أثارت تصريحات وزيري الداخلية والدفاع أمام مجلس الشيوخ الأفغاني، بخصوص ارتفاع مستوى الضحايا في صفوف الجيش والمدنيين، خلال ستة شهور الأولى من العام الجاري، قلقا شعبيا كبيرا على مستقبل الحرب الدائرة في البلد.
اعتبر المسؤولون الأمنيون هذه السنة أكثر السنوات دموية للجيش الأفغاني، بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان، ويبدو من هذه التصريحات أن القوات الأفغانية تواجه تحديات أمنية كثيرة.
ضحايا الجهات المشاركة والمدنيين
صرح وزير الداخلية الأفغاني عمر داؤدزاي في مجلس الشيوخ الأفغاني، أن هذه السنة كانت أكثر دموية للأفغان. لقد لقي 2212 شرطيا مصرعهم خلال ستة شهور الأولى من العام الجاري، وجرح 2506 من عناصر الشرطة. وهي نسبة عالية من الخسارة خلال سنة واحدة للقوات الأفغانية.
وقد أشار الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إلى ارتفاع مستوى الضحايا في كلمته في حفلة “أسبوع تقدير الشهداء”، وقال إنه وعلى أساس التقارير الأمنية يُقتل 50 أفغانيا يوميا. ومن جانبه أكد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع لوكالة ألمان للأنباء، أنه وفي كل أسبوع يُقتل 100 جندي أفغاني في هذه الحرب.
وعلى حد قول الوزير قتل خلال هذه السنة 5503 أشخاص من المعارضة المسلحة، وجرح 2380 آخرون.
ولكن الأرقام الواردة بشأن الضحايا في صفوف المعارضة المسلحة، لم تنشر قبل هذا ولا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة بشأنها، إلا أن المسؤولين الأمنيين يريدون بذلك توجيه كثرة الضحايا في صفوف القوات الأفغانية، فيقومون بنشر أرقام ضخمة عن ضحايا المعارضة المسلحة.
بناءً على معلومات وزير الداخلية الأفغاني، قتل 955 مدنيا في ستة شهور الأولى من العام الجاري وجرح 2394 آخرون. ولكن هذه الأرقام ضئيلة جدا بالنسبة لضحايا المدنيين، لأن مكتب الأمم المتحدة في أفغانستان أو “يوناما” أكد في تقرير أخير له مقتل 1560 مدنيا خلال ستة شهور الأولى من عام 2014م، ويبلغ عدد الجرحى بناءً على هذا التقرير 3280 مدنيا.
عمليات القوات الأجنبية
مع أن القوات الأمنية الأفغانية تدعي أنها حاربت هذه السنة وحيدة ودون مساعدة الأجانب، وهو سبب ارتفاع الضحايا في صفوفها، ولكن في الحقيقة القوة الجوية الأجنبية هي التي ساعدت الحكومة الأفغانية في بقاء سيطرتها على كثير من المناطق، وخلال مغادرة هذه القوة الأجنبية خرجت تلك المناطق من سيطرة الحكومة الأفغانية.
إن لم تكن هناك مشاركة أجنبية في الحرب، لماذا يُقتل تقريبا بشكل يومي عشرات الأفغان نتيجة لقصف الطائرات الأجنبية؟ والحال أن المسؤولية الأمنية تم تحويلها في جميع المناطق للقوات الأفغانية.
في هذه الأيام الأخيرة، قتل في ولاية كونر إثر عمليات مشتركة للقوات الأفغانية والأجنبية، 14 امرأة وأطفال، وجرح 13 آخرون، وقد نددت منظمة العفو الدولي ومندوب الأمم المتحدة في أفغانستان يان كوبيش هذا الحادث.
وتسبب طائرات أمريكية بلاطيّار في هجماتها المتتالية، عمدا أو على أساس معلومات استخباراتية خاطئة، مقتل عدد كبير من الأفغان، إلا أن المسؤولين يظهرون للجميع أن هذه الطائرات إنما تستهدف المجموعات المسلحة فقط.
ويُذكر من الهجمات الأخيرة لهذه الطائرات ما حدث في ولاية نورستان، حيث قُتل 41 مدنيا، وفي ولاية هرات حيث قُتلت أربع نساء مع الأطفال، وفي ولاية لوغر قتل أربعة أفغان بينهم أطفال، وفي ولاية كندهار قتل ثلاثة أفغان، وكذلك تم ضرب مركز للشرطة في ولاية بروان حيث لقي ثلاثة من عناصر الشرطة مصرعهم.
وفي السنوات الأخيرة سببت مثل هذه الهجمات موجة من هجمات انتقامية بين الجنود الأفغان، ففي آخير حادثة من هذا النوع قتل جندي أفغاني ثلاثة عناصر من القوات الأمريكية، قبل أن يلقى هو مصرعه بنيران القوات الأمريكية.
وفي صعيد متصل حدث انفجار في منطقة آمنة من كابول لقي فيه 8 جنود أجانب مصرعهم، وهو أمر قلّص من تحرك هذه القوات في أرجاء البلد، إلا أن هجمات القوات المعارضة تسبب خسارة كبيرة لهؤلاء الجنود الأجانب الذين لم يتمكنوا من إبعاد الخسارة الروحية عنهم رغم جعلهم الحرب أفغانية من الطرفين.
تعهدات بتجهيز الجيش الأفغاني
عندما تعهد الرئيس الأمريكي بإنهاء الحرب الأفغانية “من أجل أمريكا” فقد تعهد بتحويل المسؤوليات الأمنية تماما للقوات الأفغانية.
وفي أول مرحلة منها تم تسليم مسؤولية كابول الأمنية للقوات الأمنية في شهر أغسطس 2008م. وبعدها أعلنت الناتو أن هذه العملية ستتم إلى عام 2014م.
وقد أيد أعضاء الناتو هذا الاقتراح في مدينة شيكاكو في شهر مايو عام 2012م، وحسب الخطة تم تحويل جميع المسؤوليات الأمنية إلى القوات الأفغانية، ولكن التعهدات الجانبية لهذه العملية تبقى غير عملية حتى هذه الأيام.
حينها تعهدت أمريكا والناتو بتدريب القوات الأفغانية وبتوفير أسلحة حديثة لها، ولكن القوات الأفغانية حاليا لا تملك من الأسلحة إلا قليلا ضئيلا، والقوات الأجنبية أثناء مغادرتها لبعض المناطق وعند تعذر نقل عتادها العسكري أقبلت على تدميرها، بدلا من إعطاءها للقوات الأفغانية.
في كل قمة دولية تتعهد الدول بتدريب القوات الأفغانية وتجهيزها، وآخرها كان قمة لندن، ولكن المساعدات التي تقدم إما هي ضعيفة جدا، وإما تبقى غير عملية، وإما الحكومة الأفغانية لمشاكلها الداخلية لا تحسن استغلالها، ولذلك خسرت أفغانستان بلايين الدولارات من المساعدات الدولية.
ومن جانب آخر، تزداد هجمات المعارضة المسلحة يوما بعد يوم، وهناك قوات أفغانية كثيرة تعيش حالة من الحصار في كثير من المناطق البعيدة، إذ تصلها التعزيزات من الطريق الجوي فقط، ورغم ذلك يصرح المسؤولون الأمنيون أن الحالة غير حرجة وأن اليد العليا في المعركة لهم.
وفيما يتحدث المسؤولون الأمنيون عن إفشال آلاف الهجمات المسلحة، يصرحون أن بعض المديريات تخضع لسيطرة حركة طالبان منذ سنوات كثيرة. وفي هذه السنة أيضا سقطت مديريتان أخريتان في أيدي حركة طالبان بسبب توسيع الحركة نطاق تحركها المسلح، وهناك مديريات أخرى على وشك السقوط.
مع أن المسؤولين الأفغان يقولون إنهم قاتلوا هذه السنة وحدهم ودون مساعدة الأجانب مع المعارضة المسلحة، ولكن في الحقيقية كانت القوات الأجنبية توفر مساعدة للقوات الأفغانية في القتال. وفيما تنتهي مهلة بقاء القوات الأجنبية بنهاية عام 2014م، وتخسر القوات الأفغانية مساعدة الأجانب، وفيما يبقى عدم تجهيز القوات الأفغانية ساريا، كما يبدو، فإن مستوى الضحايا في صفوف القوات الأفغانية سيرتفع بشكل ملحوظ، وقد تسيطر المعارضة المسلحة على بعض مناطق أخرى أيضا. النهاية