يعتبر زلمي خليلزاد من الشخصيات المهمة في العلاقات الأفغانية الأمريكية في العقود الأربعة الماضية. وحسب تقرير لوكالة رويترز الإخبارية في الأسبوع الماضي، صرح مسؤولان أمريكيان بأن الحكومة الأمركية ربما تجعل زلمي خليلزاد مبعوثا خاصا للولايات المتحدة في أفغانستان.
يذاع خبر تعيين زلمي خليزاد كمبعوث خاص للولايات المتحدة في أفغانستان وقد وصلت علاقات أفغانستان وباكستان حالة خطيرة من عدم الثقة مرة أخرى، إثر هجوم طالبان على محافظة غزني ورغم المحاولات التي تمت لإيجاد الثقة بين البلدين. وإن كانت محادثات السلام أكثر من أي وقت مضى، إلا أن مستقبل المحادثات غامض، ونظرا إلى الوضع الأمني الجاري في أفغانستان أثيرت أسئلة كثيرة حول الاستراتيجية الحربية للولايات المتحدة.
كيف وصل زلمي خليلزاد من أفغانستان إلى البيت الأبيض؟ وما هي الأسباب التي تكمن وراء تعيينه كمبعوث خاص للولايات المتحدة من قبل ترامب؟ وما هو أثر عودة خليلزاد على الأوضاع الراهنة في أفغانستان؟ أسئلة يتم البحث عنها في هذا العدد من التحليل الأسبوعي.
خلیلزاد؛ من أفغانستان إلى البيت الأبيض:
ولد زلمي خليلزاد أفغاني الأصل الأمريكي في محافظة بلخ في أفغانستان ووالده من البشتون من محافظة لغمان. هاجر خليلزاد إلى الولايات المتحدة في شبابه ثم حصل على الجنسية من هذا البلد. درس في جامعة بيروت وحصل منها على بكالوريوس وماجستير ثم التحق بجامعة شيكاغو وحصل على دكتوراه.
لقد عمل خليلزاد بالولايات المتحدة على مقاعد متباينة مع حكومات مختلفة على مدى العقود الأربعة الماضية، ويعتبر من الشخصيات المهمة في السياسة الخارجية لدى الحزب الجمهوري في هذا البلد. ولعب بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001م دورا مهما في الغزو الأمريكي على أفغانستان، وكان يتعاون بشكل كامل مع الرئيس الأمريكي بوش الابن في الغزو الأمريكي على أفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة وحكومة طالبان، والذي وضع الأساس لحرب دموية في هذه السنوات السابعة عشرة.
كان لزلمي خليلزاد دورا رئيسا في تأسيس النظام الجديد في أفغانستان بعد عام 2001م، وهذا الدور المهم جعله شخصية مهمة للسياسية الأمريكية في أفغانستان. وخدم سفيرا للولايات المتحدة في أفغانستان منذ عام 2003 إلى عام 2005م. و في هذا الوقت ساعد في ترتيب مسودة دستور أفغانستان، كما كان له دور مهم في تعزيز حكم الحكومة تحت قيادة حامد كرزاي.
وعمل زلمي خليلزاد سفيراً للولايات المتحدة في العراق منذ عام 2005م حتى عام 2007م، وفي الأمم المتحدة منذ عام 2007 إلى 2009.
المهمة الجديدة:
يذاع خبر توظيف زلمي خليلزاد كممثل خاص للولايات المتحدة في الوقت الذي اعترف فيه القائد العسكري الأمريكي إخفاقا في الحرب الراهنة للولايات المتحدة في أفغانستان، وأدركت الحكومة الأمريكية بأنها لا تنجح من خلال الضغط العسكري في حربها الراهنة. وعليه اختارت في الآونة الأخيرة طريق التفاوض مع طالبان مباشرا كما أصرت عليه طالبان.
لقد بقيت الحرب الأمريكية الأفغانية لدونالد ترامب من إدارة بوش وأوباما في حالة حارة. قام ترامب قبل تولي الرئاسة بكثير من الانتقادات على استراتيجية الولايات المتحدة في أفغانستان؛ ولكنه بعد الوصول إلى البيت الأبيض، أصر على دوام هذه الحرب.
أعلن دونالد ترامب استراتيجيته حول أفغانستان وجنوب آسيا قبل عام في 22 أغسطس 2017م. ووفقا لهذه الاستراتيجية، أصر على مواصلة الحرب وحاول ترامب أن ينجح في الحرب الأفغانية بازدياد جنوده في أفغانستان؛ ولكن مع مضي عام واحد على هذه الاستراتيجية، أصبح الوضع الأمني في أفغانستان الآن أسوأ من أي وقت مضى، وحسب تقرير (SIGAR) الأخير، ازدادت سيطرة طالبان على أرض أفغانستان أكثر من قبل.
من ناحية أخرى، وبسبب إستراتيجية ترامب، لم يتم تعزيز روح مكافحة الحرب الدائرة في أفغانستان فقط، بل أثارت قلق بعض الدول مثل الصين، وروسيا، وإيران، وباكستان، ودول آسيا الوسطى وأقام بعضها علاقات دبلوماسية مع طالبان.
وعلى ضوء هذا الوضع، تسعى الولايات المتحدة في الوقت الحالي أن تخرج بحربها من المأزق الموجود، والمبعوث المحتمل زلمي خليلزاد يعتبر السياسي الأمريكي الأفغاني الذي يعرف ويدرك ثقافة الأفغان حياتهم الاجتماعية ولغتهم وسياساتهم، ومن ناحية أخرى فهو ذو خبرة معتبرة مع الإدارات الأربع للولايات المتحدة في مجال العمل والمشورة. ويبدو نظرا إلى هذه الأمور أن يقرر ترامب زلمي خليلزاد كمبعوث للولايات المتحدة في أفغانستان.
السيناريو المستقبل:
ووفقا للتقارير، فإن وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو يريد أن يقرر زلمي خليلزاد مبعوثا خاصا للولايات المتحدة في أفغانستان، ماذا يمكن أن تكون رسالة وتأثيرات انتخاب خليلزاد في الأوضاع الراهنة؟ وفيما يلي بعض النقاط المهمة في هذا الموضوع:
العلاقات الباكستانية الأفغانية؛ زلمي خليلزاد هو السياسي الأمريكي الذي انتقد دوما السياسات الباكستانية. ويعتقد خليلزاد أن جميع الجماعات المقاتلة ضد الحكومة الأفغانية، تتمتع بدعم من الحكومة الباكستانية. وقال في مقابلة مع BBC قبل عامين: “إن باكستان تدعم الإرهاب ويجب على الولايات المتحدة وقف مساعداتها العسكرية والمالية لها حتى تضطر باكستان إلى نبذ دعمها الإرهاب “.
يبدو مع وصول خليلزاد، أنه سيحاول زيادة ضغط الولايات المتحدة والدول الغربية على باكستان، لتضطر باكستان على الضغط على المجموعات المخالفة للحكومة الأفغانية في باكستان. وغرضا لتقلص ضغط الدول الغربية والأمريكان على نفسها ستحاول تحسن علاقتها مع كابول.
التحالفات السياسية؛ كان لزلمي خليلزاد الدور المهم في تعزيز الحكومة المركزية منذ عام 2001م، وقد شارك في تقليل سيطرة المليشيات والقوى المحلية الذين أنشؤوا في مناقطهم مراكز القوى المحلية وكان يأملون في الحصول على مزيد من السلطة في الحكومة المركزية.
تواجه أفغانستان في الوقت الحالي مرة أخرى حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث تتشكل التحالفات المناهضة للحكومة بأسماء مختلفة منذ عامين. وقد أحدثت هذه التحالفات في الآونة الأخيرة صداعًا كبيرًا للحكومة وخلفت عقبات أمام العملية الانتخابية. ويحاولون إنشاء نظام مؤقت باستدعاء اللويا جيرغا بدلاً من الحكومة الحالية. ويبدو مع زلمي خليلزاد، قد تخفض التحالفات المناهضة للحكومة في مقابل الحكومة المركزية.
الانتخابات الرئاسية؛ كان للولايات المتحدة منذ مؤتمر بون إلى اليوم، دور رئيسي في العملية الإنتخابية في أفغانستان. بقي لإنهاء موعد حكومة الوحدة الوطنية أقل من عام، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 20 من ابريل العام 2019م، وستحاول الولايات المتحدة بتعيين خليلزاد كمبعوث أمريكي خاص في أفغانستان، تعزيز دورها وتأثيرها في الانتخابات الأفغانية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو أن خليلزاد سيحاول دعم أية جهة في هذه الانتخابات؟
إذا أمعنا النظر في السنوات الماضية القليلة، وفي عهد حكومة الوحدة الوطنية وإثارة الخلافات السياسية، دعم خليلزاد دوما الحكومة المركزية. وقد حذر عطاء محمد نور، حاكم محافظة بلخ، في الخلافات الدائرة بين غني وحاكم البلخ، قائلا: “الحكومة الأفغانية والشركاء الدوليين ليست لهم الصبر والسلوان في هذه الخلافات ولا يريدون الاستمرار في هذه القضية”. وقد صرح خليلزاد حول تصريحات قائد شرطة قندهار الجنرال عبدالرزاق ضد الحكومة المركزية: “لم يبق العالم محايدا أمام محاولات خلق الشريرة وإنشاء دويلات داخل الحكومة المركزية”. ومن ناحية أخرى، توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، ودعم الرئيس غني لإستراتيجية ترامب الحربية واعتبارها مؤثرة مع كل سلبياتها، كل هذه الأمور تظهر التقارب الرئيس غني والحكومة الأمريكية.
ونظرا لأسباب المذكورة أعلاه، هناك تحليلات بأن مهمة خليلزاد في الوقت الراهن ستؤثر في الانتخابات القادمة. وحاليا تشكل الأحزاب السياسية وسماسرة السلطة أكبر تحد أمام الانتخابات البرلمانية. وفي حين أن الانتخابات ستعطل أو تتأخر، فمن ناحية، ستعمق أزمة المشروعية في أفغانستان، ومن ناحية أخرى، ستؤثر الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وعليه فإن تعطيل أو تأخير هذه الانتخابات لا تقبلها الحكومة المركزية ولا المجتمع الدولي. وسيحاول مع وصول خليلزاد، أن تزال كل العقبات التي تواجهها الانتخابات البرلمانية المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تحليلات بأن خليلزاد سوف لا يدعم سماسرة السلطة والتحالفات السياسية المعارضة للرئيس غني في الانتخابات الرئاسية المقبلة. انتهى