تمر ستة عقود من العلاقات الثنائية بين الصين وأفغانستان، ولكن الدولتين جرّبتا دوما علاقات ثقافية واقتصادية. وتصل جذور العلاقات الأفغانية الصينية إلى زمن بعيد، وقد بدأت فعلا قبل 130 سنة قبل الميلاد عندما جاء سفير الامبراطورية الصينية إلى أفغانستان. وفي تلك الفترة كانت هناك صلات تجارية، ومنها مرور طريق الحرير عبر أفغانستان إلى آسيا الوسطى وأوروبّا وإفريقيا.
ومن الناحية الدينية وفي زمن “إمبراطورية كوشان”، وفّرت أفغانستان فتحة لنشر البوذية في الصين، وبعد ذلك كان وصول الإسلام إلى تركستان الصينية –الشرقية المحتلة-، أيضا عبر أفغانستان، وهذه النظرة العابرة توضح مدى العلاقات التاريخية القديمة.
وفي القرن الأخير عندما تأسست الثورة الماوية الشيوعية في الصين، اعترفت أفغانستان بهذه الثورة من دون أي ضغط وهي علامة بارزة في العلاقات الثنائية.
وبعد هذا، بدأت العلاقات الثنائية الدبلوماسية مع تبادل السفراء عام 1955م.
يمكن لنا أن نقّسم العلاقات الأفغانية الصينية إلى مرحلتَيْن:
علاقات فترة الحرب الباردة، (1950م-1991م).
ما بعد الحرب الباردة، (1991م-2015م).
العلاقات الأفغانية الصينية (1991م-1950م)
وفي هذا المجال كانت العلاقات الأفغانية الصينية، وخاصة الاستراتجية الصينية تجاه أفغانستان متأثرة من السياسة العالمية. وفي البداية كثّفت الصين من صلاتها الثقافية مع أفغانستان، وعندما توجهت العلاقات نحو تدهور مع الروس، شرعت الصين في مشارع استثمارية ودعم لأفغانستان.
وأما أفغانستان حافظت على حيادها ولم تدخل في الحزام الأمني الروسي، وعللت ذلك بعدم رغبتها في حزام أمني يضع أفغانستان في مواجهة الصين.
قام محمد داؤد بانقلاب شيوعي أقلق الصين، واعتبرت أن الانقلاب حدث بتوجيه ورغبة من الروس، ولكن محمد داؤد أرسل أخاه محمد نعيم كوزير للخارجية إلى الصين، وهو أنهى القلق الصيني الأمر الذي دفع الصين للبدء بمشارع أخرى في أفغانستان.
وأثناء الاحتلال السوفيتي (1979م)، اقتربت الصين إلى أمريكا أكثر من الروس، وتدهورت علاقاتها مع الروس. وكانت الصين ترى إلى هذا الهجوم كخطوة لتطويق نفسها، ولذلك نددتها ودعمت المجاهدين الأفغان على نطاق واسع.
علاقات ما بعد الحرب الباردة (1991م-2015)
وبعد الانسحاب السوفيتي عندما اندلعت الحرب الأهلية في أفغانستان، أغلقت الصين سفارتها في كابول وفي فترة حكم طالبان ولجوء عدد كبير من الأويغور المسلمين إلى كابول، لأنه وفي تلك الفترة كانت هناك تحركات مسلحة في إقليم “شينغيانغ”، كان معظم زعمائها في أفغانستان. أمر آخر أقلق الصين هو تهريب المخدرات وكانت ترى أن ربحها يذهب لحساب تلك التحركات المسلحة. ولهذين السببَيْن أسست الصين مع الروس “منظمة شانغهاي الخامسة”، التي تحولت لتصبح “منظمة شانغهاي لتعاون”، وذلك بهدف مكافحة “الإرهاب”، والمخدرات.
رغم هذا القلق الصيني كان هناك تفاهم سري بين طالبان والصين. مسؤول رفيع المستوى أثناء حكم طالبان، الملا عبدالسلام ضعيف كتب في مذكراته، بأن السفير الصيني ذهب بصحبته إلى لقاء الملا محمد عمر الذي تعهد أن لا تُستغل الأراضي الأفغانية ضد أي أراضي الجيران. وربما هو الذي جعل الصين تتخذ موقفا حذرا تجاه أفغانستان، فإنها مع دعمها حملة أمريكا والناتو ضد “الإرهاب”، لم ترسل قواتها العسكرية إلى أفغانستان، ولم تنشر تصريحا ضد طالبان أيضا.
حامد كرزاي.. مؤسس العلاقات الجديدة
مع أن بعض المحللين ينتقدون سياسة حامد كرزاي الداخلية، إلا أن سياسته الخارجية وخاصة في الفترة الثانية كانت جيدة. فإنه وبسبب خلافات جذرية مع أمريكا حصل على اهتمام قوات إقليمية كالصين، والهند وروسيا[1].
وحسُنت العلاقات الأفغانية والصينية أيام حكم كرزاي أكثر من أي وقت آخر. وقد بذلت أفغانستان جهودا كثيرة من أجل ذلك أيضا، وقام حامد كرزاي بخمس زيارات إلى الصين، ولكن لم يقم مسؤول صيني رفيع المستوى بزيارة إلى أفغانستان.
وعندما تدهورت علاقات حامد كرزاي مع أمريكا، ووُجه إليه نقد كثير بعد انتخابات 2009م، حاول كرزاي تحسين العلاقات مع الصين، وزار الصين عام 2010م، للمرة الرابعة، وأعطى في زياراته الخارجية أهمية كبيرة للصين.
الصين لاعب مهم في سياسة أشرف غني
وأما أهمية الصين في سياسة أشرف غني، فتبدو جلية في أنه اختار الصين لأول زيارة خارجية قام بها، وطلب من الجانب الصيني أن يلعب دورا في عملية السلام الأفغانية، وقد بدأت الصين محادثات مع طالبان من أجل ذلك، وفي الصين التقى المسؤولون الصينيون مع وفد لحركة طالبان من مكتبها السياسي في قطر زار الصين، إلا أن تفاصيل هذا اللقاء الذي حدث لمرتين تبقى غير معلنة عنها.
وترى الصين إلى انسحاب أمريكا وقوات الناتو من أفغانستان كخلاء القدرة في البلد، وتعتبرها فرصة. ولذلك ساعدت الصين أفغانستان من 2001م، إلى 2014م، 200 مليون دولار وأثناء زيارة أشرف غني إلى الصين تعهد الجانب الصيني بدعم مالي بلغ 330 مليون دولار خلال ثلاث سنوات. وفي زيارته إلى الصين فتح أشرف غني صفحة جديدة للعلاقات الثنائية ووفّر أرضية للعلاقات طويلة المدى.
إن انعقاد الحفل بشأن العلاقات الأفغانية الصينية في القصر الرئاسي وفي وزارة الخارجية علامة على أهمية هذه العلاقات، وكما أشار أشرف غني في هذه الحفلة وبخصوص طبع قاموس “بشتو-صيني”، إن الأمل بالدور الصيني الإيجابي في عملية السلام الأفغانية أصبح معقودا بالجاد أكثر من ذي قبل.
بشكل عام لو نمعن النظر في العلاقات الأفغانية الصينية، يظهر لنا أن البلدين جرّبا علاقات تاريخية واسعة، وأن الصين أعطى قليلا من الأهمية في ستة عقود مضت، وهكذا أفغانستان اعتبرت الصين جارة في “المستوى الثاني”. وأما في السنوات الأخيرة ظهرت أهمية الدور الصيني في أفغانستان، بل وظهرت مصالح على السطح، توضح الموقف الصيني، لأن الصين تعمل حاليا على تغيير السياسة وتركز على خطة “نحو الغرب”، ومنها طريق الحرير الجديدة، ومشروع طاقة باكستان-الصين.
ومن جهة أخرى تحتاج الصين لاستقرار أفغانستان كي تحقق مشارعها الأمنية والاقتصادية، وهو أمر دفع الصين بطلب من الحكومة الأفغانية نحو محادثات مع طالبان. النهاية
[1] وفي هذا المجال يُحسب على كرزاي فشله في العلاقات المتدهورة مع باكستان، وقد كان عليه أن يحافظ على توازن بين باكستان والهند.