وازدادت عوائد الحكومة بالنسبة للأعوام الماضية، وكان أحد أسباب هذا الازدیاد وضع الضرائب على بطاقات الشحن لشركات الاتصالات. ولكن لسوء الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار السياسي؛ كان الوضع الاقتصادي في بعض المجالات متجها إلى الأسوء في العقد ونصف العقد الماضي. هبطت قيمة العملة الأفغانية إلى أدنى مستوياتها (کما كانت قيمة العملة الأفغانية عام ۲۰۱٥م ٥۷ أفغانيا مقابل دولار واحد، بينما وصلت قيمة العملة الأفغانية في الوقت الحالي إلى ۷٥ أفغانيا مقابل دولار واحد)، وارتفعت نسبة البطالة كثيرا، والبلاد تواجه هروب الاستثمارات، كما أن التنمية الاقتصادية في الهبوط أيضا، ويعيش أكثر من أربعين في المائة من السكان بشكل عام تحت خط الفقر.
ولكن نظرا لتقرير البنك الدولي الأخير، من المؤمول أن تحقق أفغانستان مزيد من الإنجازات في مجالي التجارة والعبور في الأعوام القادمة، في غضون ذلك، اتخذت الحكومة خطوات أولية في قطاع التجارة وتحسين الوضع الاقتصادي بتنفيذها إصلاحات لازمة في بعض المجالات، فضلا عن مكافحة الفساد الإداري في القطاع التجاري.
انتهى