في زيارته إلى أفغانستان وفي مؤتمر صحفي مع الرئيس الأفغاني، صرّح نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني قائلا: “إن عدو أفغانستان لن يكون صديق باكستان”. وهذا الكلام يعني في الظاهر أن الإرهاب هو عدو مشترك لباكستان وأفغانستان، ومن مقتضيات المكافحة المشتركة مع الإرهاب أن تعتبر باكستان عدو أفغانستان عدوا لها، وفي المقابل تطلب باكستان من أفغانستان أن تعتبر عدوها عدوا أيضا.
إن ما قاله نواز شريف كان من الممكن أن يُعتبر مما يصرح به المسؤولون في لقاءات دبلوماسية، إلا أن ظهور خبر عن توقيع اتفاقية استراتيجية بين آي إس آي الباكستانية مع إدراة الأمن الوطني الأفغاني فجّر جدلا واسعا في الإعلام الأفغاني، ولاسيما إخفاء نص الاتفاقية من قبل الحكومة جعل الإعلام يروج ضدها، وأثار ذلك ردود فعل واسعة حتى في البرلمان الأفغاني أيضا.
من اللافت أنه وقبل فترة طويلة من توقيع الاتفاقية ظهر في الإعلام خبر عن تعاون بين مؤسسة المخابرات للبلدين. وقيل إن أعضاء المخابرات الباكستانية يذهبون إلى السجون الأفغانية ويحققون مع السجناء. وأن المسؤولين الأفغان نقلوا أهم السجناء لحركة طالبان إلى سجن بغرام في كابول لتسهل عملية التحقيق لأعضاء آي إس آي معهم.
تعريف العدو المشترك
إن انعدام الثقة طيلة السنوات الماضية بين الطرفين أحدث فجوة كبيرة في العلاقات الثنائية بين البلدين، لا يمكنها ملئها في الأمد القريب. وفي السنوات الأخيرة أتهمت باكستان بكل نشاط دمر البلد أو قتل المواطن.
واعتبار باكستان عدوا والترويج لهذه الفكرة، أحدثا خللا في تعريف العدو والصديق بين البلدين. وخاصة أن عدو باكستان الهند دعمت أفغانستان خلال السنوات الماضية دعما واسعا وظهرت كبلد صديق لأفغانستان في المنطقة.
لذلك من الصعوبة بمكان أن تزول صورة آي إس آي الباكستانية من مخيلة الشارع الأفغاني كمؤسسة كانت على اطلاع بما أحدث اضطرابا في البلد وكانت تروج لهذه الفكر إدراة الأمن الوطني نفسها، وأن يتم الترويج من جديد بأن “العمق الاستراتيجي”، ومحاولة باكستان من أن تجعل أفغانستان “إقليما خامسا”، كلها كانت آراء غير صحيحة، وأن عدو أفغانستان أصبح الآن عدو باكستان أيضا.
باكستان ترحب بالاتفاقية
فقد رحبت الصحف الباكستانية بهذه الاتفاقية، واعتبرتها خطوة مهمة في مكافحة الإرهاب. وتفيد تقارير هذه الصحف بأن هذه الاتفاقية إضافة إلى مكافحة الإرهاب المشتركة تنص على أمور أخرى، تضمن في الأغلب مصالح باكستان، منها مكافحة مشتركة ضد مؤسسات مخابرات العدو، والمكافحة مع الانفصال.
وأما أي مخابرات تُعتبر عدوا، فإن الاتفاقية لا توفر تعريفا دقيقا حول ذلك. إلا أن الصحف الباكستانية كشفت بأن آصف علي زرداري أثناء زيارته إلى كابول في 7 من مايو/أيّار ونواز شريف في 12 من هذه الشهر بحثا مع الجانب الأفغاني استغلال “را” المخابرات الهندية من الأراضي الأفغانية. قبيل زيارة نواز شريف وراحيل شريف إلى كابول، نشرت صحيفة “نواي وقت” الباكستانية بأن مصادر قريبة من الحكومة الباكستانية أكّدت أن نواز شريف سوف يُطلع الجانب الأفغاني، بحضور راحيل شريف قائد الجيش الباكستاني ورضوان أختر رئيس المخابرات الباكستانية، عن أنشطة المخابرات الباكستانية في أفغانستان، وسوف يُطلع المسؤولين الأفغان على قلقه تجاه أنشطة الهند لخلخلة الأمن في باكستان. وأن هذه التدخلات يجريها الانفصاليون البلوش في بلوشستان، وعناصر حركة طالبان باكستان بزعامة الملا فضل الله في خيبربختونخواه خاصة. وأن المسؤولين الأمنيين الباكستانيين سوف يقدمون شواهد على ذلك للجانب الأفغاني.
عمليات مشتركة على طرفَيْ الشريط الحدودي
وكان قبل ذلك تقارير تفيد بأن البلدين اتفقا على تنفيذ عمليات مشتركة ضد الإرهابيين، إلا أن المسؤولين الأفغان رفضوا ذلك، وصرّح المسؤولون الباكستانيون بأن قوات البلدين تجري عمليات على طرفي الشريط الحدودي بشكل منسق، إلا أنها ليست عمليات مشتركة.
يبدو أن عمليات القوات الباكستانية في الداخل الأفغاني دخلت مرحلة أخرى، وأن المسؤولين الباكستانيين وتجنبا مما تثير عملياتهم من حساسية، ينفذون عمليات عبر جنود من دون ملابس عسكرية، وذلك بتنسيق مع الجانب الأفغاني. ويمكن أن نعتبر إرسال باكستان مليشياتها إلى أفغانستان وحربها في ثوب طالبان باكستان مع حركة طالبان أفغانستان، حربا داخلية بين طالبان. وهو أمر واقع في بعض مديريات ولاية ننكرهار مثل نازيان، وأشين، وسبب نزوح كثير من سكان المنطقة.
في البداية كانت شائعات تقول بأن هذه الحرب تجري بين طالبان الأفغان وتنظيم الدولة، وجاءت تقارير أخرى مفيدة بأن حركة طالبان باكستان تقاتل مع حركة طالبان أفغانستان للسيطرة على أماكن أكثر شرقي أفغانستان. ويدعي المسؤولون الباكستانيون بأن الملا فضل الله زعيم حركة طالبان باكستان قد لجأ مع عدد من أتباعه إلى هذه المناطق، وينفذون عمليات داخل باكستان بدعم المخابرات الهندية.
مكافحة الانفصال
مما نصت عليه الاتفاقية هو أن يقوم الطرفان بمكافحة التحركات الانفصالية. إن مشكلة الانفصال تواجه باكستان ولا توجد في أفغانستان، وتعني الإشارة غالبا في هذا المجال البلوش في باكستان.
بناءً على صحيفة “إكسبريس تربيون”، وصحف باكستانية أخرى، تم إلقاء القبض على 30 ألف شخص ضمن مكافحة الإرهاب في الآونة الأخيرة، يرجع أكثر من 10% من ذلك (3466شخصا) إلى إقليم بلوشستان.
إنه من الواضح أن حركة طالبان باكستان لا تجري عمليات في بلوشستان، وقد أصبح هذا الإقليم ميدان قتال للانفصاليين البلوش مع القوات الباكستانية. وتعتبر الحكومة الباكستانية أن هذه الأمور تحركها الهند عبر الأراضي الأفغانية.
النتيجة
لا شك أن الدول الجارة تحتاج علاقات جيدة فيما بينها، وتكون هذه العلاقات على أساس عقود واتفاقيات. إلا أن أي إغماض في هذه المجالات وخاصة بين الدول ذات علاقات متدهورة يثير جدلا وردود فعل واسعة، ويسبب انعدام ثقة. وكذلك الاتفاقية بين إدارة الأمن الوطني، وآي إس آي الباكستانية أثارت ردود فعل واسعة في البرلمان الأفغاني وقد تم وصف الأمر بخيانة عظمى للوطن أيضا. وقد وصل الخلاف على هذه الاتفاقية في أفغانستان إلى درجة قد نرى إلغائها في الأجل القريب، لكن ذلك سوف يزيد الاضطرابات الأمنية في البلد.
إن الشعب البلوش في باكستان قد يرون في جزء من إلقاء الحكومة الباكستانية القبض على أفرادهم تعاونا من قبل المخابرات الأفغانية، وذلك يثير كرها لديهم، وخاصة يقال إن إلقاء القبض في إقليم خيبربختونخواه يتعلق بأمور أخرى منها “طريق كاشغر التجاري”، وأن يكون ممتدا من “غوادر” إلى الحدود الصينية. كان من المقرر أن يمر هذا الطريق عبر إقليم خيبربختونخواه، ليؤثر على اقتصاده، إلا أن الحكومة المركزية تريد إعمال الطريق عبر إقليم بنجاب. وقد يكون إلقاء القبض على 16813 شخصا في إقليم خيبربختونخواه مرتبطا بهذه القضية.
إن أمورا كتدريب كوادر المخابرات الأفغانية والتعاون الفني مما اعتبرتها الصحف الباكستانية جزءا من الاتفاقية، تم رفضها من قبل المسؤولين الأفغان. لذلك سؤال يُطرح. أين هي مصلحة أفغانستان في هذه الاتفاقية؟
النهاية