إن عمليات الجيش الباكستاني على وزيرستان الشمالية، إن كانت من جانب تعبر عن موقف جديد لدى إسلام آباد تجاه المجموعات المسلحة، وتثير نقاشات جديدة حول استقرار هذا البلد، إلا أنها ومن جانب آخر تبرز أهمية الجانب الإقليمي لهذه المعركة، وذلك نظرا لموجة نزوح وسط سكان هذه المنطقة إلى أفغانستان إثر تلك العمليات.
هذه ليست أول مرة تنفذ القوات الباكستانية عمليات عسكرية في المناطق القبلية لوزيرستان الشمالية، بل قبل هذا ولمرات عدة، تم تنفيذ مثل هذه الهجمات وقتل فيها وفي معارك استخبارتية أخرى عدد من زعماء القبائل، ولقد كان تأييد سكان هذه المنطقة للإرهاب، الذريعة الأربز لشن مثل هذه الهجمات. أما هذه المرة فإن تنفيذ هذه العمليات الواسعة جاء متزامنا مع انتخابات الرئاسة الأفغانية، وقد أثار أسئلة لم تلق جوابا بعد.
محاولة التفاهم مع الحكومة الأفغانية
مع بدء عمليات القوات الباكستانية على وزيرستان الشمالية، ظهر تهديد المجموعات التابعة لحركة طالبان المعارضة مع إسلام آباد، والموجودة في أفغانستان أكثر من ذي قبل، ثم توجهت موجة سكان المناطق المهاجَمة نحو المناطق الشرقية الأفغانية، وكل هذه الأحداث أقلقت الجانب الباكستاني بشكل كبير. لأن باكستان تعتقد بأنه وفي حال وقوع قيادة طالبان وعناصرها في أيدي أجنبية أو أفغانية تتضاعف التهديدات، والتي تتمثل في أنشطة مسلحة كالهجوم الأخير على مطار كراتشي. وتلك حالة تمهد الطريق لاستخبارات المنطقة أن تخطط هجمات مثل ذلك وأن تنفذها عبر هذه المجموعات المسلحلة.
بعد تشكيل الحكومة الباكستانية الجديدة بزعامة نواز شريف، وبدء العمليات العسكرية على وزيرستان، حاول الجانب الباكستاني، الحصول على التفاهم والتعاون من الجانب الأفغاني في حربها مع طالبان، وبناءً عليه وبعد زيارة وفد من قبل الحكومة الباكستانية إلى أفغانستان، زار السيد دادفر سبنتا مستشار الأمن القومي للرئيس الأفغاني إسلام آباد لتبادل المشورة بخصوص الحرب الدائرة على حركة طالبان باكستان.
ولكن السيد سبنتا وبعد رجوعه إلى أفغانستان، صرح للصحفيين ما اشترطه الجانب الأفغاني على إسلام آباد، وبأنه لا يعتمد على الباكستانيين دون أن يرى منهم تعاونا عمليا. وفي نفس الوقت انتقد السيد سبنتا باكستان بسبب “مشاركتها” في الهجمات التي وقعت في ولاية هلمند.
حاليا تحس باكستان بتهديدات كبيرة من قبل أفغانستان والهند وأمريكا وحلف شمال الأطلسي أو “الناتو”، ومع ذلك يستمر قصف القوات الباكستانية على المناطق الشرقية الأفغانية، وهو أمر يزيد من حدة التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين، ويلعب دورا كبيرا في اضمحلال الثقة بين طرفين.
العمليات على وزيرستان والأهداف
لقد واجهت باكستان أخطارا وأضرارا كبيرة من وزيرستان الشمالية منذ بضع سنوات الماضية، ويبدو أن هذه المنطقة، إلى جانب عوامل أخرى، تدفع البلد كلها نحو هاوية خطيرة. ولنفس السبب بقيت هذه المنطقة الهدف الأبرز للمجوعات المسحلة، والقوات الباكستانية والطائرات الأمريكية بلاطيار على حد سواء.
ومن جانب آخر يقال، إن وضع الضغوط على المجموعات التابعة للملّا فضل الله، وإحداث الفرقة بين قيادة حركة طالبان باكستان من قبل الجيش الباكستاني، وبدء مفاوضات السلام مع طالبان باكستان بزعامة خالد محسود “سجنا”، هدف رئيسي من وراء تلك العمليات.
إن مجيء طالبان بزعامة الملّا محمد عمر وانتشارهم في 2001م، ومن ثم مجيء طالبان باكستان بزعامة الملّا فضل الله وانتشارهم في 2009م، على الجانب الآخر من خط “ديورند” أمران حدثا في نفس المناطق القبلية.
ويبقى النقد الأبرز على هذه العمليات هو أن الجيش الباكستاني لا يوفر المعلومات الصحيحة للشعب، ويدعي في الهجمات اليومية بمقتل عدد من المسلحين والمقاتلين الأوزبك، والحال أنه لا يُسمح للصحافة الأجنبية أن تقترب من موقع الحدث. إن خسائر كبيرة تحدث في صفوف المدنيين، ويبدو أن العمليات الحالية لا تأتي بما تتوقعه إسلام آباد من نتائج.
تشهد مناطق مختلفة في باكستان حضورا صارخا لمجموعات يتم نصبها من أجل استغلالها للحصول على أهداف إقليمية. تم استغلال السكان المحليين في الماضي أيضا في المناطق القبلية، وقد تم استغلال هذه القوى البشرية من قبل الاستخبارات السعودية والأمريكية وغيرها في الحرب النيابية أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.
بعد 2001م، وتشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، تمت زعامة المعركة مع هذه الحكومة من تلك المنطقة أيضا، ولكن هذه المرة فقد شملت شرارة هذه الأخطار باكستان بنفسها دون توقع منها، وتحاول الحكومة الباكستانية حاليا عبر أنشطة استخباراتية معقدة، وإجراءات شديدة لتنقذ نفسها من تلك الأخطار والتحديات.
لجوء سكان وزيرستان إلى أفغانستان وقلق إسلام آباد
إثر هذه المؤامرات الاستخباراتية والحرب المفروضة على سكان وزيرستان الشمالية الأبرياء، غادر قرابة 500ألف شخص بيوتهم، وقد عبر أكثر من 70ألف منهم خط “ديورند” الافتراضي.
إن انتشار مرض شلل الأطفال أو “بوليو” كان أول تهديد ظهر مع هذه الموجة من النزوح السكاني. وإلى جانب ذلك أظهر بعض وسائل الإعلام الأفغانية قلقا عن وجود مسحلين بين هؤلاء اللاجئين إلى أفغانستان. ولكن رغم ذلك كله، لقي هؤلاء اللاجئين ترحيبا حارا وتمت مساعدتهم على نطاق واسع.
مع أن الجيش الباكستاني حدد موعدا لمن كان يريد النزوح إلى منطقة أخرى، ولكن كان قد صرح أن لا يلجأ سكان هذه المنطقة إلى أفغانستان، لأن السيطرة على هؤلاء اللاجئين ستصبح أزمة كبيرة، وستواجه باكستان تحديات أخرى من هذا الجانب. لكن رغم ذلك فقد عبر كثير من هؤلاء النازحين خط “ديورند”، وهذا أمر قد تشهد باكستان بسببه تغييرات كبيرة في المستقبل. النهاية
الکاتب: عبدالله الهام جمالزي