منذ 2001م، وبعد أن غزت القوات الأمريكية أفغانستان، حدثت في أرجاء البلد هجمات منظمة بين فينة وأخرى، وهي هجمات لم تقبل مسؤوليتها إلى الآن أية جهة مسلحة تقاتل الحكومة الأفغانية أو القوات الأجنبية، وتبقى الجهة المسؤولة عنها مجهولة حتى اللحظة.
وفي هذه العمليات تم استهداف مواقع تبين أن وراءها حرب استخباراتية معقدة. يبدو من هذه العمليات ومن المواقع التي تم استهدافها أنه وفي 13 سنة مضت، كانت هذه السلسلة تُنفذ بطريقة منظمة وبخطة دقيقة.
إن هذا الوضع يتشابه كثيرا مع الحالة العراقية بعد الغزو الأمريكي وحدوث هجمات أخرى هناك، والتي ظهر بعض حقائقها إثر الانسحاب الأمريكي من العراق.
دور الحلقات الأجنبية في الحرب النيابية
في الحرب الأفغانية الدائرة تتبع كل مجموعة لجهة ما، ولكن الأذهان العامة إنما وُجهت تجاه حركة طالبان دون غيرها. إن الحلقات الاستخباراتية الغربية تنفذ هجمات عبر شركة “بلاك ووتر” وتسعى من وراء ذلك أن تحصل على أهدافها. هناك أحداث كثيرة تبيّن أن الحلقات الاستخبارات الغربية تملك عصابات مسلحة في هذه الحروب وتستغل مجموعات أخرى أيضا.
هذه الحرب النيابية ربطت كثيرا من الحلقات مع بعضها البعض. ففي الأوضاع الراهنة إذ تهدد باكستان “صديقة أمريكا الاستراتيجية” أفغانستان بالهجمات الجوية والأرضية وتقدم مطالب عجية وغريبة، فإنها تفعل ذلك بإيماء الأصدقاء الغربيين، وهو أمر يُظهر مشاركة جهات كثيرة في اللعبة الجارية. وإن صمت القوات الدولية ومنها المتواجدة في أفغانسان تجاه ما تقوم به باكستان على المناطق الحدودية مع أفغانستان إضافة إلى هجمات تنفذها القوات الباكستانية على المناطق الشرقية في أفغانستان، قضية جعلت الأفغان يدركون بعض خفايا هذه اللعبة المميتة.
إلى جانب باكستان هناك دول، هي الأخرى تلعب دورها الكبير في هذه الحرب. تنافس روسيا وإيران وأمريكا على صعيد المخدرات، ومن ثم تحافظ على دورها المؤثر في اللعبة السياسية. من جانبها لم تبق الصين على الحياد، وهي أيضا تسعى من أجل مصالح لها هنا، ولكن الغربيين “كما يقول حامد كرزاي” يحرضون اللص على السرقة ويوقظون صاحب الدار! وهم استغلوا سياسة ايجاد الفرقة، وإن أحداثا كالنزاعات والمشاجرات العنصرية الأخيرة في ولاية هرات تمثل تهديدا مستقبليا كبيرا على مستوى البلد.
حرب نيابية وهجمات مشوهة
إن الشهرين الماضيَيْن كانا من أكثر الشهور دموية للشعب الأفغاني، إذ حدث انفجار في ولاية بكتيكا، لقي فيه أكثر من مئة شخص مصرعهم، بعدها تمت عملية قتل 15 أفغانيا في ولاية غور، وهي عملية إعدام جماعي لم تقبل مسؤوليتها أية جهة وحتى المعارضة المسلحة نددت بمثل هذه العمليات بعض الأحيان. إذن من ينفذ هذه العمليات، ولأي أهداف ينفذها؟ لماذا لا ترُفع خطوات جادة للعثور على الجهة الأصلية وراء هذه الأحداث، من أجل كشف هويتها والوقاية من شرها؟
منذ 13 سنة والأفغان يذهبون ضحية لهجمات تنفذها الحلقات الاستخباراتية الأجنبية من أجل مصالحها، ومن جانبه يقوم الإعلام الغربي والأفغاني بدعايات معكوسة بشأن هذه الهجمات.
إن المشكلة الكبرى في أفغانستان تتمثل في أن الغربيين يلعبون بعقول الشعب، وهم يديرون المؤامرات والمعارك الاستخباراتية بطريقة لا تظهر الأهداف الحقيقية من ورائها للشعب. مع تواجد قراءات كثيرة حول تلك الأحداث، تبقى عواملها وأهدافا خفية عن شعب يذهب ضحية لها، بل إن عوامل هذه الأحداث وأهدافها تبقى طي الكتمان ولا تُنشر حتى معلومة بشأنها.
في السنوات الماضية، أظهرت كيفية الهجمات والأحداث، أن الحلقات الاستخبارتية تحرص تماما على استهداف أماكن يثير ضربها انتقادات واسعة وتوفر لهذه الحلقات، فرصة للاستغلال الدعائي منها. ويتبين من نوعية هذه الحرب وكيفية تلك الهجمات أن الجهة النافذة لها غير معلومة، خلافا لما يحدث في أماكن أخرى، وهو أمر يظهر وجود أهداف مخططة وراء الكواليس تريدها الجهة التي تخطط تلك العمليات.
إطلاق سراح السجناء… لعبة أخرى
قبل أيام قليلة وفي ولاية غور قامت مجموعة مسلحة بإيقاف سيارة مليئة بالركاب ومن ثم أخرجوا الجميع وقتلوا منهم كل منتسب إلى عرقية معينة. إن هذه الحادثة لها أهداف استخباراتية تحاول حلقات أجنبية الوصول إليها، وكانت تهدف إلى نشر العنصرية والنزاعات القومية من جانب وإلى وضع ضغوط إضافية على حامد كرزاي بخصوص إطلاق سراح السجناء الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل القوات الأجنبية من جانب آخر.
لقد حاول الرئيس الأفغاني حامد كرزاي خلال السنوات الأخيرة من حكمه أن يطلق سراح الآلاف من السجناء الأبرياء ألقت القوات الأمريكية القبض عليهم. في السنة الماضية وللمرة الأولى اعتبر السيد كرزاي سجن بغرام “مركزا لصناعة طالبان”. مع انتقاد بعض الأفغان على هذا الموقف من قبل كرزاي، ولكنه وبحكم صحبته الطويلة على مدى أكثر من عقد من الزمن، قد أدرك مؤامرات الأجانب بحق أفغانستان، ويعرف خططهم تجاه البلد، وهو يشير إلى ذلك بين فينة وأخرى أيضا.
إذ وقف الرئيس الأفغاني حامد كرزاي موقفا معارضا في وجه بعض خطط الغرببين وبرامجهم، فإنهم استغلوا كل حربة لديهم في هذه المعركة بدءً من البرامج الإعلامية وصولا إلى هذا النوع من الهجمات. لقد ظهرت بعد الأحداث الأخيرة، أن الإعلام الموالي للغرب والمدعوم منه، يحرف الواقع بشكل ممنهج ومنظم ويغير الأحداث رأسا على عقب، إثر كل حادثة.
وفي الحادثة الأخيرة أيضا، تم إلصاق القضية على موقف السيد كرزاي من إطلاق السجناء، وكان قد أطلق سراح بعض السجناء لعدم تواجد شواهد ضدهم، إذ أن القوات الأمريكية ألقت القبض عليهم أثناء تفتيشها، وقد قضوا سنوات طويلة في الحبس دون محاكمة أو إثبات الجريمة.
بداية إن لم تكن هذه الدعايات من أجل أهداف استخباراتية، فإن عددا قليلا من السجناء يتم إطلاق سراحهم، كيف يمكن لهم أن ينفذوا مثل هذه الهجمات؟ وكيف يحصلون فور خروجهم من السجن على قدرة تمكنهم من تنفيذ هجوم معقد وفتاك كهذا؟ وإن هذه الدفعة وإن تشمل بعضا من معارضي الحكومة المسلحين، فإن ذهابهم إلى ميدان القتال صعب جدا، حتى وإن يدخلوا المعارك فهل المعارضة المسحلة لا تملك غيرهم من المقاتلين، ولا تستطيع أن تنفذ هجوما دون مساعدة هؤلاء؟
إن كان إطلاق سراح السجناء عملا خطيرا للغاية، فلم باشرت أمريكا نفسها بإطلاق سراح أهم سجناءها من سجن غوانتانامو؟ في حقيقة الأمر، حبس أهم السجناء في سجن غوانتانامو ومن ثم إطلاق سراحهم، يمثل جزئية مهمة من هذه اللعبة الجارية، وقد استغلت أمريكا هذه الورقة كثيرا. إن سجناء بغرام تم حبسهم وكانوا يقبعون في السجن كرصيد أمريكي في انتظار الاستغلال، وفي الصعيد نفسه يُعتبر حبس الأبرياء من الشعب الأفغاني، لعبة أمريكية لنشر العداوة في البلد، وقد أقدمت القوات الأجنبية على هذا العمل سعيا وراء أهداف معينة.
موقف حامد كرزاي تجاه المؤامرات الجارية
مع أن كرزاي وصل إلى سدة الحكم في البلد بفعل القبضة الأمريكية، وقد تبين في السنوات الأخيرة أنه كان مكتوف اليد أمام المؤامرات الأجنبية، ولكنه حاول من حين لآخر أن يوجه رسالة موقظة للشعب، ليقوم هو في وجه المؤامرات الأجنبية. إلا أنه وبسبب عرقلته أمام أهداف الحلقات الأجنبية في المنطقة، يواجه تهديدات مختلفة بعد انقضاء حكمه.
من جانب آخر، فإن السيد كرزاي نفسه هدف لتلك المؤامرات، وإلى جانب حدوث بعض المشاكل، فقد أخذت هذه المعركة أقرب أعضاء أسرته في السنوات الماضية، ولكنه يدرك الآن جيدا، حقيقة من أطلق اللعبة وما يجري في أفغانستان، ولذلك اتخذ موقفا معارضا تجاه بعض الحلقات الأجنبية.
إن حامد كرزاي قضى 13 سنة في صداقة وقرابة مع المجتمع الدولي، وقد حكم البلد خلال هذه الفترة أيضا، ولذلك يُعتبر خبيرا بشؤون السياسة الأفغانية من الدرجة الأولى. وليس الأمر ببساطة ما يحكم عليه بعض “المحللين السياسين” أن السيد كرزاي أصدر قراره بشأن إطلاق سراح السجناء بناءً على مصالح ذاتية، وأنهم يدركون اللعبة السياسية أكثر من رئيس البلد! النهاية
الکاتب: حکمت الله زلاند