بعد أن أعلنت حركة طالبان الأفغانية بدء عمليات العزم وتصاعدت وتيرتها، صرّح أشرف غني الرئيس الأفغاني بأن أفغانستان قد فُرضت عليها الحرب، وقال إننا سنرد الحرب بالحرب، إلا أن عملية السلام ستستمر أيضا.
وليس ذلك جديدا على لسان الرجل، لأن التاريخ يشهد بأن ذريعة كل حرب كانت سلاما. كل بلد أو مجموعة تبدأ الحرب لا تقول بأنها تحارب إلى الأبد، بل تتخذ السلام ذريعة لحربها. وفي كل حرب يُعتبر العدو أبشع موجود على الأرض، يجب حذفه وحذفه هو الذي يجلب السلام. من الحروب الأهلية إلى الحروب الإقليمية إلى حربين عالميتَيْن، كلها حدث بذريعة إحلال السلام في العالم.
وفي القرن العشرين فقد حدثت أكثر من 220 حربا، أسفرت عن 200 مليون ضحية، كلها بذريعة إحلال السلام.
“حرب مفروضة”
من الطبيعي أن يتهم كل طرف في الحرب عدوه بفرض الحرب عليه، لذلك إن مصطلح “الحرب المفروضة”، مفرد يوفر للطرفين حجة لدوام الحرب.
وفي الحرب الأفغانية التي دامت لـ36 سنة، شهدنا كل الأطراف المقاتلة يتهم بعضها البعض الآخر بفرض الحرب عليه، وتستمر هذه اللعبة حتى الآن. ووصل الأمر إلى حد اعتبرت وسائل إعلام أمريكية الغزو الأمريكي على أفغانستان حربا فرضها الإرهابيون على أمريكا.
ليس أشرف غني وحده من يرى أن الحرب الأفغانية مفروضة على البلد، بل المعارضة المسلحة أيضا ترى بأن هذه الحرب مفروضة.
تعتبر طالبان الحرب “مفروضة” أيضا
ترى حركة طالبان الأفغانية، بأن الاحتلال الأمريكي على أفغانستان هو ما فرض الحرب عليها، وأنها مضطرة بأن تقاتل إلى انسحاب القوات الأمريكية نهائيا من أفغانستان. وقالت الحركة في بيان لها في جلسة قطر:
“إن أمريكا وحلفائها هاجمت بلدا حرا –أفغانستان-، قتلوا هنا الآلاف، سجنوا، أهانوا المقدسات الدينية في الوطن، دمروا البيوت والبساتين، والأراضي. لذلك وقبل كل شيء ينبغي أن يزول الاحتلال وهو أم كل هذه المصائب، لتكون الطريق ممهدة نحو تفاهم بين الأفغان، من جهة أخرى هناك حساسية لدى دول المنطقة بشأن تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، واستمرار الاحتلال يعني استمرار الحرب…
وحقيقة أخرى تقول بأن تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان تحول دون تشكيل حكومة مستقلة في البلد، ولا يكتمل استقلال البلد معه، كما لا تتوفر آليه حكم مبنية على المصالح الإسلامية والوطنية. ومثل ما بدأت الحرب في بلدنا بالغزو الأمريكي، سوف يكون انسحاب القوات الأجنبية طريقا إن شاء الله نحو السلام بين الأفغان، وستكون هناك فرصة للأفغان بأن يجتمعوا على مشتركاتهم وأن يقيموا نظاما إسلاميا يشمل الجميع”.
الحزب الإسلامي و”الحرب المفروضة”
ليس تلك رؤية حركة طالبان فقط، بل إن الحزب الإسلامي جناح حكمتيار وله دور مهم في الحرب، له موقف مشابه مع حركة طالبان. وجاء في البيان الذي أصدره الحزب في جلسة قطر بشأن مستقبل الحرب والسلام في أفغانستان التالي:
“نحن نريد السلام، يريد الشعب الأفغاني نهاية الحرب، إلا أن نهاية الحرب والوصول إلى تفاهم كامل هما في يد أمريكا. أمريكا فرضت الحرب علينا، وهي سبب استمرارها. قررت أمريكا بأن تتواجد في المنطقة دوما، ومن أجل بقاء قواتها هنا تحتاج حربا ممنهجة في أفغانستان لتقنع شعبها وتُسكت الأصوات المناهضة للحرب. فهي لا تسمح لحكومة كابول، بأن ترفع خطوة نحو السلام، ولا تسحب قواتها من أفغانستان ليحل الأفغان مشاكلهم بأنفسهم. لقد صدق كرزاي فيما قال بأن مفتاح حرب وسلام أفغانستان هو بيد أمريكا. فإن أمريكا لم تترك أي خيار للمسؤولين الأفغان في كابول بشأن السلام مع المعارضة.
… كان أشرف غني يريد أن يعمل على الوصول إلى السلام، وقد بعث رسائل عدة إلى أمير الحزب الإسلامي، إلا أن الأمريكيين خالفوه…”.
طريق السلام عبر الحرب
أثناء الحملات الانتخابية كان أشرف غني يؤكد على أن تكون المحاولة من أجل الوصول إلى السلام على قائمة أولوياته. أثناء الانتخابات كانت شائعات تقول إن طالبان لم تمنع الناخبين من الإقبال على صناديق الاقتراع بل كانت تروج لصالح أشرف غني أيضا.
إن الشعب الأفغاني بعد معاناة حرب دامية دامت لبضعة عقود، عقد آمالا على الحكومة الجديدة بأن ترفع خطوات جادة نحو السلام والاستقرار. وقد أكّد أشرف غني لمرات عدة على أن أفغانستان وفي مسيرها نحو الرقي والازدهار تحتاج السلام والأمن قبل كل شيء.
إذا كان الرئيس يعتقد بأهمية السلام في مجال الرقي إلى هذه الدرجة فلم قام بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا؟
ربما يرى أشرف غني بأن السلام يأتي عبر الحرب. وكما أسلفنا بأن أي حرب قامت بذريعة السلام في التاريخ، واليوم أيضا وقعت الحكومة الجديدة الاتفاقية الأمنية مع أمريكا لتتمتع القوات الأفغانية في حربها ضد حركة طالبان بدعم أمريكا، وأن يتم إجبار طالبان برأي الموالين لأمريكا على الاستسلام، وأن يتوجهوا نحو السلام. إن تصريح أشرف غني باستمرار الحرب، وعدم الغفلة عن مفاوضات السلام، يعني أن يتم تضعيف طالبان عبر الحرب ثم إجراء الحديث معهم من أجل السلام.
النتيجة
إن الحروب قبل أن تشتعل في جبهات القتال، يتم التأهب لها وتُفرض في عالم العقول والقلوب. إنهم البشر يمكنهم إدراك الواقع كما هو، كما ويمكنهم منع فرض الحروب على العقول، وأن لا يقبلوا إعمال السلاح للوصول إلى الأهداف. لأن العنف إذا وجد مكانة في العقول، يوفر فرص فرض الحروب من الخارج.
بناءً على ذلك، إذا ما أراد شعب السلام، عليه أن يفكر بنتائج الحرب قبل أن يتخذها وسيلة للسلام. خاصة للأفغان وبعد تجربة 36 سنة من الحرب، وبعد أن فشلت حتى القوى العظمى في إحلال السلام عبر فواهة السلاح. وخلال هذه الحروب الدامية، لم يتم حذف أي مجموعة مقاتلة من الساحة، بل تشكلت مجموعات جديدة أيضا.
النهاية