فيما يُعتبر إحلال الأمن والرقي الاقتصادي من أهم أولويات الرئيس الأفغاني، فإن الفساد الإداري تحدٍ آخر يواجه الحكومة الأفغانية. فور وصوله إلى سدة الحكم بدأ أشرف غني محاولاته لإحلال السلام، وفي مؤتمر لندن أوضح برنامجه لمكافحة الفساد، لأن الفساد الإداري من أهم معوقات الرقي الشامل للبلد، والآن اشترطت الدول المانحة لمساعداتها لأفغانستان إنهاء الفساد[1].
وبناءً على تقرير منظمة النزاهة الدولية[2]، جاءت أفغانستان في عام 2014م، في الدرجة الرابعة. وعلى أساس معلومات هذه المؤسسة، بقدر ما تقل امتيازات الدول بذلك تغرق في الفساد. هذه المرة حصلت أفغانستان على 12 امتيازا من مجموع 100، ومن بين 175 دولة جاءت في الدرجة 172، وسبقت صوماليا، وكوريا الشمالية والسودان في النزاهة.
نظرة إلى الفساد الإداري في أفغانستان
وكان الفساد الإداري من أثمار الغزو الأمريكي على أفغانستان وتجربة الديمقراطية في هذا البلد. وعندما دخلت أمريكا والناتو أفغانستان دخلت معهما مقادر كثيرة من الأموال، من دون وجود أي برنامج لمحاسبة هذه الأموال. ولذلك انتشر الفساد الإداري في جميع قطاعات البلد. وتكمن عوامل الفساد الأخرى في قلة الرواتب الحكومية، وعدم المحاسبة، ووجود الفساد في المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، والمتاجرة بالمناصب الحكومية.
وهناك قوانين[3] تم وضعها في أفغانستان لمكافحة الفساد، وذلك إلى جانب تأسيس مؤسسات خاصة[4] لمكافحة الفساد. ولكن رغم هذه المحاولات فإن مستوى الفساد لم ينخفض فحسب بل ارتفع أيضا. وقامت مؤسسة رقابة النزاهة في أفغانستان بأربعة إحصاءات تم نشر كل إحصاء بعد عامين، وتنتهي هذه الإحصاءات إلى النتيجة التالية:
إحصاءات مؤسسة النزاهة في أفغانستان
قامت هذه المؤسسة بأربع إحصاءات حول الفساد الإداري في أفغانستان. أُجري الإحصاء الأول عام 2007م، والثاني عام 2010م، والثالث عام 2012م، والرابع عام 2014م. وتقوم هذه الإدارة بدراسة مستوى الفساد كل عامين.
الإحصاء الأول: قامت هذه المؤسسة بأول إحصاء لها عام 2007م، لتحدد معنى الفساد الإداري لدى الأفغان. ما هي عوامل الفساد برأيهم؟ وما هي طرق الحل؟
وبناءً على هذا الإحصاء اعتبر الفساد الإداري في أفغانستان أزمة ألقت بظلالها على جميع المجالات، وبرأي كثير من الذين سألتهم المؤسسة، أصبحت هذه الأزمة جزءا من المجمتمع الأفغاني. وفي تلك السنة دُفعت ما يقارب 466 مليون دولار كالرشاوي.
وفي هذا الإحصاء تم تحديد معنى الفساد بأن يقوم الفرد باستغلال المنصب لصالح نفسه أو جماعته. وأدرج في عوامل الفساد، التالي:
- الراتب القليل لعمال الحكومة.
- الحرص.
- عدم المحاسبة وعدم وجود قانون للوصول إلى المعلومات.
- أبشع نوع الفساد، أي المتاجرة بالمناصب[5] و غير ذلك.
واقترح الإحصاء لإنهاء الفساد تقسيم القدرة، وإجراء المعاقبات، وتوجيه العلماء والإعلام والمجتمع الدولي.
الإحصاء الثاني: وأما إحصاء المؤسسة عام 2010م، صنّف الفساد إلى جانب الاضطراب الأمني والبطالة أزمة ثالثة للمجتمع الأفغاني، وخلُص إلى نتيجة تقول إن واحدا من كل سبعة أفغان دفع الرشوة، وأن 28% من الأفغان دفعوا الرشاوي للحصول على الخدمات الحكومية، وبناءً على هذا الإحصاء كان معدل دفع الرشوة لكل أفغاني، (7769 أفغاني)، ويبلغ مجموع تلك المقادر مليار دولار.
الإحصاء الثالث: وبناءً على إحصاء عام 2012م، دفع الأفغان 1.25 مليار دولار رشوة، وهي إضافة 16% مقارنة إلى العام الماض. واعتبر هذا الإحصاء مؤسسة الشرطة والقضاء من أكثر المؤسسات فسادا.
الإحصاء الرابع: وصنف إحصاء عام 2014، الفساد أزمة، في الدرجة الثانية بعد الاضطراب الأمني، وبلغت مقادر الرشوة ضعفين خلال عامين مضيا. وبناءً على هذا الإحصاء كانت مؤسسات الشرطة، والقضاء والعدالة من أكثر المؤسسات فسادا. وانتشر إلى جانب ذلك انطباع في البلد يشير إلى تيسير الأمور عبر الرشوة وفي أسرع وقت.
ويبدو من أربعة إحصاءات مضت، بأن مستوى الفساد في البلد يرتفع يوما بعد يوم، وهو أمر يطلب خطة مؤثرة من صناع القرار.
اليوم العالمي لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد
يُحتفل كل سنة في 9 و10 من شهر ديسمبر/كانون الأول كيوم عالمي لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد. فإن حقوق الإنسان والفساد الإداري على الصعيد نفسه تقريبا من وجهة المعنى. وكما سلف إن الفساد الإداري ينقض حقوق المواطنين، وهذا يعني أن الفساد الإداري يعرقل عملية وصول الإنسان إلى حقوقه.
تنص المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن كل إنسان له حق مثل غيره، وله أن يوضح موقفه تجاه القضاء وأن يدافع عن نفسه[6]. ولكن عندما تغرق مؤسسات الشرطة والقضاء في الفساد[7]، فكيف يمكن لأي أحد أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، فضلا عن أن ينجي نفسه؟
وإلى جانب ذلك قالت مؤسسة النزاهة في أفغانستان يوم مكافحة الفساد، أنه وفي عام 2014م، تم دفع 1.2 مليار دولار كرشوة. إضافة إلى غصب 1.2 هكتار من الأراضي من قبل أصحاب القوة وبطريقة غير قانونية. وفيما تشمل مبالغ الرشوة تلك التي دُفعت من أجل الحصول على الخدمات الحكومية[8]، تُعتبر غصب الأراضي نقضا صريحا لحقوق أصحابها.
إن مكافحة الفساد تلعب دورا إيجابيا كبيرا في مجال حقوق الإنسان، وفي حال إنهاء الفساد في مؤسسات القضاء والأمن يكون طريق المواطنين ممهدا نحو حقوقهم.
خطة أشرف غني لمكافحة الفساد
مع أن أشرف غني لم يوضح خطته لمكافحة الفساد قبل مؤتمر لندن، إلا أنه وبفتح ملف “بنك كابول”، خفّض درجة أفغانستان في الفساد، من أفسد دولة إلى الدولة الرابعة في الفساد.
وأكد الرئيس الأفغاني في مؤتمر لندن، بأنه يرفع خطوات عملية في مكافحة الفساد. وحصلت شبكة المحللين الأفغان[9]، على نسخة لورقة أشرف غني الإصلاحية لمجال الفساد، وتحتوي على الخطوات التالية:
- إحداث مهمة خاصة لمكافحة الفساد، تتمتع بوقت محدد وصلاحية لازمة.
- إحداث إصلاحات في مؤسسة المحاسبة.
- إحداث هيئة الإقتناء الوطنية للإشراف على العقود الكبيرة، وذلك من أجل تخفيض الفساد في البلد[10].
ملف بنك كابول
بنك كابول الذي أسسه شيرخان فرنود عام 2004م، استولى عليه عام 2010م، بنك أفغانستان المركزي خشية سقوطه. يقال إن مليار دولار من هذا البنك كان غير موجود، وبعدها ألقي القبض على الكثير من أجل ذلك، وتُرك البعض لنفوذهم عند صناع القرار.
وفور وصوله إلى سدة الحكم فتح أشرف غني ملف بنك كابول، ليظهر موقفه بشأن الفساد الإداري. وفي 4 من ديسمبر قضت محكمة أفغانستان العليا بعشر سنوات في السجن لشيرخان فورنود رئيس البنك وخليل الله فيروزي نائبه، وبناءً على حكم المحكمة ينبغي على كل واحد منهما دفع 500 مليون دولار للبنك. وحكمت المحكمة على تعليق ملكية محمود كرزاي، وعبدالغفار داوي وحسين فهيم لما يملكون، حتى يؤدوا قروضهم إلى البنك[11]. وإلى الآن تم إرجاع 12 ميون دولار إلى البنك، فيما يبقى الجزء الأكبر غائبا.
بناءً على وزارة الخارجية الأفغانية تم الحصول على عناوين الفارين من أفغانستان بمساعدة إنتربول، ولكن لم تُرفع خطوات عملية لإلقاء القبض عليهم. إلا أن هذه القضية لا يمكن حلها بمجرد حبس المتهمين، بل يتطلب حلها أخذ القروض من المقروضين.
طرق الحل
- مع أن ملف بنك كابول تُعتبر من أكبر ملفات الفساد البنكي في أفغانستان، إلا أن حله لا يعني إنهاء الفساد الإداري في أفغانستان، بل يعني خفضا في مستوى الفساد، وللمزيد في ذلك ينبغي إحداث إصلاحات واسعة في مؤسسة الشرطة والقضاء، لأنه وبناءً على إحصاءات مؤسسة النزاهة في أفغانستان، تصدرت هذه المؤسسة قائمة الفساد في البلد.
- تعتبر مؤسسات دولية لصناعة القرار بشأن مكافحة الفساد، النزاهة أولى خطوات المكافحة. فإن هذه المؤسسات تقترح طرقا قانونية للحصول على المعلومات وترفع صوتا لتعديل القوانين أيضا. مع أن البرلمان الأفغاني صوّب قانون الوصول إلى المعلومات بتردد كبير، إلا أن ذلك القانون لا يزال يحتاج تعديلا لبعض ما فيه. وعلى سبيل المثال إن هذا القانون لا يحتوي على تعريف واضح لمصطلحات كثيرة كالأمن الوطني، والمصالح الوطنية، وغيرهما[12].
- كل من لديه مسؤولية، عليه أن يظهر أمواله وينبغي تسجيل ممتلكات المسؤولين الحكوميين وخاصة الذين يعملون في مجال مكافحة الفساد.
- إحداث مؤسسة مستقلة مؤثرة ذات صلاحية لمكافحة الفساد.
- حتى اللحظة لم يتم إعلان أعضاء الحكومة، فمن الأجدر أن يكون الوزراء من أصحاب الخبرات العملية ومن الذين لم يتورطوا في الفساد.
النهاية
[1] – اشترط المانحون الدوليون، في مؤتمر توكيو عام 2012م، لمساعداتهم لأفغانستان إنهاء الفساد.
[2] Transparency International
[3] ميثاق مكافحة الفساد- قانون الوصول إلى المعلومات؛
law on overseeing the implementation of the Anti-Administrative Corruption Strategy
[4] High office of oversight and Anti-Corruption
[5] The vicious circle of buying and selling positions. See Afghans’ Experience of Corruption a Report by Integrity Watch Afghanistan.
[6] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة العاشرة. الرابط التالي:
http://www.un.org/en/documents/udhr/
[7] إحصاءات المؤسسة على موقعها:
http://www.iwaweb.org/ncs/index.html
[8] بناءً على إحصاء المؤسسة في عام 2014م، حال الفساد دون حصول 28% من المواطنين على الكهرباء، و18% على التعليم العالي، و17% على العدالة في المحاكم، و16% على الأمن من قبل الشرطة، تفاصيل ذلك في الرابط لتالي:
http://www.iwaweb.org/ncs/_2014/key_findings.html
[9] Afghanistan analyst network
[10] Christine Roehrs, Return of the Goodwill? London Conference as symbol of a new start, 1 december 2014, see online https://www.afghanistan-analysts.org/return-of-the-good-will-london-conference-as-symbol-for-a-new-start/
[11] الإذاعة الحرة- ۱۳-۹-۱۳۹۳،هش، الموافق 4ديسمبر/كانون الأول2014م:
http://da.azadiradio.org/content/article/26724552.html
[12] په دې اړه ولولئ:
http://iwaweb.org/_news/news0020_signing_ati_law_by_afg_president.html