في الزيارة الأخيرة للمسؤولين الباكستانيين إلى كابول، جاء رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وقائد الجيش الباكستاني راحيل شريف، ورضوان أختر رئيس المخابرات الباكستانية، وسرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء في السياسة الخارجية والأمنية، واسحاق دار وزير المالية، إضافة إلى مسؤولين باكستانيين آخرين. بعد وصوله إلى الحكم في 2013م، يزور نواز شريف أفغانستان للمرة الثانية، وهي أولى زيارة له بعد تشكيل الحكومة الائتلافية في أفغانستان.
وتأتي زيارة نواز شريف بعد أن انتهى موعد تعهد راحيل شريف للرئيس الأفغاني بجعله حركة طالبان مستعدة للحوار في بداية شهر آذار/مارس من جهة، ومن جهة أخرى أخذت عمليات حركة طالبان المسماة بـ”العزم”، مع بدء فصل الربيع تابعا تصاعديا، وتدهورت الأوضاع الأمنية في البلد إلى حد كبير. ويأتي نواز شريف إلى كابول بعد أن التقى وفد من طالبان في الأسبوع الماضي، مع مندوبين غير رسميين للحكومة الأفغانية في قطر وفي جلسة غير رسمية.
هل بدأت محادثات السلام؟
في الأسبوع الماضي، عقدت مؤسسة بكواش، المعنية بالبحوث المتعلقة بالسلام، جلسة في قطر بعنوان، الحوار الأفغاني، دامت ليومين. وشارك في الجلسة مندوبون من حركة طالبان، ومن المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، وأعضاء من الحزب الإسلامي جناح حكمتيار، وشخصيات مستقلة.
هناك سؤال يطرح نفسه الآن. هل جلسة بكواش عُقدت بتعهدات راحيل شريف للرئيس الأفغاني، بأن حركة طالبان سوف تشارك في محادثات مباشرة في شهر آذار/مارس؟ لم يكن في هذه الجلسة أي مندوب رسمي للجانب الأفغاني، كما ولم يشارك فيها أي مندوب رسمي باكستاني. مع ذلك، وبالنظر إلى المحاولات الدبلوماسية الماضية، لا يبدو أن يكون لباكستان تدخل أو مبادرة في الأمر. لو أن باكستان استطاعت أن تملك زمام المبادرة في الجلسة، لعقدت الجلسة على أساس تعهداتها في شبّاط/فبراير، في دوبي، أو كابول، أو إسلام آباد.
تدهور الوضع الأمني
أعلنت حركة طالبان في 22 من أبريل/نيسان بدء عملياتها في فصل الربيع. واتسعت رقعة العمليات العسكرية لحركة طالبان إلى المناطق الشمالية. وأثناء هذه العمليات اقتربت حركة طالبان من السيطرة على مركز ولاية كندز من أهم الولايات الحدودية. وقد استولت على مديرية “كورتيبه”، في كندز، وعلى مديرية جوند في بادغيس، وعلى مديرية ناوه في غزني والتي كانت القوات الأفغانية قد استولت عليها بعد عشر سنوات.
عوامل احتدام المعارك
أولا: إن حركة طالبان تُعلن في فصل الربيع بدء عمليات جديدة. فإن ميادين الحرب تكون مهيأة في هذا الفصل من جهة، ومن جهة أخرى تجدد الحركة معنويات جنودها.
ثانيا: إن عمليات طالبان في هذا العام ذات تابع أعنف مقارنة مع السنوات الماضية. وفي هذا العام طرحت وسائل إعلام أمريكية تقارير بشأن تواجد داعش في أفغانستان، وصرّح البعض بأن داعش يأخذ مكان طالبان. يمكن أن حركة طالبان تريد عبر هذه الأنشطة العسكرية إثبات قوتها في أفغانستان.
ثالثا: منذ شهرين وخاصة منذ أن زار راحيل شريف أفغانستان في يناير وفبراير وتعهد بجعل حركة طالبان مستعدة للحوار، أثارت تلك التصريحات آملا بأن باكستان تجبر حركة طالبان بالجلوس خلف طاولة الحوار، فقد تريد طالبان عبر هذه العمليات إثبات حريتها واستقلالها.
رابعا: وقعت أفغانستان في الشتاء الماضي، الاتفاقية الأمنية المثيرة للجدل. وتريد طالبان حاليا بأن تثبت حضورها رغم هذه الاتفاقية وأن تظهر عدم جدوى هذه الاتفاقية.
انعدام ثقة متزايد بين أفغانستان وباكستان
منذ الأشهر الماضية تنتقد وسائل إعلام أفغانية وأعضاء في البرلمان الأفغاني السياسة الخارجية في الحكومة الأفغانية الجديدة والتي على أساسها تم منح تنازلات للجانب الباكستاني.
إضافة إلى ذلك هناك خلافات داخلية في الحكومة تجاه السياسة الخارجية، ظهر بعضها أثناء تأييد الحكومة الموقف السعودي في أزمة اليمن. وهناك خلافات بين أشرف غني وعبدالله عبدالله تجاه سياسة باكستان، وفي هذا الصعيد صرّ ح محمد محقق نائب الرئيس التنفيذي قائلا أننا توقعنا السلام، وتعهدت معنا الدول الجارة فغفلنا وازدادت عمليات المخالفين. ويظهر مدى انعدام الثقة من هذه التصريحات، وهناك من يرى إلى خطة باكستان كحربة قتالية.
وبرأي عدد من أعضاء البرلمان إن زيارات المسؤولين الباكستانيين لا تصب إلا في مصلحة الجانب الباكساني. ويرون إلى هذه الزيارات كزيارات مراسمية، وإلى سياسة باكستان كسياسة مزدوجة.
وهناك عوامل كثيرة لحدوث انعدام الثقة تجاه باكستان في الشارع الأفغاني، كثير منها تاريخي ومجرب. نترك العوامل التاريخية والمجربة، ونسرد ما لعب دورا في ذلك خلال ستة أشهر الماضية.
أولا، آمال كابول العريضة: رأت كابول أن طالبان حركة عميلة لدى باكستان، ومنحت للجانب الباكستاني تنازلات كثيرة، وعقدت آمالا كثيرة على دعم باكستان الحقيقي هذه المرة. وأن باكستان تجعل طالبان تجلس خلف طاولة الحوار، وأن السلام يأتي إلى البلد عبر ذلك. ولكن وبعد مرور ستة أشهر لم يحدث أي من ذلك، بل ويزداد الوضع الأمني سوءا يوما بعد يوم. إن عقد أمل كهذا على باكستان كان خطأ للحكومة الأفغانية. لو أن الحكومة الأفغانية عملت على خطَين وأجرت محاولات مع حركة طالبان في قطر كما وعد أشرف غني بذلك أثناء الحملات الانتخابية، وأجرت دبلوماسية تدريجية مع باكستان من جهة أخرى لكانت فرص النجاح أكثر.
ثانيا، تعتبر طالبان نفسها حرة: على حد قول مشاركين في جلسة بكواش، ومنهم عم أشرف غني قيوم كوشي، إن سياسة الحكومة الأفغانية هذه قد استفزت طالبان كثيرا. فإن الحركة تظهر نفسها للأفغان حرة، وبدأت عملياتها في فصل الربيع بسرعة وقوة، وتحاول تطهير أمورها الخارجية من التأثير الباكستاني. ويأتي إلقاء القبض على إخوة طيب آغا في باكستان تزامنا مع فتح مكتب الحركة في قطر، وحبس الملا برادر، وقتل عدد من قادة طالبان في باكستان ضمن هذه السياسة التي تحاول عبرها طالبان إظهار نفسها ذات قرار حر، وذات سياسة مستقلة من النفوذ الباكستاني. ومع ذلك هناك تأثير تحظى به باكستان وعدد من الباكستانيين على حركة طالبان، إلا أنه لا يصل إلى إمكانية حد إجبار طالبان على الجلوس خلف طاولة الحوار.
ثالثا، تعهد باكستان القوي: إضافة إلى ذلك، إن لتعهد قائد الجيش الباكستاني أثر كبير في انعدام الثقة. وقد تعهدت باكستان مع المسؤولين الأفغان وحتى حددوا وقتا بأنهم يجعلون حركة طالبان مستعدة للحوار مع الحكومة في منتصف شهر مارس. إلا أن شهرين آخرين مضيا على مارس ولم تستعد حركة طالبان للحوار مع الحكومة الأفغانية.
رابعا، تدهور الوضع الأمني: إن تصاعد وتيرة الأحداث الدامية، واتساع الحرب إلى شمال أفغانستان عوامل أخرى، جعلت الكثير من الأفغان يشكون في نوايا الجانب الباكستاني. وتأتي ضمن هذه الأوضاع المتدهورة تفجيرات في العاصمة كابول وفي مناطق أخرى مما أسفرت عن مقتل الكثيرين.
خامسا، خلافات الحكومة الائتلافية، واللوبي الهندي: إنه حض سيء لأفغانستان، فمن المسؤولين فيها من يوالي اللوبي الهندي وآخرون يوالون اللوبي الباكستاني، ولا يهتم أحد منهم بالمصالح الأفغانية. ويحاول كل طرف استدراج كابول إلى جانبه، ومنذ أن تحسنت العلاقة مع باكستان تحرك اللوبي الهندي وأظهر تصريحات مناهضة. ومع أن عوامل كثيرة مما أسلفنا تقف وراء انعدام الثقة إلا أن للأخير دور لا يستهان به أيضا.
آمال الحكومة الأفغانية ولعبة باكستان
عندما هاجمت العام الماضي حركة طالبان الباكستانية في 16 من ديسمبر، مدرسة تابعة للجيش في بيشاور، وقتلت أكثر من مئة طالب وطالبة، زار راحيل شريف أفغانستان يوما بعد الهجوم. وفُهم من زياراته المتكررة إلى كابول بأن باكستان قد وقفت إلى جانب حكومة أشرف غني. ورُسّخت هذه الفكرة بعد أن تعهد راحيل شريف لأشرف غني بأن طالبان سوف تجلس خلف طاولة الحوار في شهر مارس.
يقال إن باكستان طلبت من قادة في طالبان بأن يحاورا الحكومة الأفغانية، إلا أن الحركة رفضت ذلك بقوة. إن باكستان إما لا تريد أن تلعب دورا في عملية السلام الأفغانية وإما لا يمكنها إجبار طالبان على ذلك كما يبدو لكابول. وهناك شهود يرون الأمر الأخير. لأن وسائل الإعلام إنما تقوم بنشر تلك التقارير غير المؤكدة والتي تظهر دور باكستان في مستوى عالٍ، وأن محادثات السلام تبدأ قريبا. وحتى نشرت صحيفة “إيكسبريس”، الباكستانية في شهر مارس بأن قاري دين محمد عضو مكتب طالبان في قطر ذهب إلى باكستان وأجرى مفاوضات مع الجانب الباكستاني، ثم رجع إلى قطر.
وعندما يقوم المسؤولون الباكستانيون بزيارة إلى كابول، تنتشر في أفغانستان آمال بمجيء السلام. في الجانب الآخر تستغل باكستان أقوى وسائلها في الإعلام لإظهار موقفها في ثوب لائق. ولم تدرك الحكومة الأفغانية هذه اللعبة بعد.
من جهة أخرى، أظهرت حركة طالبان في جلسة بكواش شكوى تجاه الحكومة الأفغانية وأنها تطلب السلام من الجيران بدلا من الأناس الأصليين. وربما هذا ما جلعت طالبان تخالف تواجد الوفد الباكستاني في الجلسة. ويظهر بيان طالبان الصادر في الجلسة أن طالبان ابتعدت عن باكستان كثيرا.
هل خطة “B” تغير كل شيء؟
لقد شهدت العلاقات الأفغانية الباكستانية في فترة حكم كرزاي كثيرا من المنحنيات. ورأت حكومة كرزاي بأن باكستان تملك مفتاح الحرب والسلام في أفغانستان، وقد صرّح بذلك حامد كرزاي في كلمته الأخيرة وأن باكستان لم تدعم حكومته.
منذ تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، في أفغانستان يحاول أشرف غني بناء العلاقات الإقليمية على محور الاقتصاد. ويعني ذلك منح أولوية للاقتصاد مع الجيران، لأنه يصب في مصلحة الطرفين. من جهة أخرى، يرى أشرف غني بأن أفغانستان يمكنها أن تصبح جسرا في خطة تكامل اقتصادي للمنطقة. ويؤكد فرامرز تمنا رئيس مركز الدراسات الاستراتجية في وزارة الخارجية الأفغانية قائلا: “يمكن للظروف الاقتصادية الأفغانية أن تصبح أساسا لهذه العلاقة. إن التنقل من مجال الأمن إلى مجال الاقتصاد مع الجانب الباكستاني سياسة جديدة في العلاقة الثنائية”.
يقول السيد فرامرز: “لم توصلنا خط “A” إلى أهدافنا في السنوات الماضية. أفغانستان تحتاج السلام وقد وقع مفتاح السلام في يد باكستان”.
إن أفغانستان تعمل على خطة “B”، لأنها ترى جلب مساعدة باكستانية عبر ذلك. يقول فرامرز: “إن بناء العلاقة على الاقتصاد هو من أجل هذا الهدف”. إن الحكومة الأفغانية أخطأت عندما اعتبرت مفتاح السلام في يد باكستان. وقد استغلت باكستان من هذه الفرصة طيلة 13 سنة مضت. والآن أيضا تعقد الحكومة الأفغانية أملا كبيرا على باكستان.
إن الحومة الأفغانية ما دامت لا تهتم بجذور الحرب الأصلية في الداخل ولا تحاربها فإن ارتكانها على الجيران لا يفيدها في شيء. إن حكومة أشرف غني تسلك طريقا معاديا للسلام من جهة، ومن جهة أخرى تطلب من باكستان أن تعمل على إحلال الأمن. إن طريق السلام الأفغاني ليس عبر إسلام آباد، وهناك طرق أخرى لم يتم استغلالها بعد.
النتيجة
تأتي زيارة نواز شريف وراحيل شريف إلى كابول بعد أن فشل الجانب الباكستاني إجراء تعهده بشأن انطلاق محادثات السلام بين طالبان وحكومة أشرف غني. وبدلا من أن يسأل الجانبُ الأفغاني عن عوامل الفشل الماضي، استمر في عقد الآمال على باكستان، وكان للمؤتمر الصحافي بين أشرف غني ونواز شريف تابعا كهذا.
أمور مهمة، نسردها باختصار:
أولا: لقد توقعت أفغانستان من باكستان ما فاق استطاعة الجانب الباكستاني،
ثانيا: استغلت باكستان ثقة أفغانستان ونشرت شائعات على أن باكستان يمكنها أن يلعب أكبر دور في عملية السلام الأفغانية، وقد استغلت باكستان ذلك بشكل دبلوماسي كبير،
ثالثا: إن دورا منحت أفغانستان لباكستان، جعل باكستان تفرض مطالبها على أفغانستان،
رابعا: من دون ظهور أي دعم حقيقي باكستاني لأفغانستان، منحت الأخيرة تنازلات لباكستان.
خامسا: لو ننظر إلى موقف طالبان ومكتبها السياسي، نعرف أن هذه المجموعة تحاول التخلص من التأثير الباكستاني،
سادسا: إن الحكومة الأفغانية لا زالت تسير على خطة لم تنفعها طيلة 13 سنة مضت.
النهاية