يظهر للناظر أن بعض كبار أعضاء حزب الجمعية الإسلامية غير راضين عن اتفاقية تأسيس حكومة الوحدة الوطنية ويسعون إلى إضفاء مزيد من التوازن على تقسيم السلطة السياسية. حدثت مؤخرا محادثات بين القصر الرئاسي والرئيس التنفيذي لهذا الحزب عطاء محمد نور، مما كشف الستار عن الأمر.
في حين أن معظم كبار أعضاء الجمعية الإسلامية أيدوا د/عبدالله عبدالله في انتخابات عام 2014 بشدة لدرجة أنهم اتهموا من لم يقف في صف د/عبدالله بخيانة الوطن، إلا أنه ظهر أخيرا عبر بعض وكالات الإعلام أن عطاء محمد نور الذي كان مناصراً متفانيا للدكتور عبدالله ومعارضا لفريق أشرف غني في المنافسات الانتخابية لم يعد يثقُ في د/عبدالله الرئيس التنفيذي للبلد واقتحم بنفسه ميدان المساومة مع القصر الرئاسي حيال السلطة. السبب الآخر للمحادثات هو إصرار أشرف غني على إقالة عطاء محمد نور من منصب والي محافظة بلخ وعدم رغبة عطاء محمد نور لذلك إلا في مقابل منحه امتيازات أكثر.
حزب الجمعية الإسلامية من الأحزاب السياسية التي لها وزنها في البلد وقد شارك في الحرب ضد قوات الاتحاد السوفييتي، وفي تسعينات القرن الميلادي المنصرم آلت إليه قيادة المجاهدين. بعد ذلك حارب الحزب حركةَ طالبان بمساعدة أمريكا. في هذا المقال سنسلط الضوء على خلفية حزب الجمعية الإسلامية والحالة التي مر بها الحزب بعد اغتيال الأستاذ رباني، والمحادثات الجارية بين أعضاء الحزب والقصر الرئاسي المتزامنة مع الخلاف الداخلي في الحزب.
خلفية حزب الجمعية الإسلامية
حزب الجمعية الإسلامية والحزب الإسلامي حزبان يعتبران نفسيهما مؤسسين للنهضة الإسلامية بأفغانستان. التساؤل حول أي من الحزبين هو الحزب المؤسس حقيقةً للنهضة الإسلامية مبحثٌ آخر، إلا أن كلا الحزبين يُعتبران تفرّعات للنهضة الإسلامية بأفغانستان.
أُسست الجمعية الإسلامية في السبعينات من قِبل الأستاذ رباني، وتولى هو بنفسه رئاسة الحزب منذ بداية نشاطه حتى اغتياله عام 2011م. في زمن الجهاد ضد قوات الاتحاد السوفييتي كان هذا الحزب من أكبر الجماعات الجهادية، وبعد خروج القوات السوفييتية من أفغانستان لعب هذا الحزب دورا مهما في الاقتتال الداخلي.
بعد سقوط كابل بيد طالبان عام 1996 انسحب حزب الجمعية الإسلامية باتجاه شمال البلد، وأسس الجبهة المتحدة الوطنية أو ما يُسمى بتحالف الشمال للحرب على حكومة طالبان وانشغل التحالف بالحرب مع تنظيم طالبان حتى أوان سقوط التنظيم. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/2001م، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجماتها للإطاحة بحكومة طالبان وإزالة تنظيم القاعدة من أفغانستان، وبمساعدة أمريكية دخل تحالف الشمال مجددا إلى كابل.
كان للحزب الإسلامي منذ سقوط حكومة طالبان حتى الآن دور مهم في تشكيل هيكل الحكومة الأفغانية، وعندما وقع فريق د/عبدالله الانتخابي اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية مع أشرف غني لتقسيم السلطة مناصفة بين الفريقين، عُدَّ حزب الجمعية الإسلامية أحد الأذرع الأساسية لحكومة الوحدة الوطنية، حيث أن أهم الأحزاب المشكّلة لفريق د/عبدالله هي حزب الجمعية الإسلامية وحزب الوحدة والحزب الإسلامي.
الاتفاقات بين أشرف غني والجمعية الإسلامية
في الانتخابات الرئاسية عام 2014 كان المرشحان المتقدمان هما د/عبدالله عبدالله أحد كبار أعضاء حزب الجمعية الإسلامية وأشرف غني أحمد زَي. بعد مناوشات كثيرة بسبب التزوير الحاصل في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية، اتفق الناخبان على تأسيس حكومة الوحدة الوطنية بتدخل من جون كيري وزير الخارجية الأمريكية. مع أن د/عبدالله حظي بتأييد من جميع الأحزاب المُندرجة في فريقه، إلا أن الجناح الأصلي لهذه الاتفاقية كان حزب الجمعية الإسلامية.
خلال المنافسات الانتخابية كان أشرف غني دائما يردد علناً أنه لن يصنع شركة أسهم، إلا أنه بعد الانتخابات وفي أول اتفاقية تقاسمَ السلطةَ مع منافسيه السياسيين مما يصادم دستور البلد، وأنشأ منصب الرئيس التنفيذي مما يُعد أيضا خطوة مخالفة للدستور، وقد أنتج ذلك خلافات داخلية كثيرة.
رغم أن د/عبدالله انتقد أشرف غني بشدة قبل عدة أشهر للحصول على تأييد حزبه (الجمعية الإسلامية)، إلا أنه في الآونة الأخيرة يظهر أن الجمعية الإسلامية وخصوصا الرئيس التنفيذي لهذا الحزب ليسوا راضين عن أعمال د/عبدالله، ويسعى عطاء محمد نور عبر التفاوض المباشر مع أشرف غني للحصول على امتيازات سياسية أكثر. الاتفاق مع الرئيس التنفيذي لحزب الجمعية يُعد اتفاقا ثانيا لإشراك بعض أعضاء هذا الحزب في النظام الحاكم.
المفاوضات بين القصر الرئاسي و عطاء محمد نور المكلف بمنصب والي محافظة بلخ أدت إلى نشوء خلاف داخلي بين أعضاء حزب الجمعية الإسلامية، حيث اجتمع أعضاء المجلس التأسيسي للحزب وبعض كبار شخصيات الحزب في كابل واعتبروا المحادثات بين عطاء محمد نور والرئيس أشرف غني فاقدة للشفافية. انتشرت إشاعات تفيد أن عطاء محمد نور يسعى لإبعاد د/عبدالله والوصول إلى منصب سياسي أكبر في البلد لأن عبدالله كان مُرشح حزب الجمعية الإسلامية، ويحق للحزب أن يتخذ قراره حيال مستقبل هذا المنصب. وهناك إشاعات أيضا بأن القصر الرئاسي يسعى عبر هذه المفاوضات إلى إيجاد حل حيال الجنرال دوستم النائب الأول لرئيس الجمهورية والخلاف المستمر مع د/عبدالله.
مستقبل حزب الجمعية الإسلامية
مثل جميع الأحزاب والجماعات، لم يسلم حزب الجمعية الإسلامية من الخلاف الداخلي، وبعد عام 2001 سعى كبار الحزب مثل د/عبدالله عبدالله والمارشال محمد قسيم فهيم و يونس قانوني إلى إقصاء الأستاذ رباني، وقد ذكر أحد أعضاء حزب الجمعية الإسلامية والناشط في القسم الثقافي للحزب محمد إكرام أنديشمند معلوماتٍ حول هذا الأمر في كتابه “أمريكا في أفغانستان”.
بعد اغتيال الأستاذ رباني، عُين ابنه صلاح الدين رباني مُشرفاً على حزب الجمعية الإسلامية، ومازال مشرفا حتى الآن بسبب عدم عقد الجلسة الانتخابية (والتي يتم فيها انتخاب رئيس الحزب). ويبدو أنه سيبقى صلاح الدين رباني في منصب رئاسة الحزب مادام الخلاف مستمرا بين كبار أعضاء الحزب، لأنه يُعتبر الأضعف بين جميع الأعضاء المهمين الآخرين، ولا يرى كبار أعضاء الحزب في بقائه تهديداً لمستقبلهم.
لم يتخذ كبار أعضاء الجمعية الإسلامية موقفا واحدا في الانتخابات الرئاسية السابقة ولا في الفترة التي تلتها، من ذلك أن وزير الطاقة والمياه السابق إسماعيل خان، وأحمد ضياء مسعود وبعض الأعضاء المهمين الآخرين لم يقفوا بجانب د/عبدالله.
في الفترة الحالية يُدير بعض أعضاء الجمعية الإسلامية تشكلات سياسية مستقلة ويُقبلون على حزب الجمعية الإسلامية عند مواجهة صعوبات شديدة أو عندما يكون لهم مصلحة. من جملة هذه التشكلات: تيار باسم “الموجة الخضراء” بقيادة أمر الله صالح وتيار باسم “أفغانستان الحديثة” بقيادة يونس قانوني، وتيار باسم “الجبهة الوطنية” بقيادة أحمد ضياء مسعود، ومؤسسة باسم “أحمد شاه مسعود” بقيادة أحمد ولي مسعود، ومجلس في هرات باسم “شورى المجاهدين” بقيادة إسماعيل خان.
مع أن د/عبدالله بالنيابة عن حزب الجمعية الإسلامية حاز نصف السلطة في البلد، إلا أن بعض المقربين من عطاء محمد نور في حديثهم مع وكالة بي بي سي الإخبارية ذكروا أن عطاء لم يعد يثق في د/عبدالله، وأن الحزب سيحصل على حقوقه من الحكومة، وفي هذا الصدد يُسمع كلامٌ عن اتفاقية بين عطاء محمد نور والرئيس أشرف غني.
إذا سعى كبار أعضاء حزب الجمعية الإسلامية للحصول على امتيازات سياسية بشكل منفرد، قد يحصلون على هذه الامتيازات الفردية، إلا أنهم سيخسرون وحدة حزب الجمعية وسيواجه الحزب لأول مرة انشعاباً كبيرا وخطيراً. علاوة على ذلك يُتوقع أن تُقلل الاتفاقية بين عطاء محمد نور والقصر الرئاسي من السلطة السياسية التي تملكها الجمعية الإسلامية.
النتائج
يُلاحظ أن الجماعات الجهادية التي بدلت كابل إلى ساحة قتال للحصول على السلطة في تسعينات القرن الفائت، تتقابل الآن مرة أخرى ويسعى كلٌ منها للحصول على أكبر قدر من الامتيازات في الحكومة. أشرف غني أيضا يسعى بدوره إلى حلِّ أقطاب القوى، ولهذا السبب وقع اتفاقية السلام مع الحزب الإسلامي لإحضار حكمتيار إلى كابل.
مع أن الجمعية الإسلامية تمتلك بحيازتها حالياً نصفَ السلطة في الحكومة، إلا أن كبار أعضاء هذا الحزب بقوا خارج هيكل الحكومة، ويريد أشرف غني الآن إدخالَ الرئيس التنفيذي للجمعية الإسلامية عطاء محمد نور في المشهد، والتقليصَ من سلطة شركائه السياسيين في النظام الذين يُشكلون عائقاً أمامه.
النهاية