على وشك نهاية عام آخر في أفغانسان –عام 1393 الهجري الشمسي-، نتوقف عند تغييرات العام الذي مضى لنقرأ في ضوئها الاحتمالات الآتية في العام الآتي:
المشاكل السياسية
ففي العام الذي مضى، جرت في أفغانستان الانتخابات الرئاسية. وسبقت الانتخابات شائعات كثيرة بأن الرئيس السابق حامد كرزاي لا يريد أن يتخلى عن منصبه. ولقيت الانتخابات إطراءا كبيرا من قبل وسائل الإعلام الحكومية والأهلية والمجتمع المدني، وأصبحت لحضور النساء فيها سمعة جيدة واسعة. وجرت محاولات كثيرة أيضا لكتمان ما حدث في الانتخابات من التزوير. وحاول المراقبون الدوليون بأن لا يظهروا أهمية لهذا التزوير.
ولم تسفر الجولة الأولى من الانتخابات نتيجة حاسمة، وفي الجولة الثانية قدّم فريق المرشح الرئاسي عبدالله عبدالله وثائق لتثبت بأن مؤيدي المرشح أشرف غني مارسوا تزويرا واسعا في الانتخابات. وصل الأمر إلى تدخل المجتمع الدولي للوساطة، ولكن إعادة فرز الأصوات كلها تحل الأزمة أيضا، وأخيرا وبسبب ضغط وتدخل أمريكيَيْن تم أخذ القرار بعدم إعلان فائز ولا فاشل في الانتخابات وعلى أساس ذلك تم تشكيل حكومة باسم “حكومة الوحدة الوطنية”.
ولم يكن من السهل تشكيل حكومة مشتركة بين فريقَيْن منافسَيْن اتهم كلا الطرفين الآخر بالتزوير، وهو أمر حال دون التوافق على تقاسم الحقب الوزارية بين الفريقن بعد مُضي أكثر من 150 يوما.
الاتفاقية الأمنية مع أمريكا
مع أن الإجراءات اللازمة لهذه الاتفاقية تمت إبان حكم حامد كرزاي، وتم عقد “مجلس الأعيان”، بحكم من كرزاي ليصوت لصالح الاتفاقية، ولكنه أبى بعد ذلك عن توقيع الاتفاقية. وأما أشرف غني فقد قام، بعد يوم واحد من حلفه رئيسا للبلد، بتوقيع الاتفاقية ليستمر معه دعم المجتمع الدولي للحرب الأفغانية، وأن يبقى عدد من القوات الأجنبية في أفغانستان في إطار هذه الاتفاقية بعد أن انتهت مهلة الناتو القتالية في أفغانستان.
مع أن أشرف غني قال إن السلام مع المعارضة المسلحة يكون على صدر الأولويات لديه، ولكنه وبتوقيع الاتفاقية وضع أولى شروط حركة طالبان، وهو انسحاب القوات الأجنبية كاملة من أفغانستان، في حالة من الغموض.
تغيير في السياسة الخارجية
مع أن أفغانستان وفي مرحلة حكم حامد كرزاي لم تكن لديها سياسة خارجية مدونة، وكانت الأوضاع اليومية تصوغ سياسته الخارجية، إلا أن البلد عززت علاقة جيدة مع الجانب الهندي. وسبب موقف الهند الداعم لأفغانستان قلقا واسعا في الأوساط الباكستانية.
ولكن أشرف غني وبسياسة الابتعاد عن الهند، جعل إسلام آباد ترفع خطوات للاقتراب من كابول. واعتبرت وسائل الإعلام الباكستانية هذا التغيير كبيرا وغير مسبوق، وبشكل لم يجرب البلدان مثل هذا الاقتراب في 13 سنة مضت.
وفي صعيد مخالف، أُعتبر هذا التغيير فشلا في الهند، ولخّصت “مجموعة دهلي للسياسة[1]“، القلق الهندي في تقرير بعنوان (ماذا يمكن للهند أن تتوقع من حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية)، بشكل آتي[2]:
- قبل كل شيء، قال أشرف غني لـ”أجيت دوول”، مستشار الأمن الوطني الهندي بأن أفغانستان لا تطلب أكثر من هذا مساعدة عسكرية من الهند،
- ثانيا، إنه منح تنازلات كثيرة لباكستان،
- ثالثا، بطلب منه تستضيف باكستان مؤتمر وزراء دول قلب آسيا، بدلا من الهند،
- رابعا، وصلت دول أفغانستان، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية إلى نتيجة بأن باكستان لن تسمح بالهند بأن تنقل الأمتعة التجارية عبر أراضيها.
وبالنظر إلى هذا القلق الهندي يمكن أن نقول، بأنه وعلى عكس ما يصرح به المسؤولون في “حكومة الوحدة الوطنية”، بأنهم يأخذون قرارات السياسة الخارجية بروح حيادية وأنهم يراعون التوازن في علاقاتهم مع الدول، على عكس ذلك نرى أنهم لم يراعوا التوازن في العلاقة بين الهند وباكستان وأن كفة الميزان تميل للثانية.
برنامج السلام
وكان الهدف من تغيير السياسة الخارجية الأفغانية تجاه باكستان، من قبل حكومة الوحدة الوطنية في عام 1393 الهجري الشمسي [2015-2014]م، هو الحصول على تأييد باكستاني في عملية السلام الأفغانية. ويمكن تأويل ذلك بالقول بأن أفغانستان إن لم تحظى بالسلام فإنها لن تزدهر أبدا.
ويمكن أنه قيّم الأمور بالرأي الذي يقول إن مصلحة يصنعها الدعم الهندي هو لاشيء أما ضرر تتحملها أفغانستان من الاضطرابات الأمنية. فإن للفساد والأزمة الأفغانية صلة قريبة من الحرب الدائرة في البلد.
فيما يعول الجانب الأفغاني في اقتصاده على المناجم، فإن سرقة المناجم الأفغانية في مناطق مختلفة من البلد، وبسبب الاضطرابات الأمنية، جعلت حركة طالبان تحدث لجنة باسم “لجنة المناجم”، وهي لجنة تعقد العقود مع الأفراد والشركات، وتحصل الحركة بذلك على جزء من ذخيرتها الحربية.
عام 1394 الهجري الشمسي [2016-2015]م:
تستقبل أفغانستان في هذا العام انتخابات برلمانية، ويحتاج الشعب إعادة تنشيط للذهن، بعد أن جربوا السوء مما مضى من انتخابات فاشلة. ولا يمكن ذلك إلا بإجراء إصلاحات شاملة في اللجان الانتخابية. والخلاف على توزيع الجنسيات البرقية أزمة أخرى، تضع الانتخابات أمام أزمة أخرى كبيرة.
وكانت الحكومة الائتلافية بتوقيع الاتفاقية الأمنية تأمل من المجتمع الدولي بأن يدعمها في مجال الميزانية الضرورية، ولكن المجتمع الدولي يحس بقلق شديد بشأن الفساد الموجود في البلد. ومن جهة أخرى ليس العالَم اليوم في عام 2001م، وليست أفغانستان بعد على قائمة أولوياته. ولم ترغّب الدعاية حول تواجد “داعش”، في أفغانستان قبيل مؤتمر مونيخ المجتمع الدولي لدعم أفغانستان أيضا. ولذلك ليس هناك أمل لتحسين الأوضاع الاقتصادية الأفغانية في العام المقبل.
في صعيد العلاقات الخارجية، تحسنت العلاقة مع أمريكا أكثر من أيام الرئيس السابق، ولكن أشرف غني وبمعرفته حول أمريكا لا يتوقع مساعدة بلاحدود أمريكية مثل أيام كرزاي. ومن هنا يحتاج بأن يركز على الموارد الداخلية، وهو أمر يستلزم أمنا واستقرارا في البلد. ويبقى ملف المصالحة مع المعارضة المسلحة طي شائعات إعلامية، تعتبرها حركة طالبان محاولة استخبارية لضرب الثقة في صفوف الحركة.
وبشكل عام يمكن أن نقول بأن الحكومة الأفغانية الجديدة، لا تزال تعاني من ميراث حكومة كرزاي، بل هي تواجه مشاكل ناشئة من تلك المرحلة. وهي حكومة تحاول إظهار نفسها واحدة قوية، ولكن القليل يفكر كذلك. وقد تأسست آلية هذه الحكومة بطريقة تعرقلها، والدليل على ذلك تأخير إعلان الحقب الوزارية.
وبهذا يمكن لنا أن نلخص الأمر، بأن فشل الحكومة الجديدة أو فوزها يبقيان رهن عملية السلام الأفغانية في عام 1394 الهجري الشمسي، والتي يمكن أن تغطي كل عيوبها. وهي عملية ليست لها بداية واضحة ولا وجهة محددة. النهاية
[1] Delhi Policy Group
[2] See online:
“First of all, President Ghani told Indian National Security Advisor Ajit Doval that Afghanistan would no longer seek Indian military aid. Second, he made a series of hugely concessional offers to Pakistan. Third, Pakistan will host the next Heart of Asia Ministerial instead of India. Fourth, Afghanistan, China and the U.S. now appear to accept that Pakistan will never allow transit trade to India through its territory.”