شنت طالبان هجومًا واسعًا على غزنة يوم 10 أغسطس، وتمكنوا خلال الأيام الثلاثة الأولى من الاستيلاء على جميع مناطق غزنه ومكاتب الحكومة دون مقر حاكم المحافظة ومقر الشرطة. على الرغم من أن قوات الأمن الأفغانية تمكنت من استعادة السيطرة على مدينة غزنة وطرد قوات طالبان في اليوم الخامس من الحرب إلا أن عاصمة الحضارة الإسلامية هدمت في هذه الأيام الخمسة.
ومع اقتراب عيد الأضحى كان من المأمول أن تلبي طالبان مرة أخرى اقتراح الحكومة الأفغانية لوقف إطلاق النار، ليتمكن الناس من قضاء عدة أيام من حياتهم بعيدا عن الحرب والإبادة؛ لكن طالبان ردت على هذا الاقتراح قبيل العيد، بهجمة شرسة قاتلة على مدينة غزنة.
زيادة حملات هجومية لطالبان في مناطق مختلفة من البلاد، وكيفية الهجوم على مدينة غزنة، وتبعات هجمة طالبان على غزنة من الموضوعات التي تم البحث عنها في هذا العدد.
زيادة هجمات طالبان:
بعد سقوط إقليم قندز على يد حركة طالبان، ركزت الحركة في استراتيجيتها الحربية على حملات هجومية ووسعت نطاق حربها إلى المدن الكبرى؛ من جهة، حاولت إلى حد كبير الحفاظ على مناطقها السابقة، ومن جهة ثانية أرادت السيطرة على مناطق أخرى.
في الأشهر الأخيرة، زادت الحملات الهجومية لطالبان على مراكز المدن، ومخافر القوات الأفغانية. وشهدت محافظة غزنة مع 18 مديريات والتي تبعد 140 كم عن العاصمة الأفغانية انعدام الأمن خلال السنوات القليلة الماضية؛ ولكن في الأشهر الأخيرة شهدت حروبا شرسة في عدة مديريات واضطربت الحالة الأمنية أكثر من قبل وزاد انعدام الأمن في المحافظة.
وفي الوقت نفسه، قامت طالبان بحملة هجومية على قاعدة عسكرية للقوات الأمنية المعروف بـ “مخيم الصينيين” في مديرية غورماش بمحافظة فارياب، واستولت على القاعدة بعد يومين من الحرب والتي راحت ضحیتها وفقا لتقارير إعلامية 10 قتلى و15 جریح من القوات الأفغانية.
كما شهدت محافظة بغلان هجمات على مخافر القوات الأفغانية. وقد هاجمت طالبان، في نفس وقت الحرب في غزنة، على مخفر للقوات الأمنية في منطقة بغلان المركزية في محافظة بغلان والتي خلفت 40 قتيلا من قوات الأمن الأفغانية. ومن ناحية أخرى، وقبل أيام قليلة من هجمة طالبان على غزنة، قُتل ثمانية من القوات الأفغانية وجُرح ثلاثة آخرون نتيجة لهجوم طالبان في منطقة “جهار بلوك” بمحافظة بلخ.
هجوم على المركز الثقافي للحضارة الإسلامية:
خلال الأشهر القليلة الماضية، لاسيما منذ عملية تسجيل الانتخابات البرلمانية والانتخابات في المحافظات، انشغل الشخصيات السياسية وقادة محافظة غزنة في الحملات الانتخابية والمحادثات السياسية؛ ولكن حركة طالبان، خلال الفترة نفسها، قامت بهجمات في مناطق خواجه عمري، زنه خان، رشيدان، جغتو، وبعض المناطق الأخرى في محافظة غزنة عدة مرات، وقد أسقطت هذه المحافظات ومهدت الطريق للهجوم على مدينة غزنة.
مئات من مقاتلي طالبان من إقليم أوروزغان، وميدان وردك، وزابول، وباكتيكا شنت هجمة قوية في 10 أغسطس 2018م على مدينة غزنة من عدة جهات ودخلت المدينة. وصرحت مصادر لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية بأن معظم مخافر غزنة الأمنية تراجعت دون مقاومة مع مقاتلي طالبان، وتمكنت حركة طالبان من دخول المدينة في أقل وقت ممكن. کما شوهدت، في نفس الوقت الذي بدأت فيه الحرب في وسط غزنة، تراجع بعض المخافر الأمنية دون مقاومة مع طالبان أيضا، هذا ما ألحق شكوكًا بشأن إهمال المسؤولين الحكوميين وعدم أهليتهم، وكيفية حرب غزنة من جهة، ومن جهة أخرى إمكانية وجود معاملات خفية في حرب غزنة.
ومن جهة قامت طالبان حين سيطرتها على غزنة، بإعداد كمين على الشوارع الرئیسة للقوات الحكومية، وسدوا الطريق على قوات الأمن الجديدة الداعمة ولم تتمكن دخول المدينة. وعليه، استمرت سيطرة حركة طالبان على محافظة غزنة لأربعة أيام، والاستيلاء على جميع إدارات المحافظة ما عدا مقر المحافظة والشرطة.
وفقا لمكتب الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية (أوتشا)، وقعت كارثة إنسانية نتيجة للحرب في تلك المدينة. لأنه خلال عدة أيام للحرب، انقطعت جميع شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، كما تم حظر الشارع الرئيس (كابول ـ قندهار)، وواجه الناس نقصا في المياه والطعام في هذه المدينة.
مع أنه لم تظهر إحصائيات دقيقة حول الخسائر البشرية، إلا أن وفقا لمسؤولين أمنيين رفيع المستوى، قتل حوالي 100 من قوات الأمن الأفغانية و 30 مدنيا خلال الحرب، فضلا عن 194 قتيل من مقاتلي طالبان بما فيهم من القادة الرئيسيين، و147 جريح. ومن جهة أخرى، وحسب تقارير لبعض الإعلام، قتل وجرح حوالي 340 من القوات الأفغانية، و197 من المدنيين، و720 من مقاتلي طالبان. ومع ذلك، قال مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن ما يقرب من 150 مدنيا قتلوا وأصيبوا في حرب غزنة.
وقد واجهت غزنة خلال هجوم طالبان والحرب الدائرة لعدة أيام في هذه المدينة، إبادة وتدميرا في مبانيها، ومنازلها حكوميا ومدنيا، وفي شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وعشرات من المحلات التجارية، جراء الضربات الجوية من قبل القوات الأفغانية والأجنبية وهجمات مقاتلي طالبان. وقد نزحت مئات الأسر عن بيوتها، وقد استولى الخوف على قلوب الناس وعقولهم وكانوا بأشد الحاجة إلى السكينة والمساعدات الإنسانية.
تبعات هجوم طالبان على مدينة غزنة:
تهاجم طالبان مدينة غزنة في حالة تكاثفت الجهود في الآونة الأخيرة حول محادثات السلام معهم. وقد أجرى ممثلو طالبان محادثات مباشرة مع الأمريكيين في قطر بشأن انتهاء الحرب وتعزيز السلام في أفغانستان، ولكن الحملات الهجومية الأخيرة ولا سيما الهجوم على محافظة غزنة، أثرت سلبا على مفاوضات السلام وكانت بمثابة خيبة أمل لهذه العملية.
ويمكن أن نستخلص تبعات هجوم طالبان على غزنة في النقاط الثلاثة الآتية:
مفاوضات السلام: وإن كانت هناك تحليلات متباينة حول الغرض من هجوم طالبان على غزنة، إلا أن البعض يرى بأنها تهدف الحصول على المزيد من الامتيازات في محادثات السلام، كما أظهرت بأن هذه الحركة لا تزال تملك قوة ولا يمكن إغماضها. ولكن الهجوم على غزنة في وقت وصلت محادثات السلام معهم ذروتها، ولا سيما الهجوم قد أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين ووقوع خسائر مادية جسيمة للشعب، هذا فضلا عن عدم قبول وقف إطلاق النار من قبل طالبان، خيب آمال الناس التي بدأت تظهر إثر الهدنة خلال عيد الفطر.
الانتخابات البرلمانية: كانت عملية الانتخابات البرلمانية في محافظة غزنة محل جدل منذ بداية العملية ودار الجدل حول نوعية الانتخابات البرلمانية (تقسيم المحافظة إلى عدة وحدات انتخابية أو إبقاءها كوحدة واحدة كسائر المحافظات في البلاد)، وارتفعت حولها احتجاجات في المحافظة، أغلق بسببها مكتب لجنة الانتخابات وتوقفت عملية تسجيل الناخبين. وعليه أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة تأجيل الانتخابات في محافظة غزنة، وبعد هجوم طالبان على المدينة صرحت اللجنة بأن عقد الانتخابات البرلمانية مستحيلة في هذه المحافظة.
خسائر مادية: أسفر هجوم طالبان على مدينة غزنة والحرب التي دامت عدة أيام عن خسائر مادية ضخمة، فضلا عن ضحايا مدنية. ووفقا لمسؤولين من غرفة التجارة والصناعة الأفغانية، أحرقت العديد من الأسواق التجارية الكبيرة وعشرات من الدكاكين وتضررت القطاعات المختلفة بشكل هائل ما يفوق عن 50 مليون دولار أمريكي.
انتهى