تظهر من دراسة الاتفاقية الأمنية الثنائية بين أمريكا وأفغانستان والتي تشتمل على ست وعشرين مادة وملحقين الأمور التالية:
نقاط هامة للاتفاقية الأمنية
- هذه الاتفاقية في حقيقة الأمر وثيقة تعطي حق إقامة القواعد الأميركية الدائمة في أفغانستان، وتطلق يد القوات الأميركية التي ستتواجد في أفغانستان بعد عام 2014م في كل ما تريد أن تفعله، كما أنها تعطي صلاحيات واسعة وكبيرة للمتعاقدين مع تلك القوات أيضا.
- ستقيم أميركا تسع قواعد عسكرية داخل أفغانستان في الأماكن الاستراتيجية التالية: كابول، قاعدة باجرام الجوية (أكبر قاعدة جوية في أفغانستان تقع شمال كابول في ولاية بروان)، ومزار شريف (من العواصم الكبيرة في شمال أفغانستان)، وهرات (الولاية المتاخمة للحدود الإيرانية)، وقندهار (الولاية المتاخمة لحدود ولاية بلوشستان الباكستانية)، وهلمند، وجرديز (جنوب أفغانستان)، وجلال آباد (شرق أفغانستان)، وشين دند (ثاني أكبر قاعدة جوية في ولاية فراه غرب أفغانستان). هذا التنوع في المناطق التي اختيرت للقواعد يشي بأن الهدف ليس ما يتم الاعلان عنه، بل هناك أهداف استراتيجية أخرى قد تشمل مناطق خارج الحدود الأفغانية.
- لم يتم تحديد عدد القوات الأميركية التي ستتواجد في هذه القواعد، ويبدو أنه قد أُهمل ذلك عن قصد ليكون الطرف الأميركي مطلق اليد في ذلك.
- هذه الاتفاقية ستكون سارية لمدة عشر سنوات مبدئيًا، وستتجدد تلقائيًا إن لم تُلْغَ وفق النظام المحدد في البند الرابع من مادة رقم 26، وهذا يعني أن القواعد التي تقام هنا هي قواعد دائمة، وليست مؤقتة.
- يحق للقوات الأجنبية المتواجدة في هذه القواعد القيام بالعمليات العسكرية؛ فقد نصت الاتفاقية في المادة الثانية، البند الرابع على: “اتفق الطرفان على أن العمليات العسكرية الأميركية لكسر القاعدة والجماعات الموالية لها يمكن أن تكون في إطار الحرب المشتركة على الإرهاب”، ولم تستجب أميركا في ذلك لمطالب الحكومة الأفغانية بخصوص عدم دخول القوات الأجنبية إلى بيوت الأفغان وتفتيشها، فإن التزامها بذلك التزام مشرو، ومن جانب آخر بقي مصطلحا “الإرهاب” و”المجموعات التابعة للقاعدة” دون تعريف.
- تنص المادة السابعة من الاتفاقية على أن هذه القواعد تكون تحت تصرف القوات الأميركية بالكامل، تديرها كما تريد، وتبني فيها ما تريد من غير قيد أو رقابة، ولا يُسمح لأحد أن يدخلها إلا بإذنها، وتكون مجانية. وعلى أساس الفقرة السابعة تبقى حدود التأسيسات الأمريكية في أفغانستان غير محددة ما يسمح لهم باستخدام مناطق أخرى كقواعد.
- يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة الأميركية من الأراضي الأفغانية كمخزن للأسلحة والأجهزة الأخرى؛ فإن المادة التاسعة تنص على أن القوات الأميركية تستطيع أن تخزّن السلاح والأجهزة والمؤن داخل قواعدها وفي الأماكن التي يتفق عليها الطرفان، وأن القوات الأميركية لها حق الملكية على تلك الوسائل والأجهزة وحق الرقابة داخل الأراضي الأفغانية كما يحق لها نقل هذه الوسائل والأجهزة والأغراض خارج أفغانستان.
- تنص المادة العاشرة من الاتفاقية على أن أفغانستان تسمح للطائرات التي تتبع القوات الأميركية أو الطائرات التي تعمل للقوات الأميركية بكل ما تحتاجه، وأن هذه الطائرات لا تدفع شيئًا من الضرائب أو أجرة استخدام المطار أو أجرة الوقوف في المطارات الأفغانية. وبشكل عام عُفيت القوات الأجنبية، والأفراد التابعون لهم من جميع أنواع الضرائب، وأجر المرور، والحال أن أمريكا لو التزمت بهذه الضرائب كان لأفغانستان أن تحصل من أمريكا على أكثر مما التزمت به.
- تنص المادة نفسها على أن أفغانستان تسمح لوسائل النقل التابعة للقوات الأميركية بالدخول إلى أفغانستان والخروج منها والتجول فيها من غير تسجيل أو رقابة، وأن الطائرات ووسائل النقل التابعة للحكومة الأميركية تُستثنى من كل أنواع الرقابة والتفتيش والتسجيل، ودفع الضرائب.
- تنص المادة الحادية عشر على أن العقود التي تعقدها القوات الأميركية في أفغانستان للتموين وبناء المباني وغيرها تكون تابعة للقوانين الأميركية في كل شيء، وأن عملاء القوات الأميركية في أفغانستان والمتعاقدين معها يستثنون من جميع أنواع التسجيل والضرائب إلا ما تدفعه مرة واحدة لإدارة الدفاع عن الاستثمار عن استخراج جواز العمل الذي تكون مدته ثلاث سنوات.
- يحق للقوات الأميركية وعملائها والمتعاقدين معها أن تستفيد من الخدمات العامة؛ مثل الكهرباء والماء والغاز وغيرها بنفس التكلفة التي تُوفّر بها هذه الأشياء للقوات الأفغانية المسلحة من غير أن يدفعوا أية ضريبة إضافية على ذلك.
- ستخصص دولة أفغانستان ترددات إذاعية وتليفزيونية للقوات الأميركية، ويكون ذلك مجانًا من غير أن تدفع أميركا مقابلها أي شيء، ويحق للقوات الأميركية الاستفادة منها في كل ما تحتاجه، كما أن الاتفاقية تنص على أن القوات الأميركية يحق لها أن تبث برامج ترفيهية لجنودها ومنتسبيها عن طريق تلك الترددات المختصة بها،ومن المعلوم أن تلك البرامج الترفيهية لن تكون قاصرة على حدود القواعد العسكرية بل ستتجاوزها إلى المناطق السكنية، وهو ما يثير مخاوف ثقافية من تأثير هذه البرامج.
- ومن أهم ما تشتمل عليه هذه الاتفاقية الحصانة القضائية الكاملة للقوات الأميركية المتواجدة في أفغانستان؛ فإن المادة رقم 13 تنص على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يتمتعون بحصانة قضائية كاملة في أفغانستان، فإن هؤلاء لن يحاكموا وفق القانون الأفغاني على أية جريمة يرتكبونها ضد أي أحد داخل الأراضي الأفغانية، ولا يحق للجهات الأمنية الأفغانية إلقاء القبض على أي أحد من منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين تحت أية ظروف، وإذا حصل ذلك وأُلقي القبض على أحد من هؤلاء تحت أية ظروف أو لأي سبب يسلمه للجهات الأميركية بأسرع ما يمكن، كما أنه لا يسلم أي أحد من أفراد القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين إلى أية محكمة جنائية عالمية أو إلى جهة أو دولة أخرى من غير موافقة صريحة من أميركا.
- تنص المادة الرابعة عشر على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يحق لهم حمل السلاح من غير أن يكونوا بحاجة إلى استصدار رخصة حمل السلاح من الحكومة الأفغانية.
- تنص المادة الخامسة عشر على أن منتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين يحق لهم الدخول إلى أفغانستان من جميع البنادر والمطارات أفرادًا وجماعات من غير تأشيرة أو جواز سفر، بل يكفي في ذلك أن يقدموا بطاقات هويتهم الصادرة من قبل الحكومة الأميركية، وأنهم مستثنون من قوانين تسجيل ومراقبة الأجانب في أفغانستان.
- وتلزم الاتفاقية الحكومة الأفغانية بإصدار تأشيرات مدتها سنة متعددة الدخول لعملاء القوات الأميركية والمتعاقدين معها، وأن ذلك يتم بسرعة، وإذا امتنعت السلطات الأفغانية عن إصدار التأشيرة لأحدهم، فإنهم ملزمون بإخطار القوات الأميركية بذلك.
- وتنص الاتفاقية في المادة السادسة عشر على أن القوات الأميركية يحق لها استيراد ما تريد، كما أنها تستطيع أن ترسل ما تريد خارج أفغانستان من غير أن يدفعوا مليمًا واحدًا كالضريبة والجمارك وغيرها، ومن غير أن يكون لأحد حق التفتيش أو الرقابة “إلا في ظروف استثنائية خاصة”، ولا يلزمهم حين الاستيراد والتصدير أي نوع من الإذن أو الرخصة.
- تنص الاتفاقية في مادة رقم 17 على أن أعضاء القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين معفون من جميع أنواع الضرائب التي تضعها الحكومة الأفغانية على كل من يعمل داخل أفغانستان، كما أن المتعاقدين مع القوات الأميركية الذين لا يقيمون في أفغانستان وليسوا من سكان أفغانستان معفون من كل أنواع الضرائب كذلك.
- تنص المادة الثامنة عشر والتاسعة عشر على أن الجهات الأفغانية ستعتمد رخص القيادة الصادرة من قبل الجهات الأميركية، كما أن الرخص الفنية الصادرة من قبل الجهات الأميركية لمنتسبي القوات الأميركية من المدنيين والعسكريين ستعتمد من قبل السلطات الأفغانية، وأن الرخص الصادرة للسيارات ووسائل النقل من قبل الجهات الأميركية ستكون معتمدة لدى السلطات الأفغانية، وأن السلطات الأفغانية ستصدر أرقامًا خاصة للسيارات التي تحتاجها القوات الأميركية بأرقام أفغانية من غير تكلفة أو ضريبة.
- على أساس المادة الرابعة والعشرين، لا تستيطع أفغانستان أن تراجع الوسطاء أو المحاكم الدولية حال ما تقوم أمريكا بما يخالف الاتفاقية: “أي نوع من اختلاف الرأي، أو التنازع بخصوص تفسير هذه الوثيقة أو تنفيذها، يتم حلها عبر تشاور الطرفين، ولا ينبغي الرجوع في ذلك إلى أي محكمة وطنية، أو دولية، أو أي محاكم أو مؤسسات متشباهة لحل مثل تلك القضايا”.
إلى جانب ما سبق ورد في بعض المستندات، التي أرسلها الوفد الأفغاني المفاوض أن الإدارة الأميركية تصر على أن يتمتع جهازها الاستخباراتي وطائراتها بدون طيار بحرية أكثر مما ورد في بنود هذه الاتفاقية، وأن جهاز (CIA) وعمليات أميركا بطائرات بدون طيار لا يكونان خاضعين لهذه الاتفاقية.
إن هذه الاتفاقية تعطي الحرية الكاملة للقوات الأمريكية، ولعملاءها متعاقديها، وبقدر ما تزداد هذه الحرية لتلك القوات تنخفض السيادة الأفغانية الوطنية.
تعهدات أمريكا غير الملزمة
لم تتعهد أميركا بشيء في مقابل كل ما تريد أن تحصل عليه من أفغانستان، فقد كان الوفد الأفغاني المفاوض يطالب أميركا بأن تتعهد بتوفير ميزانية معينة للقوات الأفغانية المسلحة، إلا أن أميركا لم تتعهد بمبلغ معين توفره كميزانية للقوات الأفغانية المسلحة، بل كررت في هذه الاتفاقية نفس الكلام الذي ورد ذكره في الاتفاقية الاستراتيجية التي تم توقيعها في 5 مايو/أيار عام 2012م، فإنه قد ورد في البند الثالث من المادة الرابعة، بالإشارة إلى مواد الاتفاقية الاستراتيجية بين أفغانستان وأميركا وبالنظر إلى قرارات مؤتمر شيكاغو عام 2012م من مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية أن تبحث عن منابع مالية لتدريب القوات الأفغانية المسلحة والشرطة والأمن وتجهيز تلك القوات وتقويتها بصورة مستمرة إلى أن تتمكن أفغانستان من تحمل أعباء الدفاع عن نفسها، وهذا لا يلزم أميركا بشيء، لأنها تعهدت بالبحث عن منابع مالية لذلك، فإنها ستبحث لكن إن لم تجد فليس عليها أن توفرها حتمًا.
أما بالنسبة للاعتداء الخارجي فإن ما تعهدت به في المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة حال تعرض أفغانستان لاعتداء أجنبي التشاور وعقد الجلسات المشتركة، وتنص الاتفاقية في البند الثالث من المادة المذكورة: حين تعرض أفغانستان للاعتداء الأجنبي أو التهديد بالاعتداء يتشاور الطرفان بصورة منظمة بخصوص الخطوات السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة ويكون ذلك جزءًا من الرد على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، كل البنود الواردة في هذه المادة المذكورة تتلخص في التشاور حول الرد المناسب على الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، وهذا لا يرقى أبدًا إلى ما كانت الجهة الأفغانية المفاوضة تطلبه.
لكن هذه الأمور كلها التي ورد ذكرها في الاتفاقية والتي تكفلت بها الولايات المتحدة الأميركية لا ترقى إلى المستوى الذي يمكن التنازل من أجله عن حق السيادة الوطنية، ومن هنا يرى كثير من المحللين أن التحول المفاجئ في موقف حامد كرزاي حول توقيع هذه الاتفاقية نشأ عن الشعور بالغبن فيها. لقد توقع حامد كرزاي أن تكون الاتفاقية أكثر مما هي، وتوقع معها إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان.
كما قال في افتتاح المجلس: “نخوتي ترفض إعطاء القواعد لبلد أجنبي في أفغانستان، وأنا أقرر ذلك بحثًا عن الصلح، فإن لم نصل إلى الصلح نتيجة هذه الاتفاقية نكون قد خسرنا كل شيء، سيبقى هؤلاء مطمئنين في قواعدهم ونحن سنتقاتل بيننا وسنكون مثخنين بالجراح”.
عملية السلام
تعطي الاتفاقية الأمنية صلاحيات واسعة للجانب الأمريكي، وإزاء ذلك قُدّمت للجانب الأفغاني التزامات غيرمحددة، وبدلا من إدراج تعهدات ملزمة في نص الاتفاقية استخدمت كثيرا كلمات “الاحترام” وغيرها التي لا تكون ملزمة بحال.
بما أن هذه الاتفاقية لا تعزز اقتصاد أفغانستان ولا استقرارها، فبوجودها تبدو عملية السلام التي هي من أشد احتياجات أفغانستان مستحيلة إلى عام 2024م، وبعد ذلك أيضا إذا تم تجديد الاتفاقية بناءً على المادة 26، وبقيت القوات الأجنبية في أفغانستان سوف لا يوجد هناك أمل بإحلال الأمن في أفغانستان.
سوف تتقوى صفوف المعارضة المسلحة في أفغانستان إثر توقيع الاتفاقية، وستصبح حربها مفهومة أكثر من ذي قبل.
ومع أن الرئيس أشرف غني قال بعد توقيع الاتفاقية إنه من الممكن إحداث التغيير في الاتفاقية، إلا أن كلامه هذا لا يبدو أبدا عمليا. إذ لم تقبل الولايات المتحدة أثناء المحادثات بشأن هذه الاتفاقية كثيرا مما طرحته أفغانستان، فكيف يمكن أن تغير الاتفاقية نزولا عند طلب أفغانستان؟! النهاية