منذ عقد من الزمن ويزداد اهتمام موسكو نحو علاقة مع كابول، إلا أن الدعايات الأخيرة حول تواجد داعش في أفغانستان أثارت قلقا لدى الساسة الروس.
خلال الأشهر الماضية، أظهرت تصريحات بوتين، ولافروف وزير الخارجية الروسية، وكابلوف مندوب روسيا الخاص في شؤون باكستان وأفغانستان، والآن تظهر زيارة كابلوف إلى أفغانستان القلق الروسي المتزايد.
هناك أسئلة تمت مناقشتها هنا ومن هذه الأسئلة: متى تغيرت سياسة موسكو تجاه أفغانستان؟ كيف كانت العلاقات الأفغانية الروسية منذ أحداث 11 من سبتمبر وحتى الآن؟ ما هي عوامل تزايد قلق الروس واهتمامهم بشأن أفغانستان؟
هزيمة الروس وتغيير السياسة
إن لأفغانستان علاقة قديمة مع الروس. وكانت أفغانستان ميدان منافسة بين الروس والإنجليز في القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت روسيا من أكبر الداعمين لأفغانستان في القرن العشرين. وقد دعمت روسيا أفغانستان من عام 1954 إلى 1978 في المجال العسكري والاقتصادي ما بلغ ملياري دولار. وكانت أفغانستان في تلك الفترة أيضا ميدان معارك للقوى العظمى، إلا أن الأمريكيين كانوا قد حلوا محل الإنجليز. وقد دعم الأمريكان أفغانستان أيضا ولكن مساعداتهم كانت أقل من المساعدات الروسية[1].
وحتى عام 1991 كان الروس يدعمون تلك الحكومات التي كان الشيوعيون يحكمها، أو التي كانت تقف بجانب روسيا في السياسة العالمية. ولكن بعد انهزام الروس في أفغانستان، غيّرت الحكومة الروسية سياستها وفي عام 1991 من 11 إلى 15 من شهر نوفمبر، رحّب الرئيس الروسي بوريس يلتسن مندوبي أربعة من بين سبعة أحزاب جهادية بقيادة الأستاذ برهان الدين رباني في موسكو، وتعهد إزاء إطلاق سراح الأسرى الروس بأن يسحب المستشارين الروس من أفغانستان وأن يقطع دعم د. نجيب الله[2].
منذ تلك الفترة تغيّرت سياسة الروس مع أفغانستان، واستمرت حتى عام 2001م. وعززوا علاقات مع المجاهدين أيضا، إلا أن أحدث 11 سبتمبر قد غيّرت كل شيء.
العلاقات الأفغانية الروسية منذ أحداث 11 سبتمبر إلى الآن
عندما حدث هجوم 11 سبتمبر وقامت أمريكا والناتو بالهجوم على أفغانستان، رحّبت روسيا بالهجوم الأمريكي، لأن أفغانستان في إمارة طالبان اعترفت بالشيشان، وسمحت بفتح سفارة لها أثناء الحرب الروسية الشيشانية عام 2000. ولذلك بعد مغادرة طالبان كابول جاء دبلوماسيون روس إلى كابول، وفُتحت سفارة روسيا في كابول في 28 من ديسمبر 2001.
ويرى ماريك مينكيسزاك، بأن سياسة روسيا منذ 2001م حتى الآن مرت بثلاث مراحل:
- من 2001 إلى 2002.
- من 2003 إلى 2006.
- من 2007 حتى الآن.
في المرحلة الأولى تم تبادل زيارات للمسؤولين بين البلدين، وزاد ميلان الروس في أفغانستان، لأن حكومة أفغانستان المؤقتة كان فيها كثير من شخصيات اتحاد الشمال، والذين كانوا على صلة مع الروس. ومن هنا جاء في 4 من فبراير 2002م، وزير الخارجية الروسي إلى أفغانستان ودعى حامد كرزاي لزيارة روسيا. في 12 من فبراير ذهب المشير محمد قسيم فهيم إلى موسكو، وتحدث هناك عن أخذ أسلحة للجيش الأفغاني، وفي 28 من فبراير ذهب يونس قانوني وزير الخارجية إلى موسكو. وبعد ذلك ذهب حامد كرزاي مرتين إلى روسيا بدعوة من وزير خارجيتها.
وكانت العلاقات الأفغانية الروسية من 2003 إلى 2006 متوقفة نوعا ما، إلا أن العلاقة العسكرية والمساعدات الروسية لأفغانستان كانت نحو تحسن. فإن روسيا من 2002 إلى 2005 دعمت أفغانستان في مجال التدريب والتجهيز بـ30 مليون دولار[3]. وفي عام 2005 دفعت روسيا لأفغانستان من التجهيزات والعتاد ما بلغت تكلفتها 30 مليون دولار.
وعندما أصبحت علاقات كرزاي نهاية فترته الرسمية الأولى متدهورة مع أمريكا، فاز أوباما في 2008 بالرئاسة الأمريكية وفي الانتخابات الأفغانية عام 2009 تدخل مندوب أمريكا في أفغانستان ريشارد هالبروك، وبذلك تدهورت علاقات كرزاي مع أمريكا.
إلى جانب ذلك، وبسبب أزمة جورجيا عام 2008 شهدت العلاقات الأمريكية الروسية تدهورا كبيرا. لأن روسيا حينها اجتاحت بلدا حليفا لأمريكا، وهددت المصالح الأمريكية فيها.
ومع تدهور العلاقات بين أمريكا وأفغانستان من جهة، وبين أمريكا وروسيا من جهة أخرى، توجهت العلاقات الأفغانية الروسية نحو تحسن، وقامت موسكو عام 2010 بإعفاء الجانب الأفغاني 891 مليون دولار من القروض. وفي 2010 دفعت روسيا للجيش الأفغاني عشرين ألف من سلاح كلاشين، درّبت 250 من عناصر الشرطة، بدأت ترميم سد “نغلو”، وذهب حامد كرزاي للمرة الثالثة إلى موسكو في 2011م[4].
إلى جانب ذلك ازداد حجم التجارة بين روسيا وأفغانستان منذ عام 2008م. وكان حجم التجارة بين البلدين عام 2008م، 200 مليون دولار، وصل ذلك عام 2010 إلى 571,3 مليون دولار، وفي عام 2013م، وصل المليار.
بعده وفي 2011 جاء مسؤولون روس رفيعي المستوى منهم رئيس البرلمان الروسي إلى أفغانستان، وتلاحقت بعد ذلك زيارات المسؤولين الروس إلى أفغانستان. وعندما فاز أشرف غني بالرئاسة الأفغانية بعثت روسيا إلكسندر منتسكي سفيرا لها إلى كابول. وقد عمل الرجل من قبل دبلوماسيا في وزارة الخارجية الروسية، وسفيرا في الهند وباكستان ونيبال. وقام كابلوف مندوب روسيا الخاص بزيارات كثيرة أيضا. وجاء كابلوف بعد زيارة وزير الداخلية الروسي إلى أفغانستان وتحدث مع أشرف غني حول الأوضاع الراهنة.
وتأتي زيارة كابلوف مندوب روسيا، ووزير الداخلية الروسي في أوضاع، تحس موسكو بقلق شديد تجاه تقارير تفيد بتواجد داعش في أفغانستان، وتصاعد وتيرة الاضطرابات الأمنية شمالي أفغانستان، وتهريب المخدرات.
عوامل اهتمام روسيا المتزايد
وهنا نلخص في السطور الآتية عوامل دفعت روسيا نحو بذل اهتمام أكبر وأوسع بأفغانستان:
- انسحاب أمريكا من المنطقة
إن إعلان أمريكا انسحابها من أفغانستان والمنطقة عام 2014م، عنصر مهم في تركيز روسيا اهتمامها بأفغانستان. فإن هذه الإعلان رفع اهتمام روسيا كما ورفع سطح القلق الروسي. لأن روسيا تشعر بالسعادة من جهة وذلك لمغادرة أمريكا المنطقة، ومن جهة أخرى تشعر بالقلق من أن يحدث في أفغانستان خلاء القوة، وأن يسبب ذلك اضطرابات قد تصل إلى آسيا الوسطى وتؤثر على روسيا أيضا. لذلك ومنذ إعلان أمريكا انسحابها تدعم روسيا أفغانستان عسكريا.
- تدهور العلاقات الأفغانية الأمريكية
إن عاملا آخر قرّب روسيا من أفغانستان هو تدهور العلاقات الأفغانية الأمريكية بعد أزمة جورجيا، وقد أشرنا إليه سلفا.
- تنظيم داعش
إن خبر تواجد داعش في أفغانستان خلال بضعة الأشهر الماضية هو من أهم ما أثار قلقا في الأوساط الروسية. وجاءت حول ذلك تصريحات للرئيس الروسي ولاديمير بوتين، ووزير خارجيته لافروف، ووزير الداخلية كولوكوتسوف، وسفير روسيا في أفغانستان ومندوب روسيا الخاص في أفغانستان وباكستان.
أظهر بوتين قلقه في ديسمبر 2014 بشأن تواجد داعش في أفغانستان، وأن داعش يحاول بسط نفوذه هنا[5]. وبرأي وزير الخارجية الروسي لافروف، إن داعش يقترب من الأراضي الروسية[6]. وصرّحت روسيا في مارس 2015، أن داعش له نفوذ في أفغانستان ويهدد حلفاء الروس[7]. بعده صرّح حنيف أتمر مستشار الأمن الوطني للرئيس الأفغاني في لقاء مع وزير الخارجية الروسي في موسكو، بأن روسيا مستعدة بأن تدعم أفغانستان في مكافحة الإرهاب. وكانت زيارة وزير الداخلية الروسي، ومندوب روسيا الخاص إلى كابول بشأن هذه الأمور.
- المخدرات
ازدياد المخدرات وتهريبها إلى روسيا، أمر مقلق آخر لروسيا، زاد من اهتمام الروس بأفغانستان. على أساس مصدر في الأمم المتحدة إن روسيا يبلغ مستوى الإدمان فيها إجمالي الإدمان في أوروبّا. (روسيا تصرف 70 طن، ويصرف الاتحاد الأوربّي 88 طن من المخدرات). ويموت سنويا ما يقارب مئة ألف من أهل المدمنين، ما بين 30 ألف إلى 40 ألف من هم يكونون من الروس. ويرى الروس بأن أفغانستان هي المكان الذي تأتيها منها أكثر مقادر المخدرات[8]. لأن أفغانستان لا تزال تنتج 90% من مخدرات العالم. وكان على جدول أعمال زيارة وزير الخارجية الروسي بحث كيفية تعاون بين الدول في مجال مكافحة تهريب المخدرات.
- الاضطرابات الأمنية في الشمال
وقد أثارت الاضطرابات الأمنية شمالي أفغانستان، وخاصة في ولايات كندز، وفارياب، وبدخشان، وتخار قلقا لدى المسؤولين الروس رفيعي المستوى. وخرجت بشأنها تصريحات من المسؤولين الروس أيضا. وتخاف روسيا من أن تصل ترددات هذه الأوضاع إلى آسيا الوسطى وبالتالي إلى موسكو.
النهاية
[1] على أساس كتاب دوبري بعنوان “أفغانستان”، دعم الأمريكان أفغانستان مابين أعوام 1950-1971م، 280 مليون دولار، وكانت في تلك الفترة مستوى مساعدات روسيا 670 مليون دولار. صفحات الكتاب: ۶۳۰-۶۴۱
[2] Richard Weitz, Moscow’s endgame in Afghanistan, Conflict Quarterly, Winter: 1992.
[3] Thomas Ruttig, From Point Zero to ‘New Warmth’: Russian-Afghan relations since 1989, Afghanistan Analysts Network, 2014
[4] Thomas Ruttig, From Point Zero to ‘New Warmth’: Russian-Afghan relations since 1989, Afghanistan Analysts Network, 2014
http://af.farsnews.com/politics/news/13931004000594 تفاصيل ذلك في الرابط التالي: [5]
[6] فارس نیوز، الرابط التالي:
http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13931004000520
[7] صوت روسيا، 5 من مارس 2015،رابطه:
http://dari.sputniknews.com/dari.ruvr.ru/news/2015_03_05/283210744/
[8] Dmitri Trenin and Alexei Malashenko, Afghanistan: A view from Moscow, Carnegie Endowment, 2010, p: 15