فيما كانت الهند في 26 من يناير تجري حفلة الذكرى الـ66 للديمقراطية فيها، تميزت الحفلة بحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان في زيارة لمدة ثلاثة أيام في الهند برفقة زوجته.
وكان أوباما أول رئيس أمريكي شارك في هذه الحفلة وفي بلد تُعتبر أكبر ديمقراطية في العالم. وفي خطوة غير مسبوقة رحّب به نارندرا مودي رئيس الوزراء الهندي في المطار، ومن ثم توجهوا إلى القصر الرئاسي حيث تم الترحيب به رسيما بحضور الرئيس الهندي باراناب مكرجي.
وأجريت الحفلة بشغف كبير، وتم فيها استعراض الرقي الهندي في كافة المجالات، وكما عبّرت بعض وسائل الإعلام كانت الحفلة استعراض قوة من قبل الهند على وجه دول العالم.
زيارة ورسائل
على حد تعبير صحيفة “لوس آنجلس”، لم يكن هدف زيارة أوباما المشاركة في حفلة عالمية أو تبادل الآراء حول موضوع خاص فحسب، بل جاءت إجراءات الزيارة بطريقة وفّرت لأوباما لقاءً حميما مع نارندرا مودي رئيس الوزراء الهندي.
ويمكن لنا أن نعتبر هذه الزيارة زيارة ذات رسائل من عدة جوانب، وقد قُرأت الرسائل بوضوح في باكستان. أولا إن أوباما وبمشاركته في حفلة ديمقراطية الهند، عارض الرأي الباكستاني تجاه قضية كشمير. لأن الكشميريين الذين يقاتلون مع الهند من أجل الحرية يسمون يوم الذكرى الهندية، “يوما أسود”، وفعلوا ذلك هذه السنة أيضا.
رسالة أخرى في هذه الزيارة جاءت في اختيار فندق “تاج محل”، مكان إقامة لأوباما وزوجته. وهذا الفندق الذي هوجم عام 2008م، من قبل “لشكر طيبة”، المجموعة الباكستانية المسلحة-، أصبح الآن رمزا للتدخل الباكستاني في الهند، فيكون في اختيار الفندق مكان إقامة لأوباما رسالة واضحة للجانب الباكستاني. ويعني أن سياسات باكستان السلبية في المنطقة والتي تصدر الإرهاب مرفوضة تماما من قبل أمريكا.
أهمية الزيارة للبلدَيْن
هذه الزيارة ليست رمزية فحسب، بل لها أهمية كبيرة من الزاوية العملية للولايات المتحدة كما للهند. قبل أسبوعين بعث أوباما، وزير الخارجية الأمريكي إلى دهلي الجديدة ليمهد أرضية هذه الزيارة، وهي علامة أهميتها للطرفين.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بين أوباما ومودي، عُقد بعد ساعات قليلة من وصول أوباما إلى دهلي الجديدة تكلم الرئيس الأمريكي عن رؤى جديدة في المجال التعاون بين أمريكا والهند، وقال إنه وصل مع رئيس الوزراء الهندي إلى توافق بشأن التعاون الأمني والدفاعي، وإن البلدين وصلا إلى تطورات كبيرة في مجال التعاون النووي غير العسكري وهي علامة على صلاحيتنا للتعاون المشترك وعلى تعزيز العلاقات.
وبدوره اعتبر نارندرا مودي التوافق على التعاون النووي غير العسكري علامة على تعزيز العلاقات والثقة بين البلدين، وهي فرصة لتوسيع العلاقة الاقتصادية بين الهند وأمريكا، وقال إن العلاقات الثنائية بين البلدين دخلت مرحلة جديدة. ولعبت مفاوضات أوباما مع المسؤولين الهنديين دورا كبيرا في فتح الطريق نحوه تعاون استراتيجي وفي مجال الأمن النووي.
وفي هذه الزيارة تم التحدث حول تقليل الغازات الدفيئة. إذ تُعتبر الهند ثالث دولة منتجة للغازات الدفيئة، ولكن المسؤولين الهندين حتى الآن لم يتعهدوا بتقليلها. لأنهم يرون إلى تقليل الفقر والرقي الاقتصادي كأولوية لبلدهم.
تقوية الهند والتوازن الاستراتيجي في المنطقة
ولكن خلف كل هذه الابتسامات والمصافحات، هناك هدف كبير وهو برنامج أمريكا للبقاء على مستوى قيادة العالم. وحفاظا على هذه المكانة لابد لأمريكا أن تواجه كل التحديات الموجودة والتي ستشكل في المستقبل خطرا لسيادتها. وهي كانت خطة أمريكية من قبل، إلا أن مشاكل الشرق الأوسط وظهور تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وأحداث أوكرانيا، أجّلت الخطة الأمريكية.
ويمكن أن نعبر باللغة الدبلوماسية عن التصدي أمام التطلعات الصينية، بالتوازن الاستراتيجي وتأكيد أوباما على التعامل مع آسيا بهدف تعزيز العلاقات التجارية مع الهند. يريد أوباما في العامَيْن الأخرَيْن من حكمه أن ينفذ أولويات أمريكا في المجال الاقتصادي والعسكري والسياسي وهو أمر أخّرته الأحداث المفاجئة.
لا ترغب الصين أن تشارك عسكريا في الأزمات العالمية، وترجح أن توسع نطاق اقتصادها. فيكون من شأن التعاون الأمريكي مع الهند أن تعزز الموقف الهندي في أسواق الصين والدول الأخرى كي تتمكن من المنافسة مع الصين.
بعبارة أخرى يمكن أن نقول إن اللعبة الأمريكية في آسيا بدأت فعلا مع هذه الزيارة غير المسبوقة، ويتصدر قائمة أولويات أمريكا في هذه اللعبة التصدي للصين. لأن الصين تملك من الإمكانيات والصلاحيات ما يمكنها من ملء الفراغ الموجود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في صعيد الحرب الباردة. وسعة أرض الصين، وعدد سكانها الكبير، مع سوقها المتنامي والرقي الاقتصادي، وعضويتها في مجلس الأمن، علائم بارزة على القوة الصينية، وعلى صلاحية الصين لايجاد توازن استراتيجي أمام طموحات أمريكا.
يرى المسؤولون والنخب الصينيون بأن الحضور الأمريكي العسكري والأمني في آسيا والمتوسط، بأي حجة كان، يهدف إلى شيء واحد، وهو التصدي للصين، لأن الصين يرى إلى النظام العالمي المطلوب كنظام تعددي وهذه الرؤية الصينية مع الرقي الصيني وتعزيز مكانتها في المنطقة تقلق أمريكا، بأن تقود الصين دولا أخرى في مسير معاد لمصالح أمريكا.
أثر هذه الزيارة على الأوضاع العالمية
يمكن لزيارة أوباما أن تعزز الخلافات الإقليمية وخاصة ما بين الهند وباكستان. لقد تكرر مرارا الطلب الأمريكي من باكستان في مجال التصدي للإرهاب ولكن دون جدوى. ولقد أدرك الباكستانيون بأن أمريكا في اللعبة الآسيوية تعتمد على الهند.
لذلك ليس عجبا أن يرى المسؤون الباكستانيون إلى هذه الزيارة بعين قلقة، وتزامنا مع زيارة أوباما إلى الهند سافر راحيل شريف قائد أركان الجيش الباكستاني إلى الصين والتقى مع المسؤولين العسكريين في الصين. وكردة فعل باكستانية لزيارة أوباما إلى دهلي الجديدة، أراد الباكسانيون توجيه رسالة إلى أمريكا تقول إن لباكستان خيار صداقة مع الصين. النهاية