في يوم الإثنين 28 من شهر جدي، أعلنت اللجنة الانتخابية الأفغانية تاريخ انتخابات البرلمان والمجالس المحلية. وعلى ذلك تم تحديد 24 من شهر ميزان لعام 1395 الهجري الشمسي يوم إجراء الانتخابات.
وفيما أعلنت اللجنة 24 من شهر ميزان للعام القادم موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، يقول الرئيس التنفيذي في حكومة الوحدة الوطنية: “كل البرامج الانتخابية سيتم إجرائها تحت رعاية لجنة جديدة للانتخابات”. فمن جهة تنشط لجنة الاختيار في اختيار مفوضين جدد للجنة الانتخابية، ومن جهة أخرى يقول رئيس اللجنة الانتخابية لا يمكن لأحد أن يعزلهم من مناصبهم. فإلى أين يتجه النزاع بين الحكومة واللجنة الانتخابية؟ وما هي المشاكل والتحديات الموجودة أمام هذه الانتخابات؟
أزمة الشرعية
اعتبر متحدث عبدالله الرئيس التنفيذي الأفغاني لجنة الانتخابات عارية عن الشرعية، وقال إن إصلاحات إنتخابية من شأنها أن تُنفذ، وسيرسل الرئيس دستورا تقنينيا إلى البرلمان.
وفي الحقيقة، كان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أول نقض صريح للدستور، لأن الدستور الأفغاني لا يعترف بمثل هذه الحكومة. فإن حكومات الوحدة الوطنية يتم تشكيلها في دول تتصارع الأطراف لأعوام طويلة، وتحكمهم حالة من انعدام الثقة، لكنه وفي أفغانستان ومن دون ضرورة أو رغبة شعبية تم تشكيل هذه الحكومة.[1]
وفي فترة الحكومة الماضية ورغم المشاكل الكثيرة، إلا أن أزمة الشرعية لم تكن موجودة، وإلى حد ما أجريت الانتخابات في موعدها، لكن الآن وإلى جانب المشاكل الأخرى هناك أزمة الشرعية في الحكم.
وأثناء إعلانه لموعد الانتخابات البرلمانية أكّد رئيس اللجنة الانتخابية بأن: “على أساس الدستور لا يمكن للحكومة أن تعزلنا، وليس هناك أي قرار بالاستقالة. ويسمح الدستور لنا بأن نستمر في أعمالنا في لجان الانتخابات، لست سنوات”.
على أساس قانون الانتخابات[2]، تنتهي مهلة عمل أعضاء اللجان الانتخابية بعد ست سنتوات، وقد مرت ثلاث سنوات منها. لكن لجنة الانتخابات تقول، إن لجنة إصلاح النظام الانتخابي ولجنة الاختيار تفقدان الصلاحية الدستورية، وتحديد موعد الانتخابات هو من ضمن صلاحيات اللجنة الحالية.
إصلاح النظام الانتخابي
على أساس اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بين أشرف غني وعبدالله وبعد فترة طويلة من التأخير والمنافسة، أحدث الرئيس أشرف غني لجنة إصلاح النظام الانتخابي بقرار رئاسي.
وقد جاء في اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بشأن إصلاح النظام الانتخابي التالي: “بالنظر إلى المادة التاسعة من الإطار السياسي، اتفق الرئيس بأن يقوم بإحداث لجنة خاصة لإصلاح النظام الانتخابي وذلك بقرار رئاسي فور تشكيل الحكومة. ويتم اختيار أعضاء هذه اللجنة بموافقة كل من الرئيس والرئيس التنفيذي، ويقوم مجلس الوزراء بدارسة مقترحات هذه اللجنة ورفع خطوات لازمة من أجل تنفيذها. يُذكر بأن تنفيذ الإصلاحات الانتخابية يجب أن يكون قبل إجراء الانتخابات البرلمانية لـعام 1394 الهجري الشمسي”.
وقد قدّمت لجنة إصلاح النظام الانتخابي في 29 من ديسمبر 2015م، في لقاء مع الرئيس تقريره النهائي مع مقترحات إلى الرئيس وانتهى عملها.
ويأتي إعلان موعد الانتخابات البرلمانية فيما، شكّلت حكومة الوحدة الوطنية باقتراح من هذه اللجنة، لجنة أخرى لاختيار أعضاء جدد بدلا من الأعضاء الحاليين، في لجنة الانتخابات، ليتم اقتراحهم إلى الرئيس.
أصدر الرئيس أشرف غني قرارا تقنينيا لإحداث لجنة الانتخابات لكن البرلمان لم يمرر هذا القرار، مما يعني أن الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجالس المحلية سيتم إجرائها، برعاية اللجنة الحالية في 24 شهر ميزان لعام 1395 الهجري الشمسي في البلد. مع أن الرئيس أشرف غني وإلى الآن لم يدل بأي تصريح بشأن موعد الانتخابات المُعلن، لكن الرئيس التنفيذي يقول إن الانتخابات لا يتم إجرائها برعاية اللجنان الحالية، وأن موعد الانتخابات سيتم إعلانه بعد إجراء إصلاحات وتعديلات في زعامة اللجان الانتخابية. وجائت تصريحات الرئيس التنفيذي بناء على الاتفاقية بين عبدالله وأشرف غني لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لأنها نصت على حتمية إجراء إصلاح في النظام الانتخابي قبل إجراء الانتخابات.
وفي قرار بعث به الرئيس الأفغاني إلى البرلمان من أجل تمديد مهلة عمل البرلمان، صرّح بأن موعد الانتخابات البرلمانية سيتم إعلانه إلى شهر آخر، لكن الرئاسة التنفيذية قالت إن تحديد موعد الانتخابات يأتي بعد إصلاح النظام الانتخابي.
الدستور والتعديل في قانون الانتخابات
تنص المادة التاسعة بعد المئة في الدستور الأفغاني: “لا يُسمح بدرج مقترح تعديل في قانون الانتخابات خلال السنة الأخيرة من مهلة عمل البرلمان”.
وبالأخذ بهذه المادة من الدستور يقول رئيس لجنة الانتخابات إن التعديل في قانون الانتخابات مخالف مع الدستور. وفي الأثناء، لا يرغب رئيس اللجنة وأعضائها المتهمون بالتزوير خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، في ترك مناصبهم أخذا بقانون الانتخابات، لأن الفقرة الرابعة من المادة الثامنة تقول: “يختار الرئيس 9 فيهم امرأتان على أقد التقدير وذلك من بين 27 مرشحا، كأعضاء اللجنة، لست سنوات”.
يقول رئيس اللجنة الانتخابية إنهم أعدوا مسودة لإصلاح النظام الانتخابي وقد تم إرسالها إلى الحكومة، وعلى الحكومة أن تنفذ هذه المسودة، كما وتحذر في نفس الوقت بأنها لا تسمح بأي واحد بالتدخل في انتخابات السنة القادمة.
هذا وقد شكّل من قبل، الرئيس الأفغاني لجنة إصلاح النظام الانتخابي، وقدّمت هذه اللجنة تقريرا ومقترحات إلى الرئيس الأفغاني بشأن إصلاح النظام الانتخابي.
أعلنت اللجنة موعد الانتخابات البرلمانية، فيما لم تكتمل عملية إصلاح النظام الانتخابي كما تعهدت بها الحكومة، ولم تجر إي إصلاحات ضرورية من أجل تضمين النزاهة في الانتخابات.
يرى عدد من المحللين بأنه إذا تم اختيار أعضاء اللجان الانتخابية على أساس تقاسم السلطة بين أشرف غني وعبدالله (50%-50%)، فلن تكون اللجنة محايدة، وسوف يقوم كل منهما بوضع موالين له في اللجنة.
وصلت عملية إصلاح النظام الانتخابي إلى الطريق المسدود بعد أن ألغى البرلمان جميع قرارات الرئيس بشأن إصلاح النظام الانتخابي. حتى النواب الذين كانوا يدافعون بحرارة عن إصلاح النظام الانتخابي في اللقاءت الإعلامية، رفضوا قرارات الرئيس الموصولة إلى البرلمان.
إعلان موعد الانتخابات
منذ شهر كانت تقارير تنتشر بشأن إعلان وشيك عن موعد انتخابات البرلمان والمجالس المحلية. في 29 من ديسمبر 2015م، وفي لقاء مع أعضاء اللجنة الخاصة للإصلاحات الانتخابية، ولقاء آخر مع أعضاء لجنة الاختيار قال إن الحكومة جاهزة لإجراء الانتخابات بين فصلي الصيف والخريف للعام القادم. لكنه اعتبر تحديد الموعد من الصلاحيات الدستورية للجنة الانتخابية، وأن اللجنة سوف تحدد الموعد. وكان عبدالله الرئيس التنفيذي موجودا في اللقاء[3].
بعد هذه التصريحات للرئيس الأفغاني، قامت لجنة الانتخابات بتحديد 24 من شهر ميزان لعام 1395 الهجري الشمسي موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية. وكانت هناك ردود فعل سلبية وإيجابية بشأن هذه الخطوة. وقال عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي بشان تحديد موعد الانتخابات من قبل اللجنة، إن إجراء الإصلاحات ضروري قبل ذلك.
من جهة أخرى، رحّب آخرون بتحديد موعد الانتخابات. يقول أنورالحق أحدي رئيس الجبهة الوطنية الجديدة، وهي جبهة سياسية تُعتبر معارضة للحكومة، إنه يوافق تحديد الموعد، لكنه يؤكد على ضرورة إجراء إصلاحات انتخابية إلى الموعد المحدد. لكنه يرى من الضروري إجراء انتخابات رئاسية إلى جانب انتخابات البرلمان والمجالس المحلية[4].
من سيدير الانتخابات؟
مع إعلان موعد انتخابات البرلمان والمجالس المحلية، ظهرت خلافات على إدارة الانتخابات من قبل اللجنة الحالية، وكيفية الإصلاحات الانتخابية. وقال الرئيس التنفيذي كل الأمور ستُدار من قبل “لجنة جديدة”.
فقد اتفق زعماء حكومة الوحدة الوطنية في الاتفاقية السياسية لتقاسم السلطة على ضرورة وحتمية إصلاح النظام الانتخابي قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، لكنه وإلى الآن لم تحدث أي إصلاحات في النظام الانتخابي.
أصدرت مؤسسة الانتخابات الحرة والعادلة في أفغانستان أو “فيفا” تقريرا أظهرت فيه أسفا على تحديد موعد انتخابات البرلمان والمجالس المحلية من قبل اللجنة الانتخابية، من دون إجراء إصلاحات انتخابية ومن دون التنسيق مع الحكومة والمؤسسات المانحة[5]. وكما واعتبرت مؤسسة الانتخابات النزيهة في أفغانستان أو “تيفا”، تحديد الموعد غير عملي. ومن الاتجاه المعارض للحكومة قالت الشورى الأفغانية للحراسة والثبات إنها لن تشارك في أي انتخابات قبل إصلاح النظام الانتخابي.
تحديات أمام الانتخابات
اعتبرت لجنة الانتخابات أن توفير الميزانية من قبل المجتمع الدولي، وتأمين المراكز والمؤظفين والمواد الانتخابية، وتعاون بقية المؤسسات الأمنية والشعب، مع اللجنة الانتخابية من ضروريات الانتخابات. وبشكل عام يمكن أن نلخّص التحديات الأساسية في الآتي:
ميزانية الانتخابات: مرّر البرلمان الأفغاني ميزانية عام 1395 الهجري الشمسي من دون، أي ميزانية مخصصة للانتخابات. تحتاج الحكومة الأفغانية أن تجلب مساعدات مالية وفنية من قبل المجتمع الدولي، لكن المواجهة بين الحكومة واللجنة جعلت ذلك تحديا كبيرا.
فقد خمّنت اللجنة تكلفة انتخابات البرلمان والمجالس المحلية أكثر من 60 مليون دولار. ليس معلوما إلى الآن، إن كانت الحكومة تدفع هذه التكلفة أم المجتمع الدولي[6].
انتخابات المجالس المحلية: بالنظر إلى أن الانتخابات البرلمانية في المرتين الأوليَيْن جرت خلال أكثر من عقد، ومن المقرر لتُعقد لأول مرة انتخابات المجالس المحلية على مستوى المديريات، فهو أمر صعب. فهناك دائرة انتخابية واحد في كل ولاية للانتخابات البرلمانية، لكن في انتخابات المجالس المحلية كل مديرية تُعتبر دائرة لنفسها، وينبغي إجراء هذه الانتخابات في 398 مديرية على مستوى البلد. والحال أن الحكومة لا سيطرة لها على عدد كبير من هذه المديريات.
الأمن: يُعتبر الوضع الأمني المتدهور تحديا كبيرا أمام الانتخابات البرلمانية، وسيكون لهذا الوضع تأثير كبيرة على هذه الانتخابات. ويكون هذا الأثر أعمق بالنسبة لانتخابات المجالس المحلية مقارنة مع الانتخابات البرلمانية، لأن عددا من المديرات تسيطر عليها حركة طالبان.
على أساس تحقيق لـ”لانغ وار جورنال[7]“، أجري قبل بضعة أشهر، تسيطر حركة طالبان على 29 مديرية من بين 398 مديرية، وفي 36 مديرية تسطير الحكومة على مراكزها فقط، وهي مستهدفة من قبل طالبان للسيطرة عليها باستمرار.[8] من جهة أخرى، تنشط مجموعة داعش في عدد من المناطق، وبشكل خاص يتسع نطاق نشاطه في المناطق الشرقية.
الخلافات السياسية: إن الخلافات السياسية في البلد تحدٍ آخر أمام الانتخابات، وستكون مانعا للانتخابات البرلمانية القادمة. هناك حلقات تؤكد على ضرورة إصلاحات انتخابية قبل إجراء الانتخابات، وآخرون يؤكدون على تغيير أعضاء اللجنة الانتخابية فيما هم لا يريدون ترك المناصب، وآخرون يطلبون إجراء الانتخابات الرئاسية إلى جانب انتخابات البرلمان والمجالس المحلية في الموعد المحدد. بعبارة أخرى، هناك حلقات سياسية تنوي تغيير الحكومة الحالية.
النهاية
[1] مرکز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، تحليل الأسبوع، الإصدار: 122، «الحكومة الأفغانية وأزمة الشرعية»، الرابط:
[2] الفقرة الرابعة من المادة الثامنة، لائحة وظائف وصلاحيات لجنة الانتخابات المستقلة.
[3] لمزيد من التفاصيل، راجع موقع الرئاسة الأفغاني: http://president.gov.af/ps/news/56752
[4] راجع تفاصيل أكثر، في الرابط التالي: http://da.azadiradio.org/content/article/27496414.html
[5] راجع البيان الكامل لـ”فيفا”، على الرابط التالي: http://www.fefa.org.af/New-Site/English/index.php/item/62-fefa-s-stance-on-announcement-of-election-date-parliamentary-district-council-by-the-independent-election-commission
[6] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: http://www.nytimes.com/2016/01/19/world/asia/afghan-panel-sets-election-date-drawing-government-criticism.html?partner=rssnyt&emc=rss&_r=0
[7] لمزيد من التفاصيل، راجع موقع المؤسسة على الرابط التالي: http://www.longwarjournal.org/archives/2015/10/taliban-controls-or-contests-scores-of-districts-in-afghanistan.php
[8] مرکز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، تحليل الأسبوع، الإصدار: 127، « سقوط المديريات وأثرها على الوضع الأمني الأفغاني»، الرابط: