أمريكا… حرب وازدواجية المعايير

حول تسليم لطيف الله محسود إلى باكستان

إن العلاقات الأفغانية الباكستانية، خاصة بعد سقوط حكم طالبان، أخذت طابعا معقدا وصعبا للغاية. وصل الأمر بحامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق طيلة 13 سنة أن يبقى غير مدرك لهدف باكستان الأساسي، ويبدو أن الحكومة الأفغانية الجديدة قد ترث الميراث كما هو.

ويبقى العامل الأبرز لصعوبة الموقف بشأن معرفة أهداف باكستان، التوافق الأمريكي الباكستاني تجاه أمور وخلاف الدولتين تجاه أمور أخرى. من جانب آخر، إن القضايا المتفقة عليها للجانب الباكستاني في السياسة الأمريكية، لا تنحصر على الجغرافيا الأفغاني ولأمد قصير، بل تتعلق بسياسة أمريكا في المنطقة وعلى أمد طويل أيضا. وبناءً على ذلك تقوم أمريكا أحيانا بتجاهل تكتيكي للملفات الشائكة من قبل باكستان، إلى حد يبقى الأمر غامضا على زعيم مثل كرزاي رغم تعامله 13 سنة مع الأمريكان، ويصل الأمر إلى شجار بينه وبينهم. وفي الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان، فرّت أمريكا بمهارة عالية من أي تعهد يضع أمريكا على تنازع مع باكستان.

 

أفغانستان ساحة اللعبة وليست مشاركة فيها

يمكن أن نعتبر باكستان شريكة اللعبة الأمريكية، فيما تبقى أفغانستان ميدانا فقط لهذه اللعبة. ويمكن في ذلك أن نضرب أمثالا كثيرة، من أهمها العرقلة الأمريكية الباكستانية في عملية السلام الأفغانية.

أمريكا وبعد عشر سنوات من الحرب أدركت ضرورة وجود عنوان للاتصال مع حركة طالبان. وأخيرا قبلت الحركة بأن يكون لها مكتب في قطر من أجل الاتصال بالعالم الخارجي وأن يكون هذا المكتب، في حال توفر الأوضاع، واجهة لبدء المفاوضات.

أما باكستان التي كانت تخالف هذه الخطوة الأمريكية، حسمت أمرها على جمع خيوط اللعبة كلها تحت قدمها، فألقت القبض على الملا برادر الشخصية الثانية في حركة طالبان. وحصل الأمر بعمليات مشتركة للقوات الباكستانية والأمريكية. وأعلنت الحكومة الأفغانية حينها أن إلقاء القبض على الملا برادر جاء على خلفية رغبته في الاتصال مع الحكومة الأفغانية وميلانه للسلام.

لو صحت تصريحات المسؤولين الأفغان حينها، فإنه من الواضح أن أمريكا لم تقبل تهميش باكستان في مفاوضات السلام مع حركة طالبان، ومن أجل ذلك ساعدت في إلقاء القبض على الملا برادر، صاحب مبادرة قطر.

لو أرادت أمريكا سلاما في أفغانستان، لكان عليها أن تؤيد مبادرة قطر في وجه المخالفات الباكستانية، بل إنه تخلت عن خطوة بدأت بها وتركت الساحة للتلاعب الباكستاني بالأمر. ندرك إذا أن الحكومة الأفغانية ليست وحدة في حيرة من سياسة أمريكا، بل حركة طالبان، التي ظنت أن أمريكا فعلا تريد سلاما، بعد وصول وفد سياسي منها إلى قطر وجدت نفسها أمام سياسة أمريكية مزدوجة، ولم يحصل اتصال جاد بين الطرفين. وشكل إلقاء القبض على أنس الحقاني آخر جزء من هذا السناريو، تسبب في انقطاع الاتصال بين طالبان وأمريكا، واشترطت أخيرا حركة طالبان لبدء المفاوضات إطلاق سراح أنس الحقاني من قبل أمريكا. وفي حال رغبة أمريكا لإدارة المفاوضات مع طالبان يكون أمامها وقت طويل لرفع هذه العرقلة.

 

كيف أختطف لطيف الله محسود؟

علامة أخرى من ازدواجية السياسة الأمريكية ظهرت في ملف محسود. في عام 2013م، وبعد أن التقى لطيف الله محسود، نائب حكيم الله محسود زعيم حركة طالبان باكستان سابقا، مع أرسلا جمال محافظ ولاية لوكر، وكان مسحود برفقة من رجال الأمن الوطني الأفغاني، اختطفته القوات الأمريكية ونقلته إلى قسم تابع لها في جسن بجرام.

كشف متحدث باسم الحكومة الأفغانية أن لطيف الله محسود كان على صلة مع مؤسسة الأمن الوطني الأفغاني. وكان الأمر واضحا أن باكستان التي كانت تدعي من قبل أن حركة طالبان باكستان على صلة مع الهند عبر أفغانستان أظهرت نوعا من القوة في الداخل الأفغاني لأفغانستان نفسها وللهند.

 

ما جرى بعد الخطف؟

بعد قليل من خطف محسود من قبل الأمريكان، وفي أول العيد تعرض أرسلا جمال محافظ لوكر بطريقة ممنهجة لمحاولة اغتيال طالت بحياته، ولم يتبن أي أحد مسؤولية الحادث. وهو أبرز تظاهر بالقوة من قبل باكستان.

بعد شهر من خطف لطيف الله محسود، قتل حكيم الله محسود في عملية نفّذتها طائرات أمريكية بلا طيّار في وزيرستان الشمالية. لا شك أن لقاء لطيف الله محسود مع المسؤولين الأفغان كان بسماح من حكيم الله محسود، ربما كان قتل الأخير نتيجة معلومات حصلت عليها أمريكا من لطيف الله وبذلك أخذت باكستان ثأرها.

من دون شك، كانت استخبارات باكستان على علم بزيارة لطيف الله محسود إلى أفغانستان، ويمكن أن تكون المعلومات  قد وصلتها عبر مسؤولين أفغان، وأن يكون الجانب الباكستاني طلب من استخبارات أمريكا إلقاء القبض على لطيف الله محسود.

وكانت نتيجة ما حدث مع لطيف الله محسود، أن بعض زعماء حركة طالبان الأخرين رغم ميلانهم للاتصال مع الحكومة الأفغانية، لم يجرؤوا أن يقوموا بذلك، وعرفوا أن استخبارات باكستان تؤيدها أمريكا كاملا وأن الحكومة الأفغانية لا تحكم أفغانستان.

وألقت أمريكا القبض على لطيف الله محسود لتنمع الجانب الأفغاني من تعزيز موقفها بمساعدة حركة طالبان باكستان.

 

نتيجة تسليم محسود إلى باكستان

وبتسليم لطيف الله محسود إلى باكستان وفّرت أمريكا للجانب الباكستاني مصدر معلومات جيد، بشأن عناصر في داخل حركة طالبان باكستان من أصحاب علاقات مع المسؤولين الأفغان، وبذلك تسهل معرفتهم وحبسهم أو قتلهم إذا أمكن.

وعلى حد قول المسؤولين الأفغان، لم يكن لطيف الله محسود لديهم، وأنهم يقومون بإجراء تحقيق حول تسليمه مع عنصرين آخرين من حركة طالبان، جعفر وعزيز عرفات، إلى باكستان. وإن الإذعان بعدم معرفة الحكومة الأفغانية بتفاصيل تسليم هؤلاء إلى باكستان علامة واضحة بأن أمريكا ورغم توقيع الاتفاقية الأمنية وتعهدها باحترام السيادة الوطنية لأفغانستان، لا تحترم تلك السيادة أساسا. النهاية

أمريكا… حرب وازدواجية المعايير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى