ضياءالإسلام شيراني / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
بعد الحروب وفقدان الأمن والاستقرار في أفغانستان المدمرة؛ الجفاف هو الآخر تهديد كبير لحياة الملايين من الشعب الأفغاني حاليا.
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في تقريرها الشهري الأخير: يواجه ثلثي الشعب الأفغاني الجفاف هذا العام بسبب قلة الأمطار في 20 محافظة، ويواجه مليونان من الشعب المجاعة والنقص في المواد الغذائية.[1]
التقى رئيس الجمهورية أشرف غني الأسبوع الماضي مع مندوبي مؤسسات المساعدات الدولية، وطلب منهم التعاون المشترك من أجل تحسين الوضع الذي سببه الجفاف في أفغانستان. تعهد تاداميتشي ياماموتو، المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان على التحقيق الجاد لهذه المشكلة وقال أنه أرسل مندوبيه إلى المناطق التي تعانى من الجفاف.[2]
ما هو تأثير تغير المناخ عموما و على الجفاف في أفغانستان خصوصا؟ ما هو وضع آثار الجفاف حاليا وما هي أسبابه، وماذا يجب فعله في هذه الفترة؟ هنا نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.
الجفاف في أفغانستان
وفقا لتقرير بنك التنمية الآسيوي، الجفاف المحلي في مناطق مختلفة من البلاد يأتي من ثلاث إلى خمس سنوات. وعلى مستوى المناطق الجفاف يتحول من تسع سنوات إلى إحدى عشرة سنة، وعلى المستوى الوطني يتكرر من عشرين إلى ثلاثين سنة.
إذا تأملنا العقدين الماضيين؛ هذه هي المرة الخامسة التي يواجه أفغانستان فيها الجفاف. عانى أفغانستان عام 1995 فترة طويلة من الجفاف، والتي انتهت عامي 2002 و2003 بسبب كثرة الأمطار. واجه أفغانستان الجفاف مرة أخرى في أعوام 2008 و2010 و2012، وأثر هذا الجفاف سلبا على المحاصيل الزراعية سيما القمح. أثر هذا الوضع أيضا على النمو الاقتصادي في أفغانستان بشكل عام. على سبيل المثال كان نمو القطاع الزراعي 21 في المائة في 2008، ولكن ارتفع عام 2009 إلى 53 في المائة، وأثر على النمو الاقتصادي للبلاد في هذا العام.
وفقا لتقرير البنك الدولي، منذ عام 2000 في أفغانستان تأثر 6.5 ملايين من اللشعب بالجفاف، وهذا لا يشمل العدد الحالي للمتأثرين بالجفاف. كما أن البنك الدولي يقدر في تقريره إنه إذا حدث جفاف شديد في أفغانستان، سيؤدي إلى خسارة حوالي 3 مليارات دولار في مجال الزراعة.[3]
الجفاف الحالي وتأثيره
منذ ثلاثة أسابيع الماضية تظهر المؤسسات الحكومية والدولية قلقها من الجفاف في أفغانستان. على رأي وزارة الزراعة، ينقسم الجفاف من حيث مستوى تهديده في البلاد إلى ثلاثة مستوىات:
في الدرجة الأولى 15 محافظة، هي: (جوزجان، وبادغيس، وفارياب، وغور، وأروزغان، وزابل، وقندهار، وهلمند، وسمنجان، وبلخ، وبغلان، وقندوز، وهراة، وفراه، ونيمروز). وفي الدرجة الثانية 6 محافظات، هي: (ميدان وردك، ولوجر، وتخار، وباكتيا، ونورستان، وسربول). وفي الدرجة الثالثة 13 محافظة، هي: (غزني، ودايكندي، وباميان، وكابيسا، وبروان، وبنجشير، وكابل، وبدخشان، ولغمان، وكونر، وننجرهار، وبكتيكا، وخوست).[4]
يواجه مليونان من الشعب تقريبا المجاعة في هذه المحافظات بسبب الجفاف، ومع هذا يواجه الآن 13 مليون شخص النقص في المواد الغذائية الكافية، والمواجهة مع هذا التهديد ومساعدة المتضررين تتطلب 500 مليون دولار.
القلق المهم هو تأثر الوضع الاقتصادي للبلاد بسبب الجفاف الحالي. لأن اقتصاد البلاد تعتمد على الزراعة إلى حد كبير، ويتوقع أن ينخفض إنتاج القمح من 4.2 مليون طن إلى 2.5 مليون طن. ويحتمل ارتفاع عدد النازحين في الداخل بسبب الجفاف، وهذا أيضا له تأثير على الوضع في البلاد.
أسباب الجفاف في أفغانستان
- تدفق المياه إلى دول أخرى؛ أفغانستان فيها موارد كبيرة من المياه العذبة، ولكن القسم الأكبر من هذه المياه يتدفق إلى دول الجوار، والأفغان يواجهون نقص المياه بسبب ذلك. وفقا لمعلومات وزارة المياه والكهرباء في أفغانستان يتم إنتاج 75 مليار مترا مكعبا من المياه في البلاد سنويا، ولكن الشعب الأفغاني يستعملون 25 في المائة من هذه المياه فقط، و75 في المائة الباقية تخرج إلى دول الأخرى.
- قلة الأمطار؛ أفغانستان بلد جبلي ليس له حدود بحرية، وموارده من المياه تتعلق بالأمطار الموسمية. جاء في التقرير الأخير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن نسبة الأمطار في عدد من محافظات أفغانستان كانت قد انخفضت هذا العام بالنسبة 70 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة، ونتيجة لذلك فقد جفت الموارد المائية في أكثر المناطق، وانخفضت مستوى سطح المياه في الأنهار، ويواجه الشعب الأفغاني تهديد الجفاف.
- التغييرات المناخية؛ ازدياد حرارة سطح الأرض نتيجة للحرارة والغازات التي تفرزها الشركات على مستوى العالم بشكل عام؛ سبَّب تغييرات مناخية، ولكن في أفغانستان بالإضافة إلى ذلك محو الغابات بسبب الحروب المستمرة يعتبر جانبا من التغيرات المناخية. لأن وجود الغابات واخضرار الأرض يبرد الجو، كما يحافظ على برودة مخازن الثلوج ويجنبها الذوبان.
ما الحاجة إلى مكافحة مشتركة للجفاف؟
الجفاف والإدارة غير المناسبة للمياه يعتبر تهديدا كبيرا في مواجهة الحياة الإنسانية. الجفاف والتغيرات الجوية يسبب الفقر والمجاعة، وهذا يجبر المواطنين على ترك ديارهم واللجوء إلى مناطق أخرى للبحث عن حياة أفضل والغذاء.
أفغانستان بلد زراعي يعيش 15 مليون من مواطنيه على الزراعة في القرى والأرياف، لذلك يصعب عليهم تحمل الجفاف في جميع الحالات. لذلك تعتبر التغيرات الجوية أحد أهم العوامل لنزوح المواطنين، ووفقا لتقرير إدارة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن أكثر من 21 ألفا في بادغيس وغور فقط تركوا قراهم بسبب الجفاف في شهر مايو من عام 2018م، ولجأوا إلى هراة بحثا عن الحياة والمياه والغذاء.
نظرا للجفاف الحالي في البلاد والتهديدات المتوقعة منه؛ تجب مكافحة جادة ضده، كما يحتاج إلى العمل والتعاون المشترك بين المؤسسات الحكومية والدولية والوزارات. وفقا لمعلومات وزارة الزراعة الأفغانية فإن مكافحة الجفاف تحتاج إلى حوإلى 500 مليون دولار، ولكن ميزانية وزارة الزراعة نفسها من 8 إلى 9 ملايين دولار فقط. كما أن ميزانية إدارة مكافحة الحوادث الطبيعية (أندما) 6 ملايين فقط. لذلك فإنهم يحتاجون إلى مساعدات دولية لمكافحة الجفاف.
ولذلك كله، يجب تسريع جمع المساعدات لمواجهة هذا الوضع، كما يجب إيصال المساعدات إلى المحتاجين. إلا أن في الوقت الحالي يبدو أن المكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أيضا تواجه مشكلات في جمع المساعدات، لأنهم جمعوا حتى الآن 22 في المائة فقط من 500 مليون دولار التي يجب جمعها لمكافحة الجفاف.
النهاية
[1] OCHA: Drought grips large part of Afghanistan: https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/20180525_ocha_afghanistan_monthly_humanitarian_bulletin_april_2018_en_final.pdf
[2] لمزيد من المعلومات: https://president.gov.af/ps/news/1071072
[3] لمزيد من المعلومات، راجع الرابط أدناه: http://blogs.worldbank.org/endpovertyinsouthasia/governance/voices/water/ppps/endpovertyinsouthasia/prs/archive/201707
[4] لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: https://pa.azadiradio.com/a/29254840.html