واجهت أفغانستان في عام 1394 الهجري الشمسي، تحديات عدة، ويمكن أن نعتبر هذا العام أكثر الأعوام تحديا خلال عقد ونصف. رغم غموض أوضاع البلد في عام 1394 الهجري الشمسي، لكن يبدو أن تحديات العام الماضي ستلقي بظلال واسعة على العام الجديد، وفي حال عدم وضع حلول لمشاكل البلد قد تواجه الحكومة إنهيارا.
في هذا الجزء من تحليل الأسبوع نناقش التحديات الموجودة أمام أفغانستان في عام 1395 الهجري الشمسي.
السلام
في أولى خطوات منها نشطت حكومة الوحدة الوطنية في سياستها الخارجية من أجل الوصول إلى السلام. في أولى زياراته الرسمية زار أشرف غني السعودية، والصين وباكستان، وذلك من أجل بدء محادثات السلام مع المخالفين المسلحين. إثر ذلك تم عقد جلسة من المحادثات في أورومتشي، من دون نتيجة، ثم عُقدت جلسة أخرى في “مري” الباكستانية، وكانت جلسة محادثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية ومندوبي حركة طالبان.
توقفت محادثات مري بعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، وتدهورت العلاقات الباكستانية الأفغانية لأول مرة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. بعد خمسة أشهر من العلاقات المتدهورة نجحت الجهود الإقليمية والدولية في تحسين هذه العلاقات، وإثرها بدأت محادثات رباعية بين أفغانستان وباكستان والصين وأمريكا. مع أن الحكومة الأفغانية علّقت آمالا كثيرة على هذه المحادثات لكن الجهود في إحضار طالبان إلى طاولة الحوار بائت بالفشل حتى الآن.
إلى جانب ذلك، هناك خلافات كثيرة في الحكومة الأفغانية والجهات السياسية الأخرى بشأن عملية السلام. بالنظر إلى الوضع الأمني في البلد العام الماضي، يمكن القول إن ملف السلام سيكون من التحديات الجادة في أفغانستان العام القادم. ومن المتوقع أن يصبح السلام والإرادة الحقيقية للسلام من أولويات الحكومة.
الأمن
واجهت الحكومة في أفغانستان من الناحية الأمنية في عام 1394 الهجري الشمسي مشاكل كثيرة، نالت من هيبتها وكان العام من أكثر الأعوام دموية. وصل عدد الضحايا المدنية في هذا إلى أعلى المستويات.
بداية عام 1394 الهجري الشمسي، انتشرت تقارير حول ظهور داعش في أفغانستان. رغم أن كثير من التقارير عن تواجد داعش في أفغانستان كانت دعاية إعلامية ولم تكن له أنشطة ظاهرة، لكن داعش أطلق فعاليات كبيرة شرقي أفغانستان، وأضاف تواجده حلقة دموية أخرى في الساحة الأفغانية. وعلى أساس معلومات وزارة الدفاع الأفغانية تم قتل 600 أفغاني خلال ستة أشهر الأخيرة فقط على يد داعش في أفغانستان[1].
بما أن الحكومة وحركة طالبان قاتلتا معا داعش فإن تواجده انكمش كثيرا في البلد، وكان في ذلك دور لطالبان، فقد قاتل مقاتلو طالبان في المناطق البعيدة مع مقاتلي داعش.
من جهة أخرى، اشتدت رحى الحرب شمالي أفغانستان ومن ولاية فارياب إلى بدخشان سيطرت طالبان على عدد من المديريات، وصل الأمر إلى سيطرة طالبان على ولاية قندوز، وفي 6 من شهر ميزان عام 1394 الهجري الشمسي، سيطرت طالبان على مدينة قندوز. وكانت أول مرة تسيطر طالبان على مدينة مهمة بعد سقوط حكمها في 2001م. انتشر خبر سقوط قندوز في الإعلام الداخلي والخارجي، وبعد أسبوعين استعادت القوات الحكومية المدينة[2].
بالنظر إلى الوضع الأمني في العام الماضي، هناك قلق كبير لدى الأفغان والمجتمع الدولي تجاه عام 1395 الهجري الشمسي، والبعض يعتبر العام القادم عام سقوط سياسي. من هنا، يُعتبر الوضع الأمني تحديا كبيرا أمام الحكومة، وهو أمر متعلق بمدى نجاح الحكومة. فإن تمكنت الحكومة من إحلال الأمن، وفي حال فشل عملية السلام، سيكون أثرها سلبيا جدا على البلد.
الفساد الإداري
بعد وصوله إلى سدة الحكم وعد أشرف غني بالكثير للشعب الأفغاني والمجتمع الدولي تجاه الفساد الإداري، وفي الشهور الأولى تم رفع خطوات في هذا المجال أيضا، لكن خطوات الحكومة في المكافحة مع الفساد كانت متناقضة. لم يكن هناك تنسيق بين مسؤولي الحكومة في مكافحة الفساد، ومنه إطلاق سراح خليل الله فيروزي المتهم الأساسي في ملف كابل-بانك، وخرج من السجن ووقّع اتفاقية بناء مجمّع سكني. لكن ردود فعل أخرى ألغت الاتفاقية.
في العام الماضي لم يتقلص مستوى الفساد في البلد، بل ارتفع أيضا مقارنة مع عام 2014م. على أساس تقارير منظمة النزاهة الدولية وانتقلت أفغانستان من المرتبة الرابعة في الفساد إلى المرتبة الثانية عام 2015م، ويعتبر المجتمع الدولي الفساد الإداري من أكبر التحديات أمام الحكومة الأفغانية. فلو فشلت الحكومة في مكافحة الفساد العام القادم، ستواجه مشكلة في جلب الدعم الدولي أيضا.
اللاجئون
مع أن ملف اللاجئين الأفغان في الدول الجارة مثير للجدل، لكن قضية اللاجئين الأفغان في أوروبّا أثارت جدلا كبيرا في الآونة الأخيرة. ففي العام الماضي ذهب قرابة 250 ألف أفغان معظمعم الشباب عبر طرق خطيرة إلى أوروبّا[3]. وأثر الأمر سلبا على أفغانستان من عدة جوانب، خرجت مقادر كبيرة من الأموال من أفغانستان، واتجه الشباب ذوي الدراسات إلى أوروبّا. من جهة أخرى معظم الذين وصلوا إلى الدول الأوروبية لا يُقبلون كلاجئين، ويضطرون للعودة. ومن شأن هذه العودة وضع ضغوط كبيرة على الحكومة.
تمديد مهلة بطاقات اللاجئين في باكستان وتسجيل غير المسجلين منهم، تحدٍ آخر أمام الحكومة في العادم القادم. لأن باكستان وخلافا لتعهداتها لم تفعل شيئا بعد.
الاقتصاد
كان الاقتصاد الأفغاني العام الماضي في وضع غير جيد. وصلت البطالة أرفع المستويات. تقلص مستوى الاستثمار 30%، وتراجعت العملة الأفغانية بشكل غير مسبوق. فيما استمر الوضع الاقتصادي تراجعا في العام القادم، سيؤثر سلبا للغاية على حكومة الوحدة الوطنية. وتُعتبر البطالة أكبر تحدٍ في المجال الاقتصادي، وتؤثر على جميع الأفغان، وفي حال حل هذه الأزمة سوف تتجه الأمور نحو تحسن.
الخلافات الداخلية في الحكومة
إن تقاسم السلطة مناصفة بين عبدالله عبدالله وأشرف غني وضع البلد أمام مشاكل كثيرة في العام الماضي، وسببت هذه المشاكل أن تبقى الحقب الوزارية غير مكتملة بعد عام ونصف من عمر الحكومة. إثر ذلك أيضا، يحكم الولايات قائمون بأعمال الحكام، ولم تصل الحكومة إلى نتيجة في إصلاح النظام الانتخابي، ما أدّى إلى غموض حول مستقبل الانتخابات البرلمانية القادمة. وتم رفع خطوات متناقضة في السياسة الخارجية أيضا، نظرا لهذه الخلافات.
في حال استمرار الخلافات الداخلية في العام القادم، وعدم تمكن زعماء الحكومة من حلها، قد تؤدي هذه الخلافات إلى سقوط.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:
http://www.aopnews.com/isisdaesh/daesh-killed-over-600-afghans-in-six-months-defense-ministry/
[2] راجع، العدد 149 من تحليل المركز:
https://csrsaf.org/ar/blog/%d8%aa%d8%ad%d9%84%db%8c%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1-149-%d9%85%d9%86-2-%d8%a5%d9%84%db%8c-9-%d9%8a%d9%86%d8%a7%d9%8a%d8%b1-20/
[3] راجع، العدد 156 من تحليل المركز:
https://csrsaf.org/ar/blog/%d8%aa%d8%ad%d9%84%db%8c%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1-156-%d9%85%d9%86-27-%d9%81%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d8%b1-%d8%a5%d9%84%db%8c-5/