عُقد مؤتمر تغيير المناخ في باريس بمشاركة 195 مندوبا للدول والمنظات الدولية، وهو استمرار لسلسلة من التحذيرات منذ عشرات السنين بشأن ارتفاع حرارة الأرض. وأن سكان هذه الكرة الأرضية وباستغلالهم المفرط من الموارد الموجودة فيها، عرضوا الأرض ومن عليها لأخطار ودمار.
إن الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، غيّرت حياة البشر من جهة، وخلقت فرصا جديدة لأهل هذه الأرض، ومن جهة أخرى سببت تغييرات سلبية للبيئة، وقد وصلنا اليوم إلى أن قال فرانسو أولاند الرئيس الفرنسي بأن الكرة الأرضية لم تواجه تحديا على هذا المستوى من قبل.
أما وفي هذا المؤتمر، فلم تتعهد الدول الضارة بالبيئة، والتي سببت سياساتها الاقتصادية ارتفاعا لحرارة الأرض، بأي شيء، وكان ذلك واضحا منذ البداية.
عوامل ارتفاع الحرارة وأثرها على البيئة
قبل عشرات العقود حذّر العلماء من تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون على البيئة، لكن الدول الصناعية لم تعر اهتماما بالأمر. فهو غاز يتصاعد من حرق الوقود وتسد وصول أشعة الشمس على أمواج طويلة إلى الأرض من جانب، ومن جانب آخر تبقى هذه الغازات في الغلاف الجوي مما يسبب تقلصا في هب الرياح، وبذلك ترتفع حرارة الأرض.
أشعة الشمس لها دور حيوي في ميزان المناخ، فمنها حرارة الأرض ومنها توازن الحرارة، لكن البشر ومنذ القرن الثامن عشر وبتصرفات مفرطة أفقدوا هذا التوازن.
والخطر الأكبر أن طيلة 30 سنة الماضية، دخلت دول أخرى مثل الصين والهند حديثا في المجال الصناعي، وفي هذه الدول من الضروري حرق الوقود الأحفوري لتنمية الصناعة. ومن جهة أخرى إن المنافسة بين هذه القوى الجديدة والقوى الصناعية القديمة جعلت الدول الغربية لا تهتم بحفظ التوازن في الغازات الدفيئة، وهو أمر يجعل البشر على هاوية خطيرة.
نمو السكان، وقلة إمكانيات الانتاج للمواد الغذائية، أدّى إلى دمار جزء كبير من الغابات على الأرض، مما يقلل إمكانية جذب ثاني أكسيد الكربون من الجو.
ردة فعل الأرض
إن البشر وهو العامل الأساسي لتغيير المناخ أصبح في معركة مع البيئة، والبيئة تقاومه أحيانا، وتحذر أحيانا أخرى بأن الخطر محدق. فقد تمثل التحذير في العواصف الكبيرة مثل عاصفة كاترينا في أمريكا، والأمطار الغزيرة في غير وقتها، واحتراق الغابات، واضمحلال الثلاجات الطبيعيىة، وبكل ذلك تحذر البيئة البشر، لكن البشر لا يهتم.
ميثاق كيوتو
عام 1997م، تجمع مندوبو 160 دولة في اليابان، ومرروا “ميثاق كيوتو”، من أجل تقليص مستوى ارتفاع حرارة الأرض. وفي هذا الميثاق طُلب من 36 دولة صناعية أن تقلل غازاتها الدفيئة، إلى عام 2012م، بشكل معدل إلى 5%، مقارنة مع انتاج 1990م. لكن الميثاق نص أن تنفيذه يأتي عندما يصل مستوى غازات الدفيئة للدول الأعضاء، إلى 55% من المجموع الدولي. وتحقق ذلك عندما التحقت روسيا بهذا الميثاق.
أمريكا مسؤولة ولا تتحمل المسؤولية
أمريكا هي الدولة الصناعية الوحيدة التي لم تعمل بميثاق كيوتو. برأي الساسة الأمريكان الموالين للصناعات الكبيرة والشركات النفطية، تقليص الغازات الدفيئة، يعني تقليصا في التنمية الاقتصادية، وبطالة للملايين، وخسارة مالية لأصحاب رأس المال.
أمريكا دولة تنتج 25% من الغازات الدفيئة، وتضر البيئة بالدرجة الأولى، تليها الصين بانتاج 15% من الغازات. وفي أمريكا كل اتفاقية لا يمررها الكونغرس الأمريكي لا تكون ملزمة، وفي القانون الأمريكي لا تُعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون من الغازات الدفيئة.
أعلن أوباما في شهر أغسطس عن خطة جديدة لتقليص انتاج غاز ثاني أكسيد الكربون إلى 32% حتى عام 2030م، مقارنة مع عام 2005م، وأن يصل انتاج الطاقة من الموارد مثل الرياح، والشمس إلى 28% على مستوى البلد، لكن الزعامة الأمريكية كلها لا تميل إلى حفظ توازن حرارة الأرض، ويرفضون هذه القضية بأن تكون علمية.
يقول دونالد ترمب تاجر مشهور، ومرشح متقدم للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2016م، إنه لا يؤمن بتغيير المناخ، ولا يعتبره مشكلة لأمريكا, ويقول عندما لا تفعل الصين والدول الأخرى أي شيء في هذا المجال، فإن فكرة ارتفاع حرارة الأرض خُلقت من أجل ضرب أمريكا في المنافسة الصناعية.
ويشاركه تد كروز السناتور من ولاية تكزاس نفس الرأي، ولا يقبل بأن الأرض يرتفع حرارتها بسبب أخطاء يرتكبها البشر. ويقول السناتو ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، وهو حسب الاستفتاءات الأخيرة مرشح في الدرجة الثاثة، يقول إن المكافحة مع تغيير المناخ لا ينبغي أن تُستغل كضربة للاقتصاد. ويقول إن الصين تحتل الدرجة الأولى في انتاج غاز ثاني أكسيد الكربون، وأنه لا يريد أن يخلق أزمة للشركات الأمريكية في توفير فرص العمل، وأن إدارة أوباما لم تكن لديها خطة واضحة لتغيير المناخ.
لكن برني ساندرس سناتور من الحزب الديمقراطي يقول مادامت شركات الطاقة الأحفورية، هي التي تدفع تكلفة الحملات الانتخابية للمرشحين الجمهوريين، فإنه صعب جدا في أمريكا أن يتم رفع أي خطوة مؤثرة ضد الغازات الدفيئة.
أثر تغيير المناخ على أفغانستان
الدول الفقيرة تذهب دوما ضحية للتغييرات المناخية على المستوى العالمي، والحال أن هذه الدول لها دور ضئيل في ذلك. الفيضانات والقحط المستمر منذ نصف قرن أزمات تواجهها دول العالم الثالث.
أفغانستان بلد جبلي، وللبيئة في هذا البلد دور أساسي لموقعها بين جنوب ووسط آسيا. جبال أفغانستان خزانة كبيرة للثلوج أثناء الشتاء، مما تغذي أنهارا كبيرة في الصيف. وفي الحقيقة هذه الجبال تلعب دورا حيويا في ذخيرة المياه وتصفية الجو للدول الجارة. (إن الرياح التي تهب في فصل من السنة في بلوشستان الباكستانية تغيّر الجو وهي معروفة برياح قندهارية، والرياح التي تهب لـ120 يوما في السنة غربي أفغانستان تصل إلى المناطق الشرقية في إيران أيضا). من هنا قال أشرف غني في مؤتمر تغيير المناخ في باريس: “إن تنمية أفغانستان لا تزيد من حرق الوقود الكربونية، بل تعمل في تقليص الغازات الدفيئة، في الدول الجارة كالهند، وباكستان”.
لكن الآثار السلبية لارتفاع حرارة الأرض ظاهرة في أفغانستان مقارنة بين المناخ الحديث ومناخ عقود ماضية. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان حجم الثلج في شوارع كابول يصل إلى أكثر من مترين أثناء الشتاء، وكان من الصعب التنقل فيها مشيا، لكن كابول ومنذ عشرات السنين لم تشهد ذلك. سببت حرارة الجو أن تساقط الثلج أصبح قليلا، وزاد نزول المطر. والمثل المحلي القديم الذي كان يقول: “الثلج أغلى من الذهب في كابول”، فقد أساسه، وهو وضع يدعو للتأمل في كل أرجاء البلد.
فقد شهدت أفغانستان في الماضي فترات طويلة من القحط، كانت تتكرر أحيانا بعد ثماني أو عشر سنوات، وفي نصف قرن مضى وصلت فترة رجوع القحط إلى 4 سنة أيضا. وبما أن كمية كبيرة من القمح في أفغانستان كانت تنتج في الأراضي الجافة، أصبح البلد محتاجا للقمح من الخارج.
وصل بعض العلماء في دراساتهم إلى أن حرارة الأرض تزيد من فرص نشاط البراكين والزلازل. وطيلة 4 عقود مضت شهدت أفغانستان والدول الجارة زلازل كثيرة، وهناك ارتفاع ملحوظ في ذلك مقارنة مع العقود الماضية. ومع وجود خلاف في دور حرارة الأرض بشأن الزلزال، لكن زلزلة بمقياس 7.5 وقعت قبل فترة قليلة كانت غير مسبوقة في أفغانستان منذ قرون طويلة. ولا يمكن أن نعتبر ذلك من الصدفة.
النهاية