انعقدت جلسة ثلاثية الأطراف في موسكو الأسبوع الماضي بحضور مندوبي روسيا والصين وباكستان للنقاش حول الوضع بأفغانستان. على الرغم من أن الاجتماع دار حول أفغانستان إلا أنه لم يتم استشارة الحكومة الأفغانية خلال الاجتماع ولم يتم دعوتها للمشاركة فيه.
أثارت جلسة موسكو ردود أفعال ساخنة داخل البلد. اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية الجلسةَ مثيرة للقلق وصرح بأنها ستخلق علامات استفهام عديدة. ذكر أعضاء المجلس التشريعي الأفغاني أن عقد الاجتماعات حول أفغانستان دون مشاركة الدولة نفسها يُعتبر “تدخلاً في شؤون أفغانستان الداخلية”. انتُقدت روسيا كذلك من قِبل قائد القوات الأجنبية بأفغانستان الجنرال نيكلسون من أجل عقد هذه الجلسة، وصرح بأن علائق روسيا القريبة مع طالبان لا تُحسّن الوضع الحالي.
رغم أن دول روسيا والصين وباكستان صرحوا بأنهم سيُدخلون دولاً مثل إيران وأفغانستان في هذه العملية، إلا أن الأمر المفاجئ للرئيس الأفغاني هو أن الدول الثلاث اتفقت على حذف أسماء بعض تنظيم طالبان من القائمة السوداء للأمم المتحدة.
في هذا المقال إطلالة على الوضع الجيوسياسي الإقليمي في الفترة الأخيرة، واحتمالية انقسام المنطقة إلى قطبين، وتأثيرات المحادثات الثلاثية بين روسيا والصين وباكستان على أفغانستان.
السيناريو المتغير في المنطقة
جنوب آسيا، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط هي المناطق التي تسير نحو التغيير منذ 2011 والوضع بهذه المناطق يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأحداث بأفغانستان.
في الشرق الأوسط تبدل الربيع العربي إلى خريفٍ عربي، واشتعلت الحرب الأهلية بعد الثورة السورية وهي الآن محط أنظار العالم. تمت الإطاحة بنظام ديمقراطي في مصر بانقلابٍ عسكري. بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق ظهر تنظيم داعش في هذا البلد وتمدد حتى وصلت أذرعه إلى أفغانستان. في إيران فاز روحاني في الانتخابات الرئاسية ووصل إلى اتفاقٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية حيال البرنامج النووي مما أدى إلى رفع العقوبة الدولية عن إيران.
في جنوب آسيا تتسم العلاقات بين أفغانستان والهند وباكستان بتعقيداتٍ عديدة وقد تخلل هذه العلاقات موجات صعودية وهبوطية خلال العامين الماضيين. بعد أن حاز ناريندرا مودي السلطة في الهند، نشطت السياسة الخارجية الهندية والتي انتهجت خطة تهميش باكستان وتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل شن الجيش الباكستاني هجمات (ضرب عضب) وأخذ زمام السيطرة على سياسة باكستان تجاه أفغانستان والهند في حين وجود اختلافات بين الحكومة الشعبية والجيش.
القوات الأمريكية بدأت في الانسحاب من أفغانستان، وحاليا حسب الإحصائيات الرسمية يوجد 10 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان. بعد ما حصل من تدهور في العلاقات بين حكومة كرزاي والولايات المتحدة، حاولت الحكومة الأفغانية الجديدة تحسين هذه العلاقات وكذلك حاولت تحسين علاقاتها مع دول المنطقة.
مع قدوم شي جين بينغ للسلطة بالصين، انحازت بكين للغرب، ولذا تبذل الصين مساعي لإنشاء “طريق الحرير الجديد” أو ما يسمونه بـ “الحزام الواحد، الطريق الواحد”. صرفت الصين كذلك مبلغ 46 مليار دولار على مشروع “الرواق الاقتصادي الصيني-الباكستاني CPEC”؛ ولكن في الفترة الأخيرة نظرا لقضية الساحل الجنوبي بالصين، ساءت العلاقات الصينية الأمريكية.
اللعبة الجديدة بين القطبين الإقليميين
إذا أراد أحد دراسة الحالة الجيوسياسية للمنطقة خلال العامين الماضيين، سيجد أن المنطقة انقسمت إلى جناحين مثل ما حصل في فترة الحرب الباردة؛ مع فارق أن القطبين تشكلا في تلك الفترة على أساس أيديولوجي، ولكن القطبين تشكلا في هذه الفترة كنتيجة للوضع الحاكم في المنطقة والمصالح المتضاربة للدول.
القطب الأول: الهند-أفغانستان-الولايات المتحدة الأمريكية:
يتشكل القطب الأول من الهند و أفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية. بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حسنت الحكومة الأفغانية علاقاتها مع أمريكا أكثر من الفترة الثانية لحكم كرزاي. بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بات مستقبل أمريكا في أفغانستان واضحاً. سمحت الحكومة الأفغانية للقوات الأمريكية بشن الغارات الليلية ولم تظهر ردة فعل تجاه سقوط الضحايا المدنيين بسبب هجمات القوات الأمريكية. على الصعيد الآخر لم تكن تملك الحكومة الأفغانية علائق جيدة مع الهند في العام الأول من بداية تشكّلها، ولكن عندما فقدت الحكومة الأفغانية الأمل من جانب باكستان، حسّنت علاقاتها مع الهند.
منحت الهند مروحيات عسكرية لأفغانستان، وتعهدت بتقديم دعم لأفغانستان يبلغ قدره مليار دولار. قررت الحكومة الأفغانية كذلك شراء الأسلحة الثقيلة من الهند، وأعطت الهند الضوء الأخضر لذلك.
من جانبٍ آخر، بعد قدوم مودي للسلطة بالهند، تحسنت العلاقات الهندية الأمريكية. سافر مودي أربع مرات للولايات المتحدة حتى الآن. في عام 2016 سافر باراك أوباما أيضاً إلى الهند وفي نفس السنة اجتمع وزير الدفاع الأمريكي بنظيره الهندي ست مرات، تم فيها توقيع الاتفاقية اللوجستية العسكرية والتي تجيز لكلا البلدين استخدام مطارات البلد الآخر عند الحاجة.
القطب الثاني: روسيا-الصين-باكستان:
يتشكل القطب الثاني من روسيا والصين وباكستان. حظيت الصين وباكستان بعلاقات وطيدة دائماً، ومما وطّد هذه العلاقات أكثر زيارة الرئيس الصيني لباكستان عام 2015 وافتتاح القطاع الاقتصادي الصيني- الباكستاني CPEC. العلاقات بين باكستان و روسيا آخذة في التحسّن أيضاً. من المُتوقع أن تستثمر روسيا بمبلغ 2مليار دولار في أنبوب الغاز الممتد من شمال باكستان إلى جنوبها. قد تلتحق روسيا أيضا في القطاع الاقتصادي الصيني الباكستان وتبدأ كذلك التدريبات العسكرية مع باكستان. بالإضافة إلى ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، جمعت بين الصين وروسيا شراكةٌ استراتيجية، ومصالحهما منسقة أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. من أمثلة ذلك مصالحهما في الشرق الأوسط ووقفتهما ضد التواجد الأمريكي في المنطقة ونحو ذلك.
تقييم للقطبين
للهند علاقات هشّة مع الصين وباكستان. في مراسم تحليفه، دعا ناريندرا مودي رؤساء دول جنوب آسيا ومن ضمنهم نواز شريف والرئيس الأفغاني حامد كرزاي، ولكن حتى الآن وبسبب الإرهاب وقضية كشمير، مازالت علاقات دلهي- إسلام آباد متدهورة. بعد هجمات بتانكوت و أوري، سعت الهند لعزل باكستان. علاوة على ذلك، نتيجة لموقف الصين المضاد لالتحاق الهند بمجموعة التزويد النووية NSG ولدفاع الصين عن قائد جماعة جيش محمد مسعود أظهر، زادت التوترات في العلاقات الهندية الصينية. فيما بعد دعت الهند قادة التبت المذهبيين للهند، مما نددت به الصين بشدة.
على الصعيد الآخر، يُلاحظ أن التوترات في العلاقات الروسية الأمريكية والعلاقات الأمريكية الصينية أيضا آخذة في التحسّن. هناك خلافات بين أمريكا والصين حول قيمة عملة اليَن، وموقف أمريكا مخالفٌ لموقف الصين من قضية الساحل الجنوبي الصيني، وقد وطدت أمريكا علاقاتها مع الدول المنافسة للصين في المنطقة – اليابان، فيتنام، تايوان وغيرها-. علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا أيضا كانت متدهورة في الفترة ما بين 2001 و 2009. يتقابل البلدان في حرب باردة غير معلنة في سوريا وأوكراينا والآن في أفغانستان.
إنها المرة الأولى التي تتخذ فيها روسيا وإيران استراتيجيات مختلفة عن استراتيجية الهند بأفغانستان. من قبل، كانت هذه الدول الثلاث تتبع استراتيجيات مشابهة تجاه أفغانستان، إلا أن علاقات روسيا وإيران القريبة مع طالبان وضعت نهاية لهذا النمط من الاستراتيجيات.
المنطقة تسير باتجاه انقسام بين القطبين المذكورين؛ إلا أن علاقات كابل-الصين، موسكو-دلهي، و واشنطن-إسلامآباد تعرقل تشكل هذين القطبين، وتدهور العلاقات المذكورة سيحدد مصير القطبين.
تأثيرات المحادثات الثلاثية بموسكو على أفغانستان
مع أن روسيا والصين وباكستان عقدت اجتماعين مماثلين مسبقاً، إلا أن هذا الاجتماع كان كان مُركّزا على الوضع بأفغانستان. في هذا الاجتماع أبدت الدول الثلاث قلقها من تمدد داعش بأفغانستان ووصلت الدول الثلاث إلى توافق بمحو أسماء بعض أعضاء طالبان من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة، كإسهامٍ في عملية السلام الأفغانية. ولكن هذا القرار مصادم تماماً لتصريحات الرئيس الأفغاني قبل شهرين، حينما طالبَ الأمم المتحدة بإدراج اسم الملا هبة الله في القائمة السوداء.
عقد مثل هذه اللقاءات دون استشارة دولة أفغانستان ودون مشاركة مندوبي وبعثات أفغانستان يُعد تدخلا في شؤون أفغانستان الداخلية. علاوة على ذلك، المطالبة بحذف أسماء أعضاء طالبان من القائمة السوداء للأمم المتحدة سيُقرب أعضاء التنظيم لدول المنطقة أكثر.
إذا أردنا أن نعرف لماذا واجهت أفغانستان حالة كهذه جعلت روسيا والصين وباكستان تعقد اجتماعات كهذه، ولماذا تريد دول مثل روسيا والصين –وهي دول تملك حق الفيتو في مجلس الأمن بالأمم المتحدة- محو أسماء طالبان من القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة، فالأسباب كالتالي:
- الوضع الجيوسياسي في المنطقة؛ الوضع الجيوسياسي بالمنطقة والذي شرحناه بعاليه جمع هذه الدول لتتخذ موقفا واحداً.
- الاستراتيجات الخاطئة التي تبنتها الحكومة الأفغانية؛ سبب آخر وراء الوضع الحالي هو سياسات الحكومة الأفغانية الخاطئة، والتي من جانبٍ لم تُحافظ على التوازن بين الدولتين المنافستين، ومن جانبٍ آخر لم تتخذ خطوات بمبادرة المحادثات المباشرة مع طالبان.
- دبلوماسية طالبان النشطة؛ أقنعت دبلوماسية طالبان النشطة دولا مثل الصين، وروسيا وإيران بأن إيديولوجية طالبان محجوزة داخل حدود أفغانستان، وأن طالبان يمكن أن تكون حليفاً أفضل من الحكومة الأفغانية في الحرب على داعش.
من خلال المحافظة على الحيادية والتحادث المباشر مع طالبان، تستطيع أفغانستان أن تحول دون معظم تدخلات القطب الثاني، وإلا سيتسبب الوضع الراهن في زيادة تعقيد الحرب بأفغانستان وتطويلها وتشديد ضراوتها.
النهاية