بعد سنة من الانتظار اختارت حكومة الوحدة الوطنية أخيرا في 21 من فبراير رئيس المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، مع التشكيلة الجديدة، وأعلنت عن ذلك رسميا. فقد تم اختيار سيد أحمد جيلاني قيادي جهادي سابق، رئيسا للمجلس، وتم اختيار كريم خليلي، وحبيبة سرابي، وعطاء الله سليم، ومولوي خبير، وحاجي دين محمد، ومولوي خدام مساعدين للرئيس.
أعلنت الحكومة الأفغانية التشكلية الجديدة قبل يومين من عقد الجلسة الرابعة من المحادثات الرباعية. هذا، وقال بيان الجلسة الرابعة بأن المحادثات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان ستبدأ في الأسبوع الأول من شهر مارس في باكستان.
فكيف كان دور المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، في عملية السلام؟ وماذا سيكون أُثر اختيار التشكيلة الجديدة على عملية السلام؟
الضرورة لإحداث مجلس السلام الأعلى!
بعد اشتداد المعارك في 2008م، وبعد أن وصلت حرب أمريكا والناتو عامها الثامن في أفغانستان، أحست الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لأول مرة، بضرورة المحادثات مع المخالفين المسلحين. من هنا، بدأت محادثات بين كاي آيدي مندوب الأمم المتحدة الخاص في أفغانستان وطالبان.
عام 2009م، أسرت طالبان جنديا أمريكا يُدعى باوبركدال، في ولاية بكتيكا، وكان هذا العام والأعوام القادمة دموية كثيرا، لذلك أحست أمريكا بضرورة المحادثات مع طالبان، وأضافت المفاوضات مع المخالفين على جدول الاستراتيجية الحربية.
في البداية أقدمت الحكومة الأفغانية على إجراء حوارات مع أفراد من طالبان. رغم أن معظم هذه اللقاءات جرت مع أشخاص مزوّرين، تظاهروا النيابة عن طالبان، لكن لقاءات حقيقة مع طالبان أيضا حدثت. وفي يونيو 2010م، عقدت الحكومة الأفغانية مجلس أعيان وطني استشاري من أجل السلام، وبناء على اقتراح هذا المجلس تم تشكيل المجلس الأفغاني الأعلى للسلام. (أعقبته ببرنامج الالتحاق بعملية السلام، والعودة إلى الحياة السلمية).
تم اختيار الأستاذ برهان الدين رباني أول رئيس لهذا المجلس. أغتيل رباني في سبتمر 2011م، في كابول، وخلفه ابنه صلاح الدين رباني في رئاسة المجلس. بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تم اختيار صلاح الدين رباني وزيرا للخارجية في يناير 2015م، وشغر منصب رئيس المجلس الأفغاني الأعلى للسلام مدة سنة، إلى أن تم اختيار سيد أحمد جيلاني أخيرا رئيسا لهذا المجلس.
تقييم عمل المجلس
لو أردنا أن نقيّم عمل يمكن لنا أن نقول:
- ألحق المجلس عددا من الأفراد كمخالفين مسحلين إلى الحكومة وعملية السلام،
- ولم تنجز في مجال إجراء محادثات السلام مع المخالفين المسلحين.
على أساس أرقام (UNDP)، من 2010م، إلى الربع الثالث من 2015م، التحق قرابة 10578 شخص مسلح إلى عملية السلام، كان منهم 988 قادة ميدانيين، وسلّموا 8101 أسلحة مختلفة إلى الحكومة[1].
مصطلحات الأفراد المسحلين والقادة الميدانيين أمر يطلب المناقشة. فهل حقا وصلت هذه الأعداد من القادة الميدانيين إلى عملية السلام، علامة استفهام أخرى. لأن عددا من الخبراء من المناطق المختلفة التي جرت فيها هذه العملية يقولون إن التعامل مع العملية كان سياسيا أيضا، وأن المسؤولين وزّعوا الأموال على موالين لهم.
لم يتمكن المجلس الأفغاني الأعلى للسلام بعد من إحضار قادة طالبان إلى طاولة الحوار. هو أمر ستتم مناقشته سلفا، لكن من الواضح أن دور المجلس في السلام رغم صرف مبالغ كثيرة كان صفرا.
إلى الآن لم تنشر الحكومة أو المجلس أي أرقام دقيقة حول المبالغ التي صرفه المجلس للسلام، لكن بالنظر إلى أرقام مؤسسات غير حكومية، تم صرف قرابة 782 مليون دولار، في برنامج “الالتحاق بعملية السلام، والعودة إلى الحياة السلمية”[2]. كما تظهر الأرقام المنشورة من قبل (UNDP)، أن الدول المانحة لأفغانستان دعمت العملية بـ131.766 مليون دولار[3].
عوامل الفشل
يمكن لنا أن نلخّص العوامل الآتية كأبرز عوامل لعب دورا في فشل المجلس في تحقيق السلام:
عدم وجود آليات محددة للسلام: المجلس الأفغاني الأعلى للسلام ومنذ تشكيله إلى الآن، فقد أي آليات محددة لإحضار المخالفين المسحلين إلى طاولة الحوار. أبرز برنامج المجلس تمثّل في “الالتحاق بعملية السلام، والعودة إلى الحياة السلمية”، لكن حركة طالبان اعتبرت العملية “برنامج الاستسلام إلى الحكومة الأفغانية”. فانعدام آلية محددة واقعية لتحقيق السلام في البلد، سببت في فشل محاولات المجلس.
فقدان الصلاحية والحرية: علاوة على فقدان الآلية المحددة للسلام، لم توفر الحكومة الأفغانية صلاحية وحرية كافيتَيْن، لهذا المجلس، كي يعمل بطريقة مستقلة.
وجود مخالفي طالبان في المجلس: كان معظم أعضاء المجلس من ذوي خلفيات حربية ضد طالبان، ونظرت إليهم حركة طالبان بالريبة، وكان ذلك من عوامل فشل المجلس الأفغاني الأعلى للسلام.
عدم التنسيق بين أعضاء المجلس: بشكل عام اجتمع في المجلس للسلام، أفراد مع أفكار مخالفة. فمن جهة في المجلس مسؤولون سابقون لطالبان كعبدالرحيم مجاهد وقد بقى قائما بأعمال الرئيس في المجلس لفترة، ومن جهة أخرى في المجلس مخالفو طالبان مثل الأستاذ سياف. لذلك سبب عدم التنسيق والأفكار المخالفة عرقلة أمام المجلس.
عدم الحياد: تم تشكيل المجلس الأفغاني الأعلى للسلام من قبل الحكومة الأفغانية ويحصل أعضائه على رواتبهم من قبل الحكومة. لذلك بدلا من أن يكون المجلس جهة محايدة، فإنه يُعتبر جهة معارضة. فكثير من مواقف وقرارات المجلس يأتي برغبة حكومية، وقد سبب عدم الحياد فيه أن اعتبرته طالبان “عنوانا لتحقيق المصالح الأمريكية”[4].
الرشوة السياسية: منذ البداية سلّمت الحكومة الأفغانية رئاسة المجلس لأفراد، بدى أن الحكومة تدفع الرئاسة كرشوة سياسية لهم. من جهة أخرى استغل المسؤولون المحليون في هذا المجلس عبر برنامج “الالتحاق بعملية السلام، والعودة إلى الحياة السلمية”، استغلالا سياسيا ودفعوا لمواليهم أموالا.
الزعامة الجديدة ودور المجلس في محادثات السلام
كان حامد كرزاي الرئيس السابق يؤكد على المجلس كعنوان واحد لمحادثات السلام، لكن بعد وصول أشرف غني إلى سدة الحكم، عوّلت الحكومة الأفغانية على باكستان والصين في عملية السلام، وكثير من اللقاءات جرت عبر مندوبين للرئيس ووزير الخارجية. وتم تهميش المجلس الأفغاني الأعلى للسلام خلال هذه الفترة.
في جلسة مري وحيث اجتمع مندوبو الحكومة الأفغانية مع مندوبي طالبان لأول مرة، كان دور المجلس ضعيفا أيضا.
في المحادثات الرباعية بين أفغانستان وباكستان والصين وأمريكا، والتي بدأت من أجل بدء محادثات مباشرة مع طالبان، يشارك مندوب وزارة الخارجية فقط، وهو يظهر انعدام الثقة الحكومية على المجلس، ويظهر دور المجلس حاليا ومستقبليا في عملية السلام. من جهة أخرى، لا يبدو أي تغيير في التشكيلة الأساسية للمجلس، ويبدو أن المناصب دُفعت كرشوة سياسية مرة أخرى.
النهاية
[1] راجع تقرير (UNDP)، في الرابط التالي:
http://www.af.undp.org/content/dam/afghanistan/docs/crisisprev/APRP/APRP-3QPR-2015.pdf
[2] راجع تقرير “بجواك”، حول تقييم عمل المجلس:
http://www.pajhwok.com/en/2015/09/02/huge-expenses-afghan-peace-effort-achieve-little-gains
[3] لمزيد من التفاصيل راجع التقرير في الرابط التالي:
[4] بعد تشكيل المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، اعتبرت طالبان عبر بيان لها هذا المجلس جهة “لتأمين المصالح الأمريكية”، راجع هنا:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan/2010/09/100929_taliban-deny-talks.shtml