في 8 و9 من ديسمبر2015م، تم عقد مؤتمر قلب آسيا لعملية إسطنبول في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وهو المؤتمر الخامس من سلسة عملية إسطنبول (منذ2011م) وتُعقد من أجل بحث الملفات الأفغانية. وقد شارك في المؤتمر عدد كبير من المسؤولين للدول الإقليمية، منهم “يانك يي” وزير الخارجية الصيني، وسشما سواراج وزيرة الخارجية الهندية، وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، ومسؤولون آخرون.
وقد ذهب أشرف غني الرئيس الأفغاني إلى باكستان للمشاركة في هذا المؤتمر ورحّب به المسؤولون الباكستانيون من السياسيين والعسكريين ترحيبا حارا، في مطار إسلام آباد.
لم يكن هدف زيارة الرئيس الأفغاني المشاركة في مؤتمر قلب آسيا فقط، بل أجرى لقاءات ثنائية مع مسؤولي الدول الإقليمية مثل الهند، وإيران، والصين. كما وأجرى لقاءَيْن ثلاثيَيْن، ولقاء رباعيا حول القضايا الأفغانية، وكان محور هذه اللقاءات عملية السلام الأفغانية.
وعلى هامش المؤتمر تم لقاء ثنائي بين الهند وباكستان، وتمت فيه مناقشة كيفية تحسين العلاقات بين الطرفين.
لقد مرت العلاقات الأفغانية الباكستانية خلال عام مضى بكثير من المنحنيات، فما هي هذه المنحنيات؟ وماذا فعلت سلسلة مؤتمر قلب آسيا لعملية إسطنبول؟ وماذا سيكون أثر زيارة الرئيس الأفغاني إلى إسلام آباد على العلاقات الثنائية وعلى عملية السلام الأفغانية؟
العلاقات الأفغانية الباكستانية خلال عام مضى
في العام الماضي وفي محاولة غير مسبوقة خلال 14 سنة الماضية من السياسة الخارجية الأفغانية قام الرئيس الأفغاني بتحسين العلاقة مع الجانب الباكستاني، ومنح تنازلات عدة لباكستان، وابتعد بسياسته بعيدا عن دهلي الجديدة استرضاء لإسلام آباد. وبذلك تصاعدت وتيرة الزيارات المتبادلة بين مسؤولي كابول وإسلام آباد.
بعد هذه العلاقات، تم تعهد قوي بعملية السلام وتكثيف المحاولات من أجل نجاحها. وخلال ذلك حدثت في العاصمة الأفغانية سلسلة من التفجيرات الدامية، واتسعت رقعة الحرب إلى المناطق الشمالية، وتصاعدت الاضطرابات الأمنية في كل أرجاء البلد. إلى جانب ذلك تم تأجيل تعهد إسلام آباد بإجلاس حركة طالبان خلف طاولة الحوار من فترة إلى فترة.
وبعد الحادث الدامي في منطقة “شاه شهيد”، في كابول تدهورت العلاقات بين الطرفين من جديد، وكان ذلك سبب سخط عارم في الشارع الأفغاني، إعلاميا وبرلمانيا وشعبيا، وبعث تنافرا في الأوساط الأفغانية تجاه باكستان، وزادت حدة الضغوط على حكومة الوحدة الوطنية. من هنا غيّرت الحكومة خطتها تجاه باكستان، ونهجت في تحسين العلاقة مع الهند. من جهة أخرى كانت إسلام آباد تصر مرارا ومرارا على أنها جاهزة لبدء عملية السلام الأفغانية من جديد، واستغلت ورقة “البشتو” اللغوية، كما ونشطت دبلوماسية إقليمية لبدء تلك العملية مما أسفر كل ذلك عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين باكستان وأفغانستان.
صفحة جديدة في العلاقات الأفغانية الباكستانية
في بضعة أشهر الماضية تدهورت العلاقة بين كابول وإسلام آباد كثيرا، ومع تصاعد الاضطرابات الأمنية قال الرئيس الأفغاني صراحة: “تواجه أفغانستان حربا غير معلنة من قبل باكستان”. وعلّق العلاقات الثنائية وبدء عملية السلام من جديد بضمانات باكستانية للمجتمع الدولي. وقبل أيام زار عدد من الزعماء الأحزاب القومية الباكستانية كابول، وحملوا رسالة معهم من نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني إلى أشرف غني الرئيس الأفغاني، بشأن لقاء بين الزعيمين على هامش قمة تغيير المناخ في باريس.
مع أن لقاء نواز شريف لم يكن على أجندة زيارة أشرف غني إلى باريس إلا أنه وبرغبة من الزعماء البشتون وبضغوط من الصين وأمريكا، التقى مع نواز شريف في لقاء ثلاثي بوساطة بريطانية وفي لقاء ثنائي بين الطرفين. وفي هذا اللقاء قدّم نواز شريف دعوة لأشرف غني بالمشاركة في مؤتمر قلب آسيا في إسلام آباد، كما وأعلن للمرة الأولى عن خطة رباعية بشأن عملية السلام الأفغانية تشمل الصين، وأمريكا وأفغانستان وباكستان.
بناء على بعض المصادر، لم يتأثر الرئيس الأفغاني بتصريحات نواز شريف في باريس، لكن عندما أجرى مقابلة فيديوهية مع قائد أركان الجيش الباكستاني فإنه رغبه في زيارة باكستان والمشاركة في مؤتمر قلب آسيا. من جهة أخرى أدّت جاهزية أمريكا والصين تجاه الاقتراب الباكستاني الأفغاني إلى وضع ضغوط على أشرف غني برفع خطوة من أجل عودة العلاقات الثنائية إلى الحالة المعتادة. ومن هنا ذهب أشرف غني إلى باكستان للمشاركة في مؤتمر قلب آسيا لعملية إسطنبول، وفوجيء هناك بترحيب باكستاني حارٍ.
باكستان رحّبت أشرف غني بحرارة
عند قدومه إلى باكستان واجه أشرف غني ترحيبا حارا جدا، ومن النوعية التي خصّها الجانب الباكستاني من قبل بالرئيس الصيني والملك السعودي، مما حيّر الجانب الأفاني أيضا. وتكمن عوامل هذا الترحيب في الآتي:
- تريد باكستان أن لا تفقد الحكومة الأفغانية إلى جانب حركة طالبان،
- تريد باكستان أن لا تفقد ورقة كابول بعد زيارة حنيف أتمر، وحكمت خليل كرزاي إلى الهند،
- لقد غيّرت الساحة الاقتصادية بين الصين وباكستان أفكار الساسة والعسكريين الباكستانيين، فهم يجرون الآن محادثات مع البلوش وأسرة “بكتي”، من أجل إنهاء الأزمة. وهو أمر يؤدي إلى أمن أفغانستان الذي يلعب الدور الأبرز في نجاح هذا المشروع الكبير.
- إن الترحيب بالرئيس الأفغاني كان حركة دبلوماسية، لتظهر للعالم وللمشاركين في مؤتمر قلب آسيا صداقتها.
بدء عملية السلام من جديد
بعد إنتهاء مؤتمر قلب آسيا ظهرت الآمال من جديد، بأن تبدأ الجولة الثانية من المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وفي اللقاء الثنائي بين أشرف غني ونواز شريف اقترح الأخير بأن تكون عملية السلام هذه المرة رباعية وتشارك فيها أمريكا والصين إلى جانب أفغانستان وباكستان.
وعلى هامش مؤتمر قلب آسيا، حدث لقاء ثلاثي بين أفغانستان وباكستان وأمريكا، وآخر بين أفغانستان وباكستان والصين، كما وحدث لقاء رباعي بين أفغانستان وباكستان والصين وأمريكا. وبناء على بيانات هذه اللقاءات تم فيها التأكيد على عملية السلام بزعامة أفغانية، كما وظهرت النقاط الثلاث الجديدة:
أولا: قالت أفغانستان وباكستان وأمريكا بضرورة إيجاد أوضاع تبني ثقة لدى طالبان المسلحين بعملية السلام، وترغّبهم في المحادثات؛[1]
ثانيا: سوف تشارك أمريكا والصين في المحادثات مباشرة، وذلك لإنهاء انعدام الثقة بين كابول وإسلام آباد؛
ثالثا: يحافظ على احترام الدستور الأفغاني.[2]
وفي اللقاء بين الرئيس الأفغاني وقائد أركان الجيش الباكستاني تمت الموافقة على بدء عملية السلام من جديد. ومن هنا قال وزير الخارجية الأفغاني: “كانت عملية السلام الأفغانية من أهم القضايا التي تمت مناقشتها اليوم. كل الدول الإقليمية وخاصة الصين وأمريكا وباكستان تعهدت بدعم أفغانستان في هذه العملية. مع أن ذلك يأخذ وقتا، إلا أننا نأمل بأن نرى نتيجته في الأسابيع القادمة”.
أُثر المؤتمر على العلاقات بين أفغانستان ودول المنطقة
وفي حصة من مؤتمر قلب آسيا ومن أجل تحسين العلاقات الثنائية التقى زعماء الدول الإقليمية مع البعض، وقد لعب المؤتمر دورا في تحسين العلاقات بين الهند وباكستان، وبين أفغانستان وباكستان.
العلاقات الهندية الباكستانية: مع أن مودي رئيس وزراء الهند وفي خطوة أخذ زمام المبادرة ودعى زعماء منظمة “سارك”، إلى دهلي، ودعى نواز شريف أيضا، لكن علاقات بلده ورغم هذه الخطوة الظاهرية بقيت متدهورة مع باكستان. وواجه الطرفان مواجهات على الشريط الحدودي، تم تأجيل المحادثات بين الطرفين، ووصلت رقعة تلك العلاقات السيئة إلى ميادين الرياضة أيضا. (فإن إجراء مسابقات الكريكت بين الطرفين مرهون السياسة).
وفي مؤتمر قلب آسيا شارك وزيرة الخارجية الهندية بدعوة من إسلام آباد، وكانت منذ 2012م، أرفع مسؤول هندي يزور باكستان.
وعلى هامش المؤتمر التقت وزيرة الخارجية الهندية مع رئيس الوزراء الباكستاني ومع مستشاره سرتاج عزيز. وفي هذا اللقاء الثنائي ندد الطرفان بالإرهاب، وتعهدا بإزالته. كما ورحّب الطرفان بمحادثات مستشاري الأمن من الطرفين في “بنكاك”، وقررا بحث الملفات المتعلقة الإرهاب. كما وتم تعميم من الطرفين إلى وزارتي الخارجية بأن يتم تحديد مواعد لقاءات بشأن السلام والأمن، وبناء الثقة، وملف كشمير، وسياجين، وأزمة المياه، والاقتصاد، والتعاون التجاري، ومكافحة الإرهاب والمخدرات، وحقوق الإنسان، والعلاقات الشعبية وزيارة الأماكن المذهبية.[3]
العلاقات الأفغانية الباكستانية: بعد مشاركة أشرف غني في مؤتمر قلب آسيا دخلت العلاقات بين الطرفين مرحلة جديدة، وأظهر الطرفان جاهزية لبدء عملية السلام من جديد. رغم أن هذا المؤتمر قد يُخفي لفترة مؤقتة انعدام الثقة بين الطرفين إلا أن أساس العلاقات الثنائية مرهونة بنجاح عملية السلام الأفغانية في جولتها الثانية، وستظهر نتائجها في الشهور القادمة.
العلاقات الصينية الأفغانية: وفي حصة من هذا المؤتمر وفي لقاء بين الرئيس الأفغاني ووزير الخارجية الصيني، حدث تطور نلخصه في الآتي:
- طلبت أفغانستان عضوية بنك الصين الدولي لتنمية آسيا، كي يدعم هذا البنك الصيني أفغانستان في وضع سكة الحديد وتوصيل أفغانستان إلى الصين عبر ميناء واخان،
- اقترحت أفغانستان تعاونا مشتركا بين الصين وأفغانستان وألمانيا في انتاج الطاقة، وبناء البيوت، وفي المجال التنموي. ورحّب وزير الخارجية الصيني بهذا الاقتراح وطلب تشكيل لجنة لبحث الأمر.
- أظهر الجانب الأفغاني جاهزية لإحداث أنبوب غاز من تركمنستان إلى الصين،
- طلبت الحكومة الأفغانية رسميا من الصين بأن ترغب الشركة الصينية المتعاقدة في مشروع نحاس “عينك”، بأن تلتزم بتعهدها لبناء سكة الحديد.
- طلبت أفغانستان رسميا من الصين دعما في تجهيز القوات الأفغانية الجوّية.
العلاقات الأفغانية الإيرانية: كانت ملفات ظهور داعش في أفغانستان، وميناء شاه بهار، وإدارة المياه من الموضوعات التي تمت مناقشتها في اللقاء بين الطرف الأفغاني والإيراني. تحدث الطرف الإيراني حول ملف داعش، وأهمية ميناء شاه بهار، كما وقال الرئيس الأفغاني بشأن قلق إيران تجاه مياه ولاية هلمند إن هناك اتفاقية حول القضية، وسيبحث المندبون من الطرفين كيفية تنفيذها.[4]
تقييم مؤتمر قلب آسيا
إن سلسلة مؤتمرات قلب آسيا التي انطلقت بمبادرة تركية في 2011م، هدفت إلى جلب التعاونات الإقليمية لإحلال الأمن والاستقرار في أفغانستان. مع أن فترة قصيرة مرت على انطلاق هذه المؤتمرات، واهتم بها الجانب الأفغاني في العامين الأخرين خلافا للماضي، إلا أنها لم تجد نفعا غير تحسين العلاقات الثنائية.
ففي 2011م، كانت العلاقات الأفغانية الباكستانية متدهورة، وجرت محاولات عبر مؤتمر قلب آسيا وبوساطة تركية لتحسين هذه العلاقات.
إلى جانب ذلك لعب المؤتمر دورا في تحسين العلاقات بين دول المنطقة أيضا. على سبيل المثال كانت العلاقات بين الهند وباكستان متدهورة، وكان اللقاء على مستوى وزيرَيْ الخارجية أمرا مستحيلا، لكن المؤتمر وفي 2015م، وفّر لقاءا ثنائيا بين الطرفين على مستوى رفيع.
النهاية
[1] For further studies see http://mofa.gov.pk/pr-details.php?mm=MzMyMw,,
[2] For further studies see http://mofa.gov.pk/pr-details.php?mm=MzMyMw,,
[3] For further studies see Pak-India joint statement http://mofa.gov.pk/pr-details.php?mm=MzMyMg
[4] For further studies see Presidential statement http://president.gov.af/ps/news/56709