في الأسبوع الماضي انتشر خبر انفصال مجموعة من حركة طالبان الأفغانية في الإعلام الأفغاني والعالمي. هذه المجموعة التي تسمي نفسها “المجلس الأعلى لإمارة أفغانستان الإسلامية”، اختارت الملا محمد رسول زعيما لها، خلال حفلة في ولاية فراه.
قبل ذلك، كان معظم زعماء هذه المجموعة من مخالفي البيعة مع الملا أختر محمد منصور، وقد أسفرت الخلافات انفصال مجموعة جديدة من متن حركة طالبان.
كانت حركة طالبان هي الحركة الأفغانية الوحيدة التي لم تجرب أي انقسام داخلي، ويبدو الآن أنها تجرب انقساما ضمن صفها الواحد. ماذا سيكون أثر انفصال هذه المجموعة على حركة طالبان نفسها وعلى مسار محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان؟
خلفية الخلافات الداخلية في حركة طالبان
مع الإعلان بوفاة الملا محمد عمر واختيار الملا أختر منصور زعيما جديدا لحركة طالبان، حدثت خلافات داخلية في حركة طالبان. وامتنع عدد من قادة طالبان من أمثال الملا محمد حسن رحماني، والملا عبدالرزاق، والملا محمد رسول من مبايعة الملا أختر منصور، وبدأوا على حد تعبير طالبان، حملات انتخابية مخالفة للملا أختر منصور[1].
وتصاعدت الخلافات مع انتشار أخبار بشأن امتناع أسرة الملا محمد عمر من مبايعة أختر منصور، وتم تصنيف أسرة الملا محمد عمر (ابنه الملا يعقول، أو أخوه الملا عبدالمنان هوتك)، ضمن مخالفي البيعة مع الملا أختر منصور. لكن أسرة الملا محمد عمر أظهرت موقفها خلال بيان إعلامي، فيها نوع من شكوى وأن اختيار زعيم طالبان يجب أن يكون بأصوات قادة وعلماء ومجاهدين لعبوا الدور الأهم في تأسيس الحركة، ومن جهة أخرى امتنعت أسرة الملا محمد عمر من الانحياز إلى أي مجموعة، وأعلنت حيادها.
حينها صرّحت أسرة الملا محمد عمر في بيانها: “لا نؤيد ولا نخالف أي جهة، مهما كانت جهة الملا أختر منصور أو المجموعات الأخرى”. وعدم انحياز أسرة الملا محمد عمر زاد من حدة الخلافات الداخلية في حركة طالبان، وبدأت مجموعة الملا أختر منصور والمجموعة المخالفة لها محاولات لجلب دعم هذه الأسرة.
وقبل بضعة أشهر، استقال الملا عبدالقيوم ذاكر زعيم اللجنة العسكرية من منصبه، وكان منافسا كبيرا للملا أختر منصور، وكانت شائعات أنه يخالف زعيم حركة طالبان الجديد. أصدر السيد ذاكر بيانا في 31 من يوليو 2015م، أظهر فيه موقفه قائلا: “ليست هناك أي حقيقة لهذه الأحاديث… سأخدم بكل قوتي… سأطيع بأحسن طريقة”[2]. عززت هذه التصريحات موقف الملا أختر منصور.
ثم استقال طيّب آغا رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر من منصبه، واعتبر في بيان له إخفاء وفاة الملا محمد عمر، واختيار الزعيم الجديد خارج البلد “خطأ تاريخيا”. وفي إشارة إلى الخلافات الداخلية في طالبان قال: “أنا لا أؤيد أي جهة في خلافات حركة طالبان الداخلية”[3].
بعد استقالة طيّب آغا قال الملا عبدالمنان نيازي مسؤول رفيع في الحركة، وهو من مخالفي الملا أختر منصور إنهم يدعون مجلسا جديدا على وجه السرعة، وسيقررون بشأن الخلافات الداخلية[4]. إضافة إلى ذلك قال متحدث الحركة عدة مرات لوسائل الإعلام بأن الخلافات الداخلية على وشك النهاية، لكن الخلافات الداخلية لم تصل إلى النهاية، بل وصلت إلى انفصال مجموعة من الحركة.
انفصال مجموعة من حركة طالبان
كانت حركة طالبان هي الحركة الأفغانية الحديثة الوحيدة التي لم تجرب الانفصال، مع أن رموز كبيرة في الحركة مثل الملا معتصم آغا جان انفصل من الحركة قديما، وجرت محاولات كثيرة لانقسام الحركة، لكن الحركة استطاعت أن تحافظ على وحدة صفها.
اختارت المجموعة الجديدة المنفصلة الملا محمد رسول زعيما لها في ولاية فراه، تعتبر وسائل الإعلام المكان مديرية شيندند في هرات. وأعلن الملا محمد رسول ثلاثة من مساعديه العسكريين وهم الملا باز محمد حارث، وملا منصور داد الله، والملا شير محمد آخندزاده، ومساعدا سياسيا وهو الملا عبدالمنان نيازي.
دعم ساحة القتال
بشكل أساسي ترجع قوة حركة طالبان الأصلية إلى علمائها، وشورى العلماء، والقادة العسكريين، والمقاتلين، وأي جهة تفوز بدعم هذه الجهات ستكون هي الجهة الرائدة.
يؤيد الآن كثير من العلماء الملا أختر منصور، وقد حصل على “بيعة” غالبية الولاة، والقادة، والمقاتلين. إلى جانب ذلك اختار الملا أختر منصور زعيم شبكة الحقاني مساعدا له، واكتسب تأيد هذه الساحة القتالية أيضا. إضافة إلى ذلك استطاع الملا أختر منصور أن يكسب دعم الملا عبدالقيوم ذاكر، وأسرة الملا محمد عمر، وهو أمر عزز موقف الملا أختر منصور.
مع أن الجهة المنفصلة من حركة طالبان لا تحظى بدعم واسع في أوساط المقاتلين، إلا أن أناسا فيها من أمثال الملا منصور داد الله يشكل تهديدا للحركة في بعض الولايات. من هنا وبعد الإعلان بانفصال هذه المجموعة في ولاية فراه، أقام مؤيدو الملا أختر منصور والعلماء جلسة وأكّدوا دعمهم للملا أختر منصور[5]. هناك شيء آخر، وهو أن الملا منصور داد الله قد لا يحصل على دعم واسع في الأوساط القتالية، لأنه رجل تم عزله الملا محمد عمر من منصبه، وتم التنديد بأفعال ضمن رسالة صوتية للملا محمد عمر.
من جهة أخرى اختار الملا محمد رسول شير محمد آخندزاده ابن الجهادي المشهور مولوي نصر الله منصور مساعدا عسكريا له، وذلك ليحصل على دعم، لكنه وبناءً على قول آخر رفضت أسرة مولوي منصور علاقاتها مع المجموعة الجديدة، وقالت: “إنها ترفض أي محاولات تنال من وحدة الصف الجهادي”.
المجموعة المنفصلة وداعش
بعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، انتشرت أخبار عن التحاق عدد من قادة طالبان إلى تنظيم داعش. من هؤلاء القادة منصور داد الله ونشرت أخبار عن انضمامه إلى داعش، لكنه رفض ذلك واعتبرها شائعات[6].
فور الإعلان بانفصال هذه المجموعة انتشرت أخبار في الإعلام الدولي عن انضمامها إلى داعش، لكن عبدالمنان نيازي مساعد زعيم المجموعة وفي حوار مع الجزيرة رفض أي علاقات مع داعش، وأضاف: “نحن لا ننضم إلى داعش في أي وقت، لأن خلفيتنا وتاريخنا وفكرنا تختلف مع داعش، ولن نطلب أي دعم من داعش”[7].
ومع أن المجموعة المنفصلة تنكر أي صلة مع داعش، لكن فريق الملا أختر منصور ورفاقه يرون أن الملا منصور داد الله على صلة مع داعش، وتعتبرون حرب طالبان الأخيرة في زابل والتي أسفرت عن مقتل العشرات، حربا ضد داعش والملا منصور داد الله وليست ضد المجموعة المنفصلة[8].
يبدو أن هناك إمكانيات لانضمام المجموعة المنفصلة إلى داعش في المستقبل، وتتعزز الإمكانية في حال اضطهاد المجموعة من قبل فريق الملا أختر منصور.
أثر القضية على قوة طالبان وعلى موقفها من السلام
سيؤثر انفصال المجموعة الجديدة على وحدة طالبان وعلى قوتها العسكرية إلى حد ما. بما أنها هي المرة الأولى تعلن أي مجموعة انفصالها من حركة طالبان فإن الحركة ستضغط عليها كثيرا، وستقاتلها مثل داعش. ومن هناك ستنخرك طالبان في حرب جديدة مع هذه المجموعة إلى جانب قتالها مع الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية وداعش.
وسيكون هناك أثر على خطة الملا أختر منصور للسلام، واللافت أن المجموعة الجديدة رفعت صوتا مطالبا بعملية السلام منذ البداية. ويرى بعض المراقبين أن حلقات استخبارية إقليمية تدعم المجموعة المنفصلة، وذلك لاستغلالها ضد الملا أختر منصور.
من جهة أخرى، يرى البعض الآخرون بأن هذا الانفصال سيشكل بداية ضعف لحركة طالبان، وبذلك قد يتجه البلد نحو السلام، لكنه ومع ضعف الحركة بعد الانفصال ستضمحل آمال السلام وتصبح المعركة أكثر تعقيدا.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:
http://shahamat-english.com/letter-of-clarification-by-the-respected-mullah-abdul-qayyum-zakir-a-member-of-leadership-council-of-islamic-emirate-of-afghanistan/
[2] راجع الرابط هنا:
[3] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
http://shahamat-english.com/letter-of-clarification-by-the-respected-mullah-abdul-qayyum-zakir-a-member-of-leadership-council-of-islamic-emirate-of-afghanistan/
[4] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
[5] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
[6] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
http://www.pajhwok.com/en/2015/09/17/disaffected-dadullah-denies-joining-daesh-after-rumors
[7] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
http://www.aljazeera.com/news/2015/11/deadly-taliban-inter-fighting-erupts-afghanistan-151108190506338.html
[8] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط:
http://alemara1.org/?p=34117