منذ الإنقلاب الشيوعي عام 1978م، تشهد أفغانستان حربا طالت 38 عاما ولا تبدو لها نهاية حتى الآن، وهي حرب يجريها الجيل الثاني وبل الثالث وكأن تجربة الجيل الأول من هذا الكفاح الدامي لا تكفي للأجيال القادمة. ويريد كل جيل أن تكون له تجربته وأن يجرب هزيمة فيها.
أسفر الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي وحكومتها العملية في أفغانستان عن مقتل مليون ونصف مليون أفغان. وقُتل في الحرب بين فصائل المجاهدين آلاف الأفغان. وفيما أسفرت الحرب بين حركة طالبان وتحالف الشمال عن مقتل الآلاف، يستمر شلال الدم بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان عام 2001م، وحتى اللحظة.
إحصاءات بمقتل عناصر حركة طالبان
إنه من الصعوبة بمكان تقديم أرقام دقيقة حول خسائر الأرواح خلال هذه الحرب. بدأت أمريكا هجومها على أفغانستان في 7 من أغسطس/آب 2001م، وفي 7 من ديسمبر/كانول الأول 2014م، تمر عليه 13 سنة وأربعة شهور. وطيلة 4865 يوما مر على هذا الهجوم كانت المؤسسات الأمنية الأفغانية تتحدث يوميا تقريبا عن مقتل عدد من عناصر طالبان المسلحة خلال عمليات عسكرية للقوات الأفغانية والأجنبية، وأحيانا كانت أرقام القتلى تتجاوز المئة. وتؤكد إحصاءات شهر نوفمبر/تشرين الثاني مقتل أكثر من ست مئة عنصر لحركة طالبان في أرجاء البلد وعلى خلفية عمليات عسكرية مختلفة.
وإذا ما قمنا بإدراج عدد قتلى حركة طالبان بكل حذر وبأدنى أرقام موجودة، وهي عشرة قتلى يوميا، فإن قتلى الحركة طيلة 13 سنة مضت تبلغ 48650 عنصرا.
ولكنه ليس جميع الأرقام لقتلى حركة طالبان، ففي بدايات الغزو الأمريكي على أفغانستان أُعتقلت وقُتلت المئات من أعضائها في شمال أفغانستان ولا تزال تلك الأرقام غامضة. وقبل بضعة أيام كشف الجنرال عبدالرشيم دوستم –النائب الأول للرئيس الأفغاني-، أن قواته اعتقلت أكثر من 45 ألف عنصر لقوات تنظيم القاعدة أيام بدء الهجوم الأمريكي على أفغانستان عام 2001م.
وهذا لا يعني الاعتقال فحسب، ولم يكن هؤلاء كلهم من أعضاء القاعدة أيضا. وقد جعل “دوستم” أعضاء حركة طالبان في عداد أعضاء القاعدة، وإلا الكل يعلم أن وجود 45 ألف عنصر من قوات تنظيم القاعدة في أفغانستان إبان حكم طالبان يفوق التصور.
ولو افترضنا أن ألفين منهم كانوا للقاعدة، فإن أكثر من أربعين ألف منهم يبقى لحركة طالبان. ومنذ 2003م، خرج من سجون تابعة للجنرال دوستم ثلاثة آلاف من هؤلاء المعتقلين، وأما البقية أي ما يقارب أربعين ألف فقد “فـُـقدوا” في شمال أفغانستان.
وعلى ذلك ينبغي وضع أرقام المفقودين في عداد القتلى وبذلك تصل أرقام قتلى حركة طالبان 80 ألف، إلا أن هذه المعارضة لم تضعف بل وقويت أكثر من ذي قبل.
خسائر القوات الأفغانية
لم تقتصر خسائر الحرب الأفغانية على مقتل عناصر طالبان، بل تشمل مقتل القوات التابعة للمؤسسات العسكرية والأمنية الأفغانية. وحسب تقرير لإذاعة “صوت أمريكا”، في 7 من نوفمبر/تشرين الثاني، خلال أقل من أحد عشر شهرا مضت، قُتل 4634 عنصرا تابعا للقوات الأمنية والدفاعية الأفغانية على إثر الحرب مع المعارضة المسلحة. وعلى حد قول الجنرال “جوزيف أندرسون” مسؤول للقوات الأمريكية في أفغانستان: إن هذه الأرقام “لا تطاق” للقوات الأفغانية.
ولو أخذنا خسائر القوات الأفغانية بمعدل سنوي، أي 13 ألف سنويا، فإن خسارة الأرواح خلال العمليات العسكرية بما في ذلك خسائر حركة طالبان تتجاوز 90 ألف.
خسائر في صفوف المدنيين
لا يخفى على أحد بأن الحرب الأفغانية خلال 13 سنة، أخذت أرواح كثيرة للمدنيين. ولا نتطرق إلى جانب الصاحب اليد الطولى في قتل المدنيين بل يقتصر الحديث بالذات على قتل المدنيين الأفغان.
إن الأرقام التي تقدمها المعارضة المسلحة من جانب والحكومة الأفغانية مع حلفائها من جانب آخر تجعل من الصعب أن نقدم إحصاءا دقيقا، فإن خسائر المدنيين وخاصة في القرى والأماكن البعيدة لا تجد سبيلا إلى الإعلام، ولكن رغم ذلك، إن الحكومة الأفغانية ومعها المؤسسات الدولية تؤكد أن خسارة المدنيين كانت أكثر من خسارة العسكريين.
وفي تخريص حذر نأخذ أرقام خسارة المدنيين مثل أرقام خسارة أعضاء حركة طالبان، وبذلك نضيف 80 ألف آخر، فتصل أرقام الخسارة الروحية لقوات حركة طالبان والقوات الأفغانية والمدنيين 170 ألف قتيل.
ودون أدنى شك لا تخص مصيبة القتل القتلى وحدهم، فهناك الجرحى والمعوقين وهم المحكومون بالموت السريري في بلد مثل أفغانستان، وهناك أسر تعاني الويلات.
عندما تصل الحرب إلى الطريق المسدود
يظهر تاريخ أفغانستان بأن الحضور الأجنبي تسبب إلى الحرب ومزيد من القتل، ولذلك يشكل استمرار الحضور الأجنبي المؤكد بعد توقيع الاتفاقية دافعا، خاصة لسكان القرى، لاستمرار الحرب وجريان شلال الدماء.
من جانب آخر أصبح الأمر واضحا بأن القوى العظمى في وقتها، مثل الإنكليز، ثم الروس، وأخيرا الأمريكان والناتو فشلت في إحلال السلام في هذا البلد، فإن الوصول إلى هذه الغاية عبر القوات الأفغانية مستحيل أيضا. وهي حرب لا فائز فيها، كما لا ينهزم طرف هزيمة كاملة، وهذا هو الطريق المسدود أمام أي حرب، وبذلك تطول الحرب وتعرقل أي رقي للبلد.
بناءً على ذلك ينبغي للحكومة الجديدة “حكومة الوحدة الوطنية” أن تجعل المفاوضات مع المعارضة المسلحة من أجل إحلال السلام على صدر قائمة أولوياتها، وإلا ستستمر الحرب والكوارث إلى عقود أخرى، وستخرج من بطن الحرب (كما تظهر تجارب البلدان الأخرى) مجموعات أشد عنفا وتطرفا. النهاية