تراجع قيمة العملة الوطنية وعدم استقرارها تجاه العملات الأجنبية في بلد ما، يؤدي إلى جعل أسعار السلع والمواد المحلية والمستوردة أغلى بالنسبة للمواطنين، ما يؤثر على اقتصاد البلد أيضا.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أفغانستان تواجه تحديات عدم الاستقرار الأمني والسياسي، هي من البلدان التي عملتها ليست مستقرة؛ والوضع السياسي والأمني السيئ سبب في وضع اقتصادي سيء في البلد.
كانت العملة الأفغانية تتراجع منذ عدة سنوات، ولكنها وصلت أدنى مستوى لها في عهد حكومة الوحدة الوطنية. ولم يهبط سعر العملة تجاه العملات الأجنبية خصوصًا الدولار الأميريكي بعد طباعتها الجديدة عام 2003م إلا في هذا العهد؛ وهذا كان السبب الرئيسي لحدوث المشاكل في مجال الاقتصاد التي يعاني عنها الشعب الأفغاني في تكاليفهم المعيشية.
متى بدأ النظام المصرفي الحديث في أفغانستان وما هو حاله الآن؟ وكيف كان سعر العملة الأفغانية في 17 عامًا ماضيًا؟ وما هي الدوافع التي أدّت إلى انخفاض قيمة العملة الأفغانية؟ تم مناقشة الأسئلة في هذا التحليل.
النظام المصرفي الحديث في أفغانستان
كان الشعب الأفغاني يدخر أمواله في خزائنهم الخاصة كما أن الحكومة كانت تدخر أموال الحكومة في خزائن الحكومة، وذلك قبل تأسيس البنوك وإيجاد النظام المصرفي الحديث في أفغانستان. وكان هناك عدد من الناس يشتغلون في تصريف النقود والعملات، ولكن عامة الناس لم يكونوا يرغبون في معاملة معهم في تصريف النقود ولا في تبادل المجوهرات والحُلي؛ بل كانوا يدعونهم آكلو الربا، وآكلو الحرام.
واستمرت هذه العملية إلى أواخر العقد الثالث من القرن العشرين، ولكن مع تأسيس أول بنك باسم “بنك الأفغان الوطني” عام 1933م، وبعده تأسيس “بنك أفغانستان” عام 1939م، دخل أفغانستان في النظام الاقتصادي الحديث والنظام المصرفي الحديث.
كان “بنك الأفغان الوطني” يقوم بدور البنك المركزي الحكومي، والبنك التجاري معًا، ولكن بعد تأسيس “بنك أفغانستان” أُحِیلَ إلی هذا البنك طباعة النقود ونشرها، وجميع الأمور المصرفية الحكومية.
حتى عام 2001 وسقوط نظام طالبان في أفغانستان، غيرت الحكومات الأفغانية شكلَ العملة الأفغانية ونوعها على حسب رغباتها، حتى أن بعض الأحزاب الجهادية أو القادة الجهاديين قاموا بنشر وتوزيع العملة الخاصة لهم في مناطق تحت سيطرتهم. ولكن هذا الوضع وصل إلى مرحلة جديدة في عام 2001 بعد وصول النظام الجديد في أفغانستان.
وبدأت تستخدم العملة الأفغانية الجديدة باسم (AFN) وتحت رمز (ISO 4217) بعد حذف ثلاثة أصفار من العملة القديمة عام 2003، ورغم البنوك الحكومية؛ بدأ عدد من البنوك المحلية والأجنبية في العمل. رغم أنه تجاوز عن تأسيس أول بنك في أفغانستان وبدء النظام المصرفي نحو 85 سنة، ولكن أفغانستان مازالت تعاني من عدم استقرار الوضع الاقتصادي، وعدم النظام المالي المتماسك على حسب المعايير المعتمدة على مستوى البلد والعالم، ولم يستقر النمو الاقتصادي أبدا.
قيمة العملة الأفغانية (2001 – 2018م)
بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية طيلة تأريخ أفغانستان؛ لم تستطع الحكومات الأفغانية بذل مجهود لازم لاقتصاد البلد، وأدّت سياسة الحكومات الضعيفة إلى حرمان اقتصاد البلد من النمو اللازم، کما أنها سبب تخفيض قيمة العملة الأفغانية.
من تشكيل النظام الجديد في أفغانستان عام 2001، إلى عهد حكومة الوحدة الوطنية في العقد ونصف الماضي، كان سعر العملة الأفغانية بين 46 إلى 57 أفغانيا مقابل الدولار الأمريكي، وكان ذلك الاستقرار النسبي بسبب حضور القوات الأجنبية، والمجتمع الدولي، والمنظمات، والمؤسسات، و المكاتب الأجنبية العديدة في البلد.
كان معدل سعر العملة الأفغانية بشكل شهري 57.22 أفغاني مقابل الدولار الأمريكي أثناء الحملات الانتخابية للرئاسة الجمهورية عام 2014، ولكن بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى نهاية 2014، أصبح معدل سعر دولار واحد أمام العملة الأفغانية 58.18 أفغاني شهريا. وفي أوائل سنة 2015م تحسن سعر العملة الأفغانية أمام الدولار نسبيًا؛ حيث بلغ سعرها في يناير من العام 57.76 أفغانيًا، وفي شهر فبراير وصل إلى 57.4 أفغانيًا.
بعد الشهرين الأولين من عام 2015م انخفضت قيمة العملة الأفغانية جدا، ووصل سعرها إلى 67.25 أفغانيًا، واستمر الوضع على هذا النحو في العامين 2016م و2017م أيضًا، ولكن حاليًا في أواخر المنتصف الأول من العام 2018م قد بلغ سعر العملة الأفغانية مقابل دولار أميريكي واحد 73.30 أفغانيًا.
أسباب انخفاض قيمة العملة الأفغانية
هناك أسباب عديدة في تراجع قيمة العملة الأفغانية، منها:
ارتفاع سعر الدولار في أسواق العالم: إضافة إلى أسباب أخرى، ارتفاع سعر الدولار على العملات الأخرى في العالم؛ سبب أساسي جعل سعر العملة الأفغانية ينخفض، على سبيل المثال قبل فترة أعلن بنك أفغانستان المركزي عن انخفاض سعر الروبية الباكستانية مقابل الدولار الأميريكي (6٪)، والروبية الهندية (4٪)، والريال الإيراني (12٪)، وفي الوقت نفسه انخفض سعر العملة الأفغانية مقابل الدولار الأمريكي (4٪) فحسب.
الوضع الاقتصادي السيء: رغم أنه في عهد حكومة الوحدة الوطنية تم افتتاح بعض المشاريع، واكتمل بعضها الآخر؛ وازداد دخل الحكومة نوعًا ما، وكان السبب الرئيس في ذلك فرض ضرائب على استخدام رصيد شبكات الاتصالات، ولكن بصفة عامة ساء الوضع الاقتصادي يومًا بعد يوم، كما أن البطالة في البلد وصلت إلى حدها الأعلى، والمئآت من الشباب الأفغان أخذوا يلجؤون إلى أوروبا عن طريق التهريب و هذا بالغ الخطورة، وبهذا واجه البلد هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وفي الواقع كل ذلك كان عائقًا في النمو الاقتصادي في البلد.
الوضع الأمني والسياسي السيء: ويتمثل في الوقت الحالي أهم عائق عن النمو الاقتصادي والاستقرار في العملة الأفغانية عدم الأمن والسلام في البلد، وتكثيف الحروب، وانعدام الاستقرار السياسي. وتعاني أفغانستان حاليًا من الأوضاع السياسية والأمنية السيئة؛ فالنزاعات الداخلية بين السياسيين في البلد وتصعيد الحرب من قبل الجماعات المعارضة المسلحة هي من بين القضايا التي هزت اقتصاد البلد أكثر من غيرها. لذلك، طالما أن الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان لم يتحسن، فسيكون من الصعب الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.
القيمة الاصطناعية للعملة الأفغانية: من الأسباب المهمة لخفض قيمة العملة الأفغانية هو سياسة وضع الدولار عن طريق مزاد علني في السوق. هذه السياسة، في الوقت التي تتحكم في تدفق العملة الأفغانية داخل البلاد ومن خلالها تتحكم مراقبة الأسعار وسعر الصرف العملة مقابل العملات الأجنبية، وخاصة الدولار؛ ولكن مع هذا يؤدي إلى حماية قيمة العملة الأفغانية على المدى القصير والاصطناعية.
انخفاض عدد القوات الأجنبية في البلد: تراجع عرض الدولار في الأسواق الأفغانية بعد عام 2014، مع انسحاب جزء كبير من القوات الأجنبية، حيث كانت عشرات الآلاف من القوات الأجنبية في أفغانستان قبل عام 2014، مما يتطلب أن تدخل قدر كبير من الدولار في أفغانستان من أجل إنفاق عسكري. وجعل هذا الوضع قيمة العملة الأفغانية في حالة ثابتة نسبيًا، ولكن قيمة العملة الأفغانية انخفضت مع خفض عرض الدولار في السوق.
استخدام العملات الأجنبية في المعاملات: على الرغم من أن المعاملات مع العملات الأجنبية تُعد جريمة على حسب قوانين “بنك أفغانستان”، إلا أن معظم المعاملات تتم بالعملات الأجنبية مثل الدولار، والروبية الباكستانية، والريال الإيراني، ففي الولايات الغربية حدود إيران؛ بالريال الإيراني، وفي المناطق الشرقية والجنوبية؛ بالروبية الباكستانية، وفي جميع المعاملات الاقتصادية والتجارية واسعة النطاق في أنحاء البلد؛ بالدولار، وذلك مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الأفغانية، حيث يقل الطلب للعملة الأفغانية ومن ثم ينخفض سعر العملة الأفغانية.
ومع ذلك، نظرًا إلى جمع الضرائب من المواد المستوردة، و الاهتمام بحماية الإنتاج المحلي وترويج العملة الأفغانية في المعاملات الاقتصادية واسعة النطاق يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على قيمة العملة الأفغانية، ولكن في الوقت الحالي؛ من المتوقع انخفاض قيمة العملة الأفغانية أكثر في هذا العام أيضًا، و ذلك بسبب الوضع السياسي والأمني السيئ في البلد، وعدم الاهتمام اللازم من قبل الحكومة للعملة الأفغانية.
إلى جانب هذا، أدى انخفاض قيمة العملة الأفغانية في الوقت الحالي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والنفط، والغاز، والمواد الأساسية الأخرى للحياة اليومية في البلد، مما أدى إلى مواجهة الناس لمشاكل عديدة. ومن خلال الشهور الماضية، ارتفع سعر ليتر واحد من البنزين من 44 أفغانيًا إلى 52 أفغانيًا، و كيلوغرام من الغاز من 43 أفغانيًا إلى 50 أفغانيًا، وكيس من الدقيق القزاقي من 1050 أفغانيًا إلى 1150 أفغانيًا، وسعر كيلو واحد من الشاي الأخضر من 270 أفغانيًا إلى 300 أفغانيًا. لذلك؛ ينبغي أن تأخذ الحكومة قرارات لازمة للسيطرة على هذا الوضع وتحسينه.
النهاية