مرة أخرى، وخلال لقاء له مع مجلة غربية، اعتبر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الحرب على طالبان طيلة 13 سنة، مؤامرة أمريكية غربية، وقال إن الأمريكان والغربيين أرادوا بهذه الحرب أن ينفذوا مشارعهم في المنطقة.
يأتي هذا التصريح فيما بقي شهر واحد فقط، من ولاية كرزاي الرسمية، ويرى البعض أنه يريد بهذا أن يبرز نفسه كبطل في المعركة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الرسالة التي يريد الرئيس الأفغاني أن يوجهها بهذه الأقوال؟ وما هو السبب الرئيسي لهذه التصريحات؟
انتقادات منذ البداية
منذ بضع سنوات أراد الرئيس الأفغاني، عبر مواقف مخالفة لأمريكا والغرب أن يوصل رسالة إلى الشعب الأفغاني وإلى المسؤولين الأفغان في الحكومة القادمة. لقد أراد حامد كرزاي بطريقة أو بأخرى أن يخبر شعبه بما تجري على أرضها من ألعاب سياسية تديرها الأيادي الغربية.
لقد ظهر هذا التوجه لدى حامد كرزاي في الآونة الأخيرة، وكان يعرف منذ البداية أهداف الغرب ومشارعه، وما يحيك من مؤامرات بحق البلد، وهذا يجعل البعض يتسائل، لماذا سكت كرزاي في البداية عن المؤامرات الغربية بشأن أفغانستان؟ ولماذا لم يتخذ إجراءات صارمة منذ البداية، ليخفف من حدة هذه المؤامرات وتأثيرها السلبي، طيلة السنوات الماضية؟
إنهم يستغلون هذه التصريحات الثنائية المخالفة، للسيطرة على القلوب والأذهان، ويعتبرونها أمرا ظاهرا، تخفى في باطنها أمور كثيرة.
لا يبدو هذا الرأي مصيبا إلا حد كبير، لأن المواقف الأخيرة لحامد كرزاي تُظهر بأنه أدرك أمورا كبيرة، ولا يريد بكتمانها أن يترك البلد يواجه تحديات أكثر في مستقبلها. وهو أمر جعله منذ خمس سنوات الماضية، يدلي بتصريحات شديدة ومخالفة بخصوص المؤامرات الغربية. وأما السؤال عن سكوت كرزاي منذ البداية، تجاه الخطوات العدوانية بحق أفغانستان، رغم تفاهمه مع الغربيين ومعرفته لأهدافهم ومشارعهم، فالإجابة عنه معلومة وهي أن حكومة كرزاي في البداية لم تكن من الاستقرار والقوة بحيث يمكنها من الوقوف في وجه الغربيين، ولكنه أخيرا أدرك أن النظام في البلد قد وقف على قدميه وقويت فرائسه.
لقد حدث أول صدام بين حامد كرزاي وأمريكا سنة 2009م، إثر الانتخابات الرئاسية الأفغانية، بعد أن أيّد البيت الأبيض الدورة الثانية من ولاية حامد كرزاي –جاء موقف أمريكا، قبل إعلان نتائج الانتخابات الأفغانية من قبل لجنة الانتخابات الأفغانية، واعتبر حامد كرزاي فائزا ورئيسا منتخبا لأفغانستان-، فانتقد حامد كرزاي هذا السكوك الأمريكي في لقاء له مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، وقال إن على أمريكا وحلفائها المعرفة بأن أفغانستان دولة حرة، وهي التي تقرر لنفسها في شؤونها الداخلية. أضاف كرزاي حينه: “صحيحا قالوا، من يعطي الخبز هو الذي يعطي الفرمان، ولكن أفغانيا واحدا لن يقبل أن يكون رئيس بلده، تابعا للأجانب”.
بعد ذلك وخصوصا في السنوات الأخيرة، استغل حامد كرزاي كل فرصة، للهجوم على أمريكا والغرب، وبذلك أرسل رسائل إلى الشعب الأفغاني وساسته أن يدركوا الحقائق.
دوافع الرئيس الأفغاني لأخذ هذه المواقف
إن الفترة الباقية من ولاية حامد كرزاي قصيرة، ولكن الأهم في الأمر أنه لا يزال يتحدث كرئيس للبلد، وإن لأقواله ثقل كبير، ولا ينتهي الأمر بالقول إنه يريد أن يخرج من المعركة بطلا. يبقى السؤال الذي يقول، ما هو الهدف الرئيسي من هذه التصريحات للرئيس الأفغاني حامد كرزاي؟
يمكن لهذه التصريحات أن تكون لأسباب عدة. أولا إن الرئيس الأفغاني أدرك مسؤوليته ويريد أن يكشف العوامل الأساسية لمصيرة بلده المُرّة. ثانيا إنه يريد أن يكشف الغطاء عن وجه الخدع الأمريكية والغربية، لرئيس جديد يخلفه، كي لا يضحي الأخير بمصالح البلد في الوصول إلى الكرسي، وأن يبحث طريقا نجاة للأزمات الراهنة. ربما حاول حامد كرزاي خلال حكمه معرفة أهداف الأصدقاء الأجانب والآن يريد أن يفصح عن تجاربه.
وعلى زعماء المستقبل أن يُمعنوا النظر في تصريحات السيد كرزاي تجاه النيات الغربية السيئة. وليس أمرا ساذجا وبسيطا أن يدلي شخص في مكانة رئيس البلد، بتصريحات كهذه دون وجود أية معطليات وشواهد حقيقة.
ثم إن صمت المجتمع الدولي ومعه أمريكا تجاه هذه التصريحات، مصادقة منهم على حقيقتها، ويبدو أن أقوال حامد كرزاي ليست مبنية على العواطف، بل هي أسرار يكشفها الرجل بعد تجارب طويلة.
كان من المحتمل أن يحصل السيد كرزاي على رصيد أكبر بتوقيعه للاتفاقية الأمنية، وحينما ارتفع الجدل بشأنها كان البعض يرون أن الرئيس كرزاي يريد بتردده من التوقيع أن يضمن مستقبله، وأنه سيوقع الاتفاقية حتما، ولكن ظهر فيما بعد أنه لم يكن ينو توقيع الاتفاقية أساسا. مع أن الرئيس الجديد يرى بقائه رهن توقيع هذه الاتفاقية إلا أنه ينبغي أن يستفيد من تجارب كرزاي خلال 13 سنة مع الأمريكان والغربيين، ومن معرفته للمؤامرات الغربية، ومن ثم على من يخلف كرزاي أن يتعلم كثيرا من هذه الأمور.
بعد سقوط حكم طالبان، قتل المئات في الحرب الأفغانية، ولا تزال الإحصاءات بشأن قتلى هذه المعركة غير دقيقة. وإن لم ينتبه الرئيس الجديد للمؤامرات الأمريكية الغربية، بشكل لائق ومطلوب، فإن حرب أمريكا المفروضة في أفغانستان سيطول أمدها بعيدا، وستُحَمّل البلد خسائر كثيرة. النهاية
الکاتب: حکمت الله زلاند