تعهدت الحكومة الباكستانية باستئناف محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أفغانستان، وأن باكستان قد بدأت محاولاتها بشأن ذلك.
سؤال مهم يُطرح هنا وهو: مع أي مجموعة من حركة طالبان ستجري هذه المحادثات؟ يتحدث الإعلام عن حدوث انشقاق في الحركة، فهناك مجموعة بزعامة الملا أختر منصور، وأخرى بزعامة الملا محمد رسول. كما ونشرت تقارير عن حدوث مواجهات عسكرية بين الفصيلَيْن.
مكتب قطر ومحادثات أورومتشي ومري
في جلسة من المحادثات عُقدت في أورومتشي، وأخرى في “مري”، قرب العاصمة الباكستانية، أحضرت باكستان أناسا كمندوبين لطالبان كانوا قد انفصلوا قديما من الحركة، وفي نفس الوقت ألقت السلطات الباكستانية القبض على عدد كبير من المرضى والجرحى للحركة من مستشفيات أهلية في مدينة كويته، لوضع ضغوط عليها كي ترسل مندوبا رسميا إلى الجلسة من مكتب قطر.
اضطر الملا أختر منصور لإرسال عبداللطيف منصور من أعضاء المجلس المركزي للحركة نيابة عنه إلى جلسة مري، لكن مكتب قطر أنكر أي صلة مع جلسة مري خلال بيان أصدره. بعد ذلك تم الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، واستقال طيّب آغا من مكتب قطر، لأسباب منها خضوع الملا أختصر للضغوط الباكستانية وإرسال مندوب إلى جلسة مري من خارج إطار المكتب السياسي مما كان يضر بسمعة المكتب.
وفي جلسة أورومتشي ومرى، أحضرت باكستان أناسا مثل الملا محمد رسول، والملا عبدالرزاق، والملا جليل، والملا حسن رحماني، وحاجي إبراهيم أخو المولوي جلال الدين حقاني وغيرهم، والحال أن واحدا من هؤلاء لم يتمتع بنفوذ في صفوف مقاتلي طالبان. فإن حاجي إبراهيم اشتغل طيلة 14 سنة الماضية بالتجارة ولم تكن له علاقة بمجموعة سراج الدين حقاني، ومع ذلك قدّمته باكستان على أنه مندوب شبكة حقاني. كما وشارك في الجلسة مسؤولون رفيعو المستوى من المخابرات الباكستانية.
من هنا، يرى بعض المحللين بأن الملا محمد رسول ومن أجل مشاركته في الجلستين بدعوة باكستانية، حصل على رصيد ومُنحت له إجازة بأن تتولي زعامة مجموعة من طالبان في منافسة مع الملا أختر منصور.
مكتب قطر ومحادثات مشروع تابي
لقد حاول الباكستانيون طيلة بضع سنوات مضت إغلاق مكتب قطر وإزالة الثقة منه، لكنهم فشلوا في ذلك. واستطاعت حركة طالبان عبر المكتب بناء علاقات مع دول مختلفة، وشاركوا في مؤتمرات وجلسات عدة، مما وفر لهم فرصة إظهار الموقف للعالم. تركمانستان كانت إحدى الدول التي لها علاقات صداقة مع طالبان، وهي علاقات انتهت بالغزو الأمريكي على أفغانستان وسقوط حكم طالبان وانطلقت مع تأسيس مكتب قطر من جديد.
تركمانستان بلد فيه مصادر كبيرة من الغاز، وتريد إصدار غازها إلى جنوب آسيا. وقد بدأت المحاولات من أجل ذلك فور استقلال البلد من الاتحاد السوفيتي، وجرت منافسة بين شريكة بريداس الأرجنتينية ويونيكال الأمريكية على النيل بالمشروع.
أفغانستان كانت على طريق نقل الغاز، لكن الحروب الحزبية ثم حرب طالبان مع حكومة المجاهدين، منعت نقل الغاز منها. سيطرة طالبان على جزء كبير من أفغانستان وعلى الولايات التي يمر منها أنوب الغاز، وتواجد الأمن النسبي في هذه الولايات كانت خطوة نحو انطلاق المشروع من أجل نقل الغاز التركماني إلى باكستان والهند عبر أفغانستان. تمت تسمية المشروع بـ”تابي”، لكنه وبعد فترة من حكم طالبان، بدأت أمريكا تخالف طالبان بطرح ملفات مثل الإرهاب، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، ومنعت الشركات الأجنبية من الاستثمار في أفغانستان كعقوبة اقتصادية، مما أسفر عن تخلي شريكتي بريداس ويونيكال عن مشروع تابي تجنبا من الوقوع في تهمة دعم الإرهاب، وناقضي حقوق الإنسان.
كان طول الأنبوب يصل 1735 كيلو مترا، 735 كيلومترا منها يمر من أفغانستان، لكن الغزو الأمريكي على أفغانستان، واستمرار الحرب في البلد، وخاصة في المناطق التي يمر منها الأنبوب حالت دون تنفيذ المشروع، إلى حد أن تواجد 120 ألف من القوات الأجنبية تحت مظلة الناتو لم يوفر أمنا يكفي لتنفيذه.
والآن وفيما تمر أفغانستان بأوضاع أمنية أكثر حرجا من أي وقت آخر طيلة 14 سنة الماضية، وتسيطر حركة طالبان تقريبا على كل مسير الأنبوب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كيف يمكن أن يبدأ التنفيذ بمشروع تبلغ تكلفته مليارات دولار من دون ضمانة أمنية له من قبل طالبان.
تزامنا مع افتتاح مشروع تابي من قبل زعماء تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، كان شير محمد أستانيكزاي رئيس المكتب السياسي للحركة متواجدا في تركمانستان، وتفاوض مع مسؤولي البلد حول أمن المشروع، وبضمانة من حركة طالبان بزعامة الملا أختر منصور بدأ تنفيذ المشروع.
دور مكتب قطر في الجولة الثانية من المفاوضات
منذ أن نقلت حركة طالبان مكتبها السياسي إلى قطر بهدف إجراء مفاوضات السلام، أكّدت دوما على أن المكتب يبقى هو العنوان الأوحد للمفاوضات. وهي مبادرة بدأها الملا أختر منصور وسد بها الطريق على وجه أناس كانوا يتظاهرون بالنيابة عن حركة طالبان.
لكن مكتب قطر ومنذ البداية واجه مخالفة شرسة من قبل أفغانستان وباكستان. بعد أن ذهب أعضاء المكتب السياسي إلى قطر، صرح لهم الجانب الباكستاني بأن أي جلسة تتم من دون حضور المندوبين الباكستانيين سيخالفها. هو أمر أدّى إلى أن أمريكا والتي قبلت أولا بدور المكتب في محادثات السلام، نزولا عند الرغبة الباكستانية لم يعر اهتماما لدور المكتب في مفاوضات السلام.
الآن وبعد أن أظهرت باكستان جاهزية لإحضار طالبان إلى الجولة الثانية من مفاوضات السلام، ليس معلوما مع أي مجموعة في طالبان ستجري المحادثات، ومن سيشارك في الجلسة. تقول المصادر القريبة من مكتب قطر بعدم وصول أي قرار إليه من الزعامة بجاهزية لمفاوضات السلام.
ضرورة معرفة المندوبين ذوي صلاحية في طالبان
من المقرر أن تبدأ محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بوساطة باكستانية، على الحكومة الأفغانية أن لا تنخرط مرة أخرى في مفاوضات مزوّرة. ينبغي أن يتم التفاوض مع جهة في طالبان تتمتع بتأييد قوي داخل الأوساط العسكرية في الحركة، لأن ذلك وحده يعزز المصلحة الأفغانية فقط.
فيما تريد الحكومة الأفغانية حقا مفاوضات مثمرة ومجدية مع طالبان، عليها أن تطلب من الجانب الباكستاني قبل المشاركة في الجلسة بأن تظهر هوية أولئك الذين سيشاركون في الجلسة نيابة عن طالبان. فهي ضرورة بالغة لدراسة موقف وصلاحيات المشاركين وعلاقاتهم مع الفصائل الداخلية في الحركة، لتظهر إن كانوا يشاركون نيابة عن مكتب قطر، الجهة المخولة إليها ضمانة تأمين مشروع تابي أم لا، لكن ذلك عمل شاق أيضا.
يعتبر الملا محمد رسول سبب مخالفته مع الملا أختر منصور بأن الأخير عميل لدى باكستان، كما وسرد طيب آغا انحياز الملا أختر إلى باكستان في محادثات مري ضمن أسباب استقالته. من هنا إن المشاركة في جلسة تعقدها باكستان ستكون علامة التعلق بباكستان، وهو أمر سيحول دون مشاركة مندوبي الملا أختر منصور في المفاوضات. لذلك قد تُحضر باكستان إلى المحادثات أناسا مثل الملا حسن رحماني، والملا عبدالرزاق، والملا جليل وهم جناح حيادي، ولن تجدي الجلسة معهم أي نفع.
على مندوبي الحكومة الأفغانية بأن لا يذهبوا إلى جلسة لا يعرفون قبل دخول الغرفة مع من سيتحدثون كمندوبين لطالبان، وما هي صلاحياتهم داخل حركة طالبان.
النهاية