الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية عقدت في 24 من يونيو/حزيران التي كانت تحت مراقبة شديدة من قبل الجهات المعنية العالمية، والتي كانت في غاية الأهمية خلال العقود المنصرمة في تركيا لأسباب عدة.
لقد فاز الزعيم التركي القوي رجب طيب أردوغان مرة أخرى بالرئاسة لمدة خمس سنوات المقبلة في الانتخابات الرئاسية، حيث فاز حزبه علی أغلبیة المقاعد في الانتخابات البرلمانية.
كانت الانتخابات في غایة الأهمیة كما أنها حظيت باهتمام دولي لأن أردوغان كان يفوز فیها للمرة الرابعة لإدارة البلد على التوالي الذي قاد تركیة في عقد ونصف الماضي إلی الثبات الإقتصادي والسياسي، بل كانت سیاسته مؤثرة في قضایا العالم الإسلامي والشرق الأوسط.
تغيير الدستور ونظام الحكم في البلد وعقد الانتخابات مبكرة عن موعده ووصول أردوغان علی منصة الحكم وفوزه مع صلاحیات واسعة، وأثره في سياسات المنطقة ولاسيما العلاقات الأفغانية التركية، هي الموضوعات التي تم البحث حولها في هذا المقال.
الانتخابات المبكرة
كان من المقرر أن تجرى الانتخابات في نوفمبر 2019م، ولكن الرئيس أردوغان قرر في أبريل 2018م بأن يقدم موعد الانتخابات عام ونصف وتجرى في 24 يونيو 2018م.
وقد أعلنت الحالة الطارئة بعد الانقلاب الفاشل في صيف عام 2016م، فبعد هذا القرار صوب البارلمان التركي تلك الحالة إلى ثلاثة أشهر أخرى، وعليه أجريت الانتخابات في هذه الحالة الطارئة، وقد كان لتبكير الانتخابات عوامل عدة، منها:
الأول: تدهور الوضع في المنطقة ولاسيما الدول المجاورة لتركيا مثل سوريا والعراق، وأثر تلك الحالة المعقدة في تركيا.
وعلى حسب حزب أردوغان، أن تركيا تقع في منقطة تواجه التحديات الضخمة في السياسة والاقتصاد والأمن، ويتطلب مواجهة تلك التحديات إلى نظام قوي متمكن مركزي.
ثانيا: التهديدات المحتملة التي يواجهها الاقتصاد التركي ولا سيما انخفاض قيمة العملة التركية (الليرة).
وعلى الرغم من نمو الاقتصاد التركي بنسبة 7.4 في المائة في عام 2017م، البطالة كانت تهدد الاقتصاد التركي. وكان من جراء ذلك والتضخم في الاقتصاد التركي أن انخفضت عملة تركيا أمام الدولار الأمريكي في نهاية عام 2017م ووصلت الدولار إلى 3.94 ليرات. لقد فقدت قيمتها بنسبة 16 في المائة منذ بداية عام 2018م حتى مايو هذا العام، حيث انخفضت العملة في 23 من مايو في يوم واحد 3% و أصبح الدولار الأمريكي 4.8 ليرات، لهذا السبب طلب زعيم تركيا صرف العملات الأجنبية بالعملة التركية.
لذك زعمت الحكومة التركية أن إجراء الانتخابات المبكرة تجر البلد إلى الثبات وتتعامل الأسواق العالمية معها تعاملا إيجابيا وتزيد الاستثمارات الأجنبية في البلد.
ثالثا: إثر الانقلاب الفاشل في عام 2016م والاستفتاء الشعبي في 16 ابريل 2017م، وتغيير الدستور ولا سيما الخلافات المتزايدة التي واجهها من قبل الأحزاب المعادية، كان سببا آخر في تبكير الانتخابات.
نتائج الانتخابات
كانت هناك نظرات عدة في الانتخابات المبكرة لتركيا، اعتبرها البعض فوز أردوغان مرة ثانية، وبعضها الآخر اعتبرها الفشل المحتمل له. وقد أظهرت نتائج بعض استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة أن حزب الحاكم سيفوز في الانتخابات المقبلة لأن أردوغان وحزبه لو لم يفز سينجر البلد إلى تدهور إقتصادي وسياسي.
مع أن تركيا بلد موزع بين قوميات وديانات، ولكن بقاء أردوغان في الحكم طيلة 15 عاما من جهة، وتعامل مع الانقلاب الفاشل من جهة أخرى وعلى ضوء قراراته، كثرت الآمال على فوزه في الانتخابات.
حسب التوقعات الموجوة، حصل أردوغان خمس وثلاثین في المائة (53%) من الآراء وبذلك تقدم علی منافسه محرم إينجة رئیس حزب الشعب الجمهوري الذي حصل علی احدی وثلاثین في المائة (31%) من الآراء، ومن جانب آخر حصل حزب العدالة والتنمیة اثنین وأربعین في المائة (42%) من الآراء بحیث حصل علی مأتین خمس وتسعین (295) مقعداً من مجموعة ستة مائة (600) من المقاعد. ولحصول علی أغلبیة المطلقة یحتاج حزب العدالة والتنمیة للإئتلاف مع حزب الحركة الشعبیة(MHP) . وهكذا سیستطیع أردوغان أن یستمر في الحكم لخمس سنوات المقبلة دون تحد یذكر أن یستمر في الحكم كرئیس مقتدر.
وحسب توقعات اللجنة الانتخابية المركزية مشاركة 56.3 مليون من واجدي الشروط، ولكن شارك 59.3 مليون مقترع في الانتخابات. وكانت المشاركة أكثر من 87 في المائة. كما كانت الانتخابات محايدة وقبل محرم إينجة هزيمته أمام أردوغان.
تغيير الدستور والنظام
كانت هذه الانتخابات بمعنى تغيير النظام ولذلك كانت في غاية الأهمية. وقد حصل في شهر أبريل سنة 2017م الاستفتاء الشعبي لصالح 18 تغييرا في الدستور، والأهم منها زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية، وتمديد فترة الرئاسية من أربعة سنوات إلى خمس سنوات وغيرها من التغييرات. يعتبر هذا تغييرا كبيرا بعد النظام الجديد في تاريخ تركيا قرابة قرن من الزمان.
في الاستفتاء الشعبي لتغيير الدستور الذي صوت لصالحه 51 في المئة من الشعب، أزيل منصب رئاسة الوزراء وأضيف في صلاحيات رئاسة الجمهورية. أراد أردوغان في ضوء أوضاع المنطقة والحالة الاقتصادية لتركيا أن يتخذ قرارات عاجلة ويخرج البلد من الحالة الطارئة.
مهد الدستور وتغيير النظام من البرلمانية إلى الرئاسية الطريق لأردوغان ليكون مرشحا في انتخابات عام 2023 والبقاء في الحكم إلى 2028م. كما يعطيه صلاحية تشكيل الحكومة بنفسه ورقابة النظام القضائي.
وعلى حسب حزب الحاكم التركي، الدافع الأساسي وراء هذا التغيير هو الثبات الاقتصادي للبلد، وإن كان الأحزاب الأخرى اعتبروا مثل هذا النظام استبداديا. وعليه، في ختام الانتخابات وإن قبل محرم إينجة أهم منافس لأردوغان النتائج، ولكنه أظهر قلقه حيال مستقبل البلد إذ انفراد الشخص الواحد بالسلطة سيواجه البلد أجواء خطرة.
التأثير في المنطقة والسياسة العالمية
تركيا: يؤثر الانتخابات وتولي أردوغان الحكم لا على الأوضاع السياسية والأمنية فحسب، بل على الأوضاع الاقتصادية في تركيا تأثيرا إيجابيا؛ لأننا شهدنا إثر الانتخابات ارتفاعا في قيمة العملة التركية بعدما شهدت انخفاضا تدريجيا منذ اول هذا العام الميلادي إلى 20 نسبة مئوية، فقد ارتفعت في يوم واحد بعد إعلان نتائج الانتخابات 1%. وقد أعرب وكالة التصنيف الاقتصادي الياباني في تقريرها الأخير، بأن تركيا بعد الانتخابات وبتقلص الحالة الضبابية في السياسة الداخلية سيؤثر على اقتصاد البلاد تأثيرا إيجابيا.
العالم الإسلامي: تركيا منذ العام 2002م وتولي حزب العدالة والتنمية الحكم، تحلم قيادة العالم الإسلامي ولها أثر كبير في قضاياها. وعليه، سيكون لها أثر ذو بال بعد الانتخابات الأخيرة وتولي أردوغان الحكم مرة أخرى. وستشهد تركيا حكما أكثر إسلاميا ودورا ملحوظا في قيادة العالم الإسلامي، ولهذا ستشهد علاقات تركيا مع الغرب توترا أكثر.
ومن جانب آخر، في الأوضاع الراهنة تركيا متورطة في القضايا الإقليمية وستقوى موقفها في العراق وسوريا. سوف تركز على موقفها من طرد بشار الأسد ودعمها للشعب السوري لاسيما اللاجئين السوريين. كما أنها ستستمر من دعم قطر في أزمة العلاقات بين قطر ودول الخليج الأخرى.
السياسة العالمية: العلاقات غير المستقرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل تعتبر من الملفات المهمة لتركيا وأهم التحديات في سياستها الخارجية. لأن في الأشهر الأخيرة وفي قضية القدس توترت العلاقات أكثر من أي وقت مضى. دعى أردوغان القمة الإسلامية بعد إعلان أمريكا نقل سفارتها إلى بيت المقدس، وندد من موقف الأمريكان واعتبرها شريكة إسرائيل في الجرائم التي ارتكبها.
ومع ذلك يظهر أن تركيا ستحاول منع أزمة العلاقات مع هذه الدول غرضا لقليص التهديدات المحتملة واستقرار الحالة السياسية والاقتصادية. وفي الجانب الآخر، وإن كانت لها خلافات مع روسيا في قضية سوريا، فإنها ستحاول تحسين علاقاتها معها لتعزيز موقفها تجاه الغرب.
التأثير في علاقات الأفغانية التركية
الحكومة التركية ستكون أكثر إسلاميا بالنسبة إلى السابق. ولهذا ستهتم بدورها في أفغانستان أيضا. وإن كان وجود أزبيك والتركمان ونائب الرئيس الجمهورية المنفى عنه سيؤثر على العلاقات، ستحاول تركيا حل القضية وعودة نائب الرئيس دوستم إلى بلده.
كما أن تركيا لتحسين أوضاعها ستلعب دورها لتحسين علاقات أفغانسنان وباكستان، في وقت تكون باكستان تحت الضغوط الدولية. وبهذه النسبة في جولة رئيس الوزراء التركي إلى كابول، تعهد لإيجاد مجلس بين الأطراف الثلاثة (أفغانستان – باكستان – تركيا).
النهاية