نظرة إلى الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في أفغانستان

 

حكمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية

التحديات الأمنية والقلق بشأن الأمن في أفغانستان، جعل الأفغان يتباحثون حول الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في أفغانستان. المفتشون الأمريكيون قالوا أيضا في تقرير لهم أن استراتيجية ترمب لأفغانستان لم تكن موفقة.

انتقد أعضاء البرلمان الأفغاني وبعض سياسيي البلاد في الآونة الأخيرة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحالية، وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني طلبوا إلغاء الاتفاقية الأمنية بين كابل وواشنطن. ولذلك أعلن مجلس الشيوخ أنه سيستعرض تنفيذ الاتفاقية الأمنية بين كابل و واشنطن ومدى جدواه.[1]

في جانب آخر، هناك حديث يقال أحيانا عن إنجازات لهذه الاتفاقية. في حالة جديدة؛ تباحث مستشارو الأمن الأمريكية والأفغانية الثلاثاء الماضي (29 مايو 2018) في مؤتمر عبر الفيديو حول تنفيذ وإنجازات الاستراتيجية الأمريكية لأفغانستان.

مضى قرابة عشرة أشهر عن إعلان استراتيجية الأمريكية الجديدة لأفغانستان، واشتدت نيران الحرب في هذه الفترة وازدادت الخسائر في صفوف العسكريين والمدنيين بشكل غير مسبوق. السؤال هو: ما هو تأثير الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على الوضع في أفغانستان في مجالات مختلفة؟ وكيف تبدو آفاق هذه الاستراتيجية بالنظر إلى الوضع الحالي في البلاد؟

 

الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية (2001- 2018)

كانت الاستراتيجية الأمريكية لأفغانستان في أكثر من عقد ونصف العقد الماضي في تغيير دائم، وأيضا لم تكن ناجحة إلى حد كبير. بعد سنة 2001 وبدء الهجوم الأمريكي على أفغانستان في 7 أكتوبر من هذا العام كانت الاستراتيجية الأمريكية تواجه التذبذب لأسباب مختلفة، حيث تغييرت ست مرات خلال هذه الفترة. نشير إلى هذه المراحل الست على النحو التالي:

أولا: من عام 2001 إلى 2005: في الفترة الأولى من رئاسة جورج دبليو بوش، كانت لدى أمريكا في حربها على أفغانستان هدفين؛ إسقاط نظام طالبان، وقتل أسامة بن لادن، وتحقق الأول والذي كان إسقاط حكومة طالبان وتأسيس الحكومة الجديدة في البلاد في وقت مبكر من الفترة. في هذه الفترة كان الأمن مستتبا في جميع مناطق البلاد، ولم تكن هناك مقاومة تذكر ضد القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية.

ثانيا: من عام 2005 إلى 2009: في الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش وفي السنوات الأولى من هذه الفترة، بدأت القوات الأمريكية بالتفتيش الليلي للبيوت واعتقال أفراد طالبان السابقين، وهذا يعتبر أحد أهم العوامل لبدء الفعاليات الحربية لطالبان مجددا. ولذلك تم التركيز على ميادين القتال، وازداد عدد القوات الأجنبية في البلاد عام 2006. في هذه المدة اشتدت الحرب في البلاد عاما بعد عام، وارتفع عدد قتلى القوات الأمريكية من 129 شخصا في عام 2005 إلى 516 شخصا عام 2009م.

ثالثا: من عام 2009 إلى عام 2011: ازدياد الخسائر في صفوف القوات الأمريكية في الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش سبب انتقادات واسعة من الأمريكيين للحرب في أفغانستان، وهذا ما أوصل باراك أوباما إلى الحكم عام 2009 تحت شعار إنهاء الحرب في أفغانستان والعراق. رفع أوباما من عدد قواته في أفغانستان في هذه السنوات إلى أكثر من 100 ألف، وبلغت الحرب بين طالبان والقوات الأجنبية ذروتها. بعد شدة الحرب؛ فإن طالبان لم ينهزموا فحسب بل اشتدت مقاومتهم ضد القوات الأجنبية يوما بعد يوم. لذا تم قبول طالبان كقوة سياسة وعسكرية وبدأت المباحثات على فتح مكتب سياسي للحركة في قطر.

الرابع: من 2012 إلى 2014: وفقا لاستراتيجية أوباما فإن عدد العساكر الأمريكيين في أفغانستان نقص تدريجيا، وبدأت عملية انتقال المسؤليات الأمنية إلى القوات الأفغانية واكتملت. في هذه المدة سعى أوباما لبناء قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان وتوقيع اتفاقية أمنية وذلك بعد توقيع اتفاقية استراتيجية بين كابل و‌واشنطن، إلا أن الاتفاقية الأمنية لم توقع بسبب ازدياد التوتر بين كرزاي وأمريكا.

الخامس: من عام 2015 إلى 2017: في الفترة الثانية من رئاسة باراك أوباما وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية نتيجة للتدخل الأمريكي في نتائج الانتخابات الأفغانية؛ تم توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا على الفور، وتحسنت العلاقات بين كابل وواشنطن مرة أخرى. السبب الآخر في تحسين العلاقات مع أمريكا هو السماح بالعمليات الليلية لبيوت الأفغان وإغماض المسؤولين الأفغان أعينهم عن القتل المتعمد الذي كانت ترتكبه القوات الأجنبية في مناطق مختلفة من البلاد خلال عملياتهم. لهذا السبب غير أوباما قراره بخفض عدد عساكره في أفغانستان وحافظ على عشرة آلاف منهم في أفغانستان.

السادس: من عام 2017 إلى 2018: مع بدء الإدارة الأمريكية الجديدة عملها ووصول دونالد ترمب إلى الحكم؛ تردد الأمريكيون مرة أخرى في الاستمرار في الحرب في أفغانستان أو إنهائها. ولذلك تأخر الإعلان عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لأفغانستان حوالي 8 أشهر، الاستراتيجية التي تدور مرة أخرى حول التركيز على الحرب التي تعتبر أطول حرب أمريكية خارج حدودها وازدياد العساكر الأمريكيين في أفغانستان.

 

تقييم استراتيجية ترمب العسكرية

كان ترمب معارضا لاستمرار الحرب الأمريكية على أفغانستان قبل وصوله إلى رئاسة الجمهورية الأمريكية. صمته أثناء الانتخابات وبضعة أشهر بعد الانتخابات يعبر عن تردد منه في استمرار الحرب في أفغانستان. ولهذا السبب فإن خيار الخروج الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان كان مطروحا أثناء المباحثات حول الاستراتيجية الجديدة لأفغانستان، وأعلن ترمب في النهاية استراتيجية بلده الجديدة في 22 أغسطس 2017 والتي تدور حول هذه النقاط:

  • الإبهام في مستقبل حضور أمريكا العسكري في أفغانستان
  • التركيز على الحرب وإرسال القوات الإضافية إلى أفغانستان
  • اتخاذ موقف متشدد ضد باكستان والتشديد على تعزيز دور الهند في أفغانستان

مع مرور حوالي عشرة أشهر من إعلان الاستراتيجية الأمريكية العسكرية الجديدة لأفغانستان؛ تقيم هذه الاستراتيجية فاشلة[2] من قبل المراقبين الأفغان والأمريكيين لأسباب، منها:

أولا: تركيز القوات الأجنبية على الحرب وعودتهم إلى ميادين القتال أزمت الأوضاع في البلاد أكثر. ساءت الأوضاع الأمنية إلى حد تواجه المحافظات خطر السقوط، وتسقط المديريات واحدة تلو الأخرى في المحافظات المختلفة من البلاد. وارتفعت الخسائر في صفوف العسكريين وغير العسكريين بشكل غير مسبوق، وفقا لبعض التقارير في الأسابيع الأخيرة؛ فقد قتل 250 جنديا أفغانيا في ميادين القتال وجرح أكثر من 350 أخرين في أسبوع واحد فقط.[3] ازدياد العمليات الجوية هو الآخر يزيد من المشكلات والخسائر في صفوف المدنيين الأفغان.

ثانيا: الإبهام في مستقبل حضور الأمريكيين في أفغانستان من ناحية مدة البقاء وعدد القوات، واتخاذ استراتيجية الوصول إلى السلام عن طريق الحرب التي لم تؤد إلى السلام في السنوات الـ17 الماضية؛ ازداد من قلق دول المنطقة. ولهذا السبب اشتعلت نيران الحرب الباردة بين أمريكا ودول أخرى في أفغانستان في الأشهر الأخيرة. على سبيل المثال، الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا وحروبهما النيابية في أفغانستان أدت إلى التأزم في العلاقات الأفغانية الروسية.

ثالثا: لم تساعد استراتيجية ترمب في تحسين الوضع السياسي في أفغانستان، ليس هذا فحسب؛ وإنما أدت تلك الاستراتيجية إلى مشاكل إضافية. ازدادت الخلافات الداخلية على المستويات المختلفة سيما بين رؤساء الحكومة، وارتفعت حدة الخلافات القومية واللغوية أكثر من أي وقت مضى. عملية الانتخابات البرلمانية والتي واجهت أزمة ثقة كبيرة بسبب التدخل الأمريكي في الانتخابات الماضية؛ محكومة بالفشل. والفساد الإداري مستشر في جهاز الحكومة كما كان وبشكل واسع.

رابعا: بجانب الوضع السياسي والأمني، فإن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب الأفغاني لم يتحسن في العام المنصرم، وإنما كان متجها إلى الأسوأ. ارتفعت نسبة الفقر والبطالة، ويترك الأفغان ديارهم بسبب المشكلات الأمنية والاقتصادية. وفقا لتصريحات وزير شؤون اللاجئين فإن عدد اللاجئين في الداخل وصل إلى 1.4 مليون شخص، وترك حوالي 200 ألف شخص ديارهم بسبب الحرب والمشكلات الأمنية والوضع الاقتصادي السيء منذ بداية عام 2018 الحالي فقط.[4] الرقم الذي جاء في تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) 114 ألفا منذ بداية العام الحالي.[5]

الشيء الذي يعتبر إنجازا لاستراتيجية ترمب لأفغانستان، هو الضغط الأمريكي على باكستان للتعاون مع عملية السلام الأفغانية. مع أن الضغوط على باكستان وانزواءها أجبر باكستان على بذل الجهود لتحسين علاقاتها مع أفغانستان؛ إلا أن انزواء باكستان في السنة الأخيرة لم يؤد إلى تقدم ملموس على طريق التعاون الصادق للسلام في أفغانستان، ولا يتوقع أن تغير باكستان سياستها تجاه أفغانستان بهذه السهولة.

من جهة أخرى وبالنظر إلى أدلة أخرى فإن باكستان ليس لها ذلك النفوذ والسلطة على طالبان – كما يقال – ولا يمكن لها إحضار طالبان على طاولة المفاوضات المباشرة مع الحكومة الأفغانية. لذلك فإن الضغوط على باكستان أيضا لا تضمن إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان.

 

مستقبل الحرب الأمريكية في أفغانستان

الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في أفغانستان هي التي ترسم مصير الحرب والسلام في هذا البلد؛ ولهذا السبب لها أهمية كبيرة. ولكن أثبتت سبعة عشر عاما الماضية أن السلام الحقيقي لا تتضمنه الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، وهي تتبع حتى الآن سياسة التوصل إلى السلام الفاشلة عن طريق الحرب.

بالنظر إلى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لأفغانستان؛ فإن صورة الحرب الأمريكية المستقبل في هذا البلد تبدو قاتمة، لأن قضية السلام والحرب في أفغانستان تتعقد يوما بعد يوم من جهة، ومن جهة أخرى فإن أمريكا لا تريد الخروج من أفغانستان حفاظا على مصالحها في المنطقة.

لذلك، فإن مسؤولية الأفغان سيما الحكومة الأفغانية أن تكون لديهم تصور واضح حول مستقبل الحضور الأمريكي في أفغانستان لتجنب التهديدات واستمرار الحرب إلى ما لا نهاية لها، ولا يوصلوا البلاد إلى إبهام أكبر من أجل تمويل وحفظ الحكومة نصف ميتة الحالية.

النهاية

[1] Etilaatroz Daily, see it online: http://etilaatroz.com/60940/

[2] Watchdog: Afghan strategy failing, May 21, 2018, see online:

http://www.rep-am.com/news/national/2018/05/21/watchdog-afghan-strategy-failing/

[3] VOA Dari, In one week, 252 Afghan soldiers were killed, see it online in Dari:

https://www.darivoa.com/a/ansdf-casualties/4382706.html

[4] Azadi Radio, Interview with Afghan Minister of Refugees, 29 May 2018, See online:

https://da.azadiradio.com/a/29256203.html

[5] Relief Web, Afghanistan Weekly Field Report | 21 -27 May 2018, see online:

https://reliefweb.int/report/afghanistan/afghanistan-weekly-field-report-21-27-may-2018

نظرة إلى الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في أفغانستان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى