مقدمة
مع أن القوات الأجنبية خفّضت من حدة قصفها على المدنيين الأفغان في الآونة الأخيرة، إلا أنه ولمرة أخرى يوم الثلاثاء 15أبريل/نيسان 2014م، راحت نساء وأطفال ضحية لقصف نفذتها قوات أمريكية في ولاية خوست.
متى تكتمل الأهداف من وراء تلك الحملات؟ إلى متى تستخدم أمريكا هذه الوسيلة للوصول إلى أهدافها؟ وهل تتغير إستراتجيتهم هذه يوما؟ تتكرر أخبار مثل هذه الحملات ولكن الإمعان في كيفيتها يثير أسئلة كثيرة أخرى، ناقشها السيد حكمت الله زلاند المحلل السياسي ويقدمها إليكم مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية:
من سيحاكم القتلة الأقوياء؟
في مؤتمر بن كانوا يتحدثون عن العدالة الانتقالية وعن محاكمة مجرمي الحرب، وكانوا يقدمون برامج من أجل محاكمة مجرمي الحروب. ولكن ألا تستحق القوات الأمريكية محاكمة بعد هذه الجرائم التي ارتكبوها في أفغانستان خلال 13 سنة مضت؟ من سيحاكم هؤلاء المجرمين الدوليين؟
كل مرة تم قصف المدنيين وراح الكثيرون ضحيته، إنتهى الأمر بالتنديد أم بالاعلان أنه حدث خطأ. إن مجرد اعتبار وقوع هذه الحملات بالخطأ إهانة. لماذا يُعتبر وقوعها خطأ؟ لابد من إفصاح أهدافها. هل تريد القوات الأجنبية أن تفهم الحكومة الأفغانية أنها تستطيع فعل أي شيء ولا يمكن لأي أحد أن ترد لها الكيل؟ أم أن هناك أهداف أخرى من وراء هذه الحملات؟
في 13 سنة خلت وفي کل هجوم عمدي نفذته القوات الأمريكية والأجنبية قتل عشرات ومئات من الأفغان الأبرياء العزل، وهي مهمة قتل وتدمير، تولتها منذ بضع سنوات الطائرات بلا طيار واستمرت بها.
لا يملك أحد الإجابة عن سؤال يقول لماذا يرتكب هذه الجرائم والفجائع من يدعي حقوق البشر ويصرخ باسم الحقوق الحريات، وهل سيجلس يوما خلف طاولة المحاكمة أم لا؟ وهل سيحاكم أحد المجرمين الدوليين مطبقا عليهم العدالة الانتقالية؟ أم أن قتل الأفغان جائز لأي أحد ولا يعتبر جريمة حرب؟
وحينما ترتكب جناية بحق الأفغان في كثير من الأحيان لا يقدمون لهم مجرد اعتذار فضلا عن أن تتم محاكمة القتلة، بل يعلنون أن الهجوم حدث خطأ. الأفغان يتصورون الآن أن القوات الأجنبية تملك جوازا لقتلهم ولا أحد يتوقع أن تتم يوما محاكمة هؤلاء المتغطرسين الدوليين بسبب هذه الجرائم خلف طاولات الاتهمام. إلى الآن وعلى رغم من جرائمهم الكثيرة تمت محاكمة شکلية، لواحد من عاملي إحدى الجرائم وهو رابرت بيلز الذي تمت محاكمته الشكلية نيابة عن بقية المجرمين، وكان اتهامه قتل عشرين من الأفغان وحكم عليه بالحبس لمدة قليلة.
من جانب آخر فإن موقف بعض المسؤولين المحليين الأفغان وموقف بعض الاعلام الأفغاني مثير للأسف. كلما وقعت مثل هذه الحملات حاول المسؤولون المحليون أن يحرفوا الحقيقة. فعندما نفذت القوات الأمريكية قبل ثلاث سنوات عملية في ولايت قندهار وفي مديرية بانجوائي وقتلت عشرين من المدنيين العزل في ظلام الليل، في البداية حاول المسؤولون المحليون بتصريحات مضللة التعتيم عما حدث.
إن موقف كثير من الاعلام من هذا السلوك للقوات الأمريكية ملفت للنظر أيضا. فحينما قصفت القوات الأمريكية في شهر مارس 2014م، معسكرا للجيش الأفغاني كان من قبل تابعا للقوات الأجنبية وقتلت في هذه العملية خمسة من الجنود الأفغان، لم ينشر كثير من وسائل الاعلام حتى خبر هذه الحادثة.
هذه المرة أيضا حرّف المسؤولون المحليون في ولايت خوست خبر قتلى القصف الأمريكي على بيت للمدنيين وقالوا إنه حدث جرّاء عملية تدريبية عسكرية للقوات الأمريكية. ولكن ما يحدث هو خطة مدبرة تنفذها القوات الأجنبية من حين إلى آخر وترسل بها رسائل مختلفة.
قتل المدنيين وسيلة قوية لأمريكا
عندما يقتل المدنييون خلال الحرب فإن السبب يكون واضحا، ولكن قصف المناطق التي يسكنها المدنيون العزل بلا سبب معين فله رسائل أخرى معه. وفي الظاهر يعلنون عن هذه الأحداث أنها حدثت بالخطأ. هذا أمر لا يقبله أي منطق أن يتم قصف عشرات الأبرياء ومئاتهم بالتكرار ورغم اعتراضات كثيرة ثم يُعتبر خطأ فني. فإن استمرار الحملات الأمريكية على السكان الأبرياء في السنوات الماضية أظهر أن هذه الحملات وسيلة أمريكية للوصول إلى مطالب سياسية.
عندما امتنع الرئيس الأفغاني حامدكرزاي عن توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولات المتحدة الأمريكية، نفذت القوات الأمريكية عملية في ولاية بروان وقصفت بيوت المدنيين حيث راح أكثر من عشرين مدني ضحية للعملية. ثم أظهرت مستندات أن العملية كانت نوعا ما ردة فعل لموقف السيد كرزاي.
منذ مجيء القوات الأجنبية إلى أفغانستان وبدءً من قصف حفلة عرس في ولايت اروزكان في مديرية دهراوود إلى يومنا هذا فإن نوعية هذه الحملات مثيرة للحيرة، وأحيانا تتمثل هذه الحملات في قصف سكنات الجيش الأفغاني نفسه.
إن أفغانستان تمر بمرحلة حرجة وحساسة، عرقلة المطالب الأمريكية بانتخاب رئيس جديد، موقف الرئيس الأفغاني الجديد من الاتفاقية الأمنية وهناك قضايا أخرى كثيرة من هذا النوع، وفي حل عدم استجابة الأفغان للرغبات الأمريكية فإن أمريكا ستستخدم هذه الوسيلة لنيل مطالبها.
بعيد الانتخابات الأفغانية وفي الأوضاع الحساسة فإن أمريكا بمثل هذه العملية ترسل رسالة إلى الساسة الأفغان مفادها أن أمريكا ستعمل في مستقبل أفغانستان على نيل مطالبها بالطريقة التي تريد وأن الحكومة القادمة مهما كانت قوتها لن تؤثر شيئا في مسار النهج الذي تسلكه أمريكا لنيل أهدافها.
إن تكرار هذه الحملات من حين إلى آخر هو جواب رد و”لا” للرئيس الأفغاني إذ طلب من أمريكا مرارا ايقاف الحملات على بيوت المدنيين والانطلاق الحقيقي نحو إحلال السلام.
من جانب آخر تريد أمريكا بأسطورة الإرهاب أن تحصل على ضمانة لخططها الاستعمارية في المنطقة وتحصل على مواكبة الأفغان لها في مشارعها. هم يريدون بالعنف تنفيذ استعمار جديد في المنطقة يجري على أسس جديدة.
هل تتغير إستراتيجية القتل لدى أمريكا؟
إن الرئيس الأفغاني ندد كثيرا في السنوات الماضية الحملات الأمريكية على بيوت المدنيين واعتبرها خلافا لكل المعاهدات الثنائية وأخيرا جعل إيقافها شرط لتوقيع الاتفاقية الأمنية.
إن هذا الموقف من حامدكرزاي إلى حد ما أثّر في تخفيض حدة هذه الحملات ولكن المواقف الأمريكية تظهر أنها لا تريد أن تترك قتل الأفغان.
قبيل افتتاح المجلس الوطني الأعلى الـ”لويا جرغا” الاستشاري بخصوص الاتفاقية الأمنية تعهد الرئيس الأمريكي اوباما في رسالة بعثها إلى الرئيس الأفغاني أن القوات الأمريكية لا تنفذ حملات على بيوت المدنيين، ولكن اوباما استثنى في رسالته “الأوضاع الخارقة للعادة” من تعهده. هذا القيد كان يعني استمرار الحملات على المدنيين فكل مرة يقومون بتنفيذ عملية يمكن لهم أن يعتبروا الحالة “خارقة للعادة”.
إلى جانب هذا الأمر فإن المادة الثانية في المسودة المجهزة للاتفاقية الأمنية تسمح للقوات الأمريكية بإجراء الحملات حتى بعد توقيع الاتفاقية. ظهر هذا القلق في المجلس الوطني الأعلى الاستشاري بشأن الاتفاقية الأمنية في كلمة الرئيس الأفغاني حيث قال: “إن الأمريكيين في 13 سنة مضت أجروا فعاليات ضد الشعب الأفغاني خلافا لتوقعاتنا، قتلوا المدنيين الأبرياء، فتشوا بيوتهم، لم أكن راضيا بتلك الأعمال، ولكن في حال استمرار هذه الأعمال بعد توقيع الاتفاقية، فهذا يعني أني مؤيد لما يفعلون”. هذا الموقف يرسل رسالة واضحة مفادها أن الأفغان لا ينجون من حملات القوات الأمريكية حتى بعد توقيع الاتفاقية الأمنية.
في السنوات الماضية خالف السكوك الأمريكي تماما مع التعهدات الأمريكية وأظهرت حملات القوات الأمريكية دوما أنهم لا يهتمون بحفظ مصالح الشعب الأفغاني ولا يرون لتصريحات المسؤولين الأفغان ومطالبهم أية قيمة.
حتى إذا تغير القوات الأمريكية أسلوب حربها في أفغانستان نظرا لمصالحها وتستقر في قواعد عسكرية كبيرة، سوف لا ينجو الأفغان من حملاتهم وسوف تستخدم القوات الأمريكية هذه الوسيلة من حين لآخر طلبا لأهداف سياسية. هذا واضح أن ايقاف الحملات الأمريكية على المدنيين غيرمتوقع ما دامت هذه القوت متواجدة على الأراضي الأفغانية.
النهاية