أفغانستان تثير قلق روسيا وآسيا الوسطى

لقد أثارت الأوضاع الأمنية شمالي أفغانستان ومنها سقوط بعض المناطق والمديريات قلق دول آسيا الوسطى وذلك منذ ستة أشهر، لكن سقوط مدينة قندوز في الآونة الأخيرة أثار موجة واسعة من القلاقل وانطلقت إثرها محاولات عملية.

واتخذت دول آسيا الوسطى إجراءات أمنية لتحفظ نفسها من الوقوع في مثل ما يجري من الأوضاع الأمنية شمالي أفغانستان.

ما هي العوامل خلف قلق آسيا الوسطى؟ إلى أين سيتجه اهتمام روسيا نحو أفغانستان، وهل ستقدم على إجراء عمليات عسكرية مثل سوريا؟ وفي مثل هذه الأوضاع لماذا طلبت كابول عضوية منظمة شانغهاي للتعاون؟

 عوامل قلق روسيا وآسيا الوسطى:

ترجع عوامل قلق روسيا وآسيا الوسطى بشأن الأوضاع الأمنية الجارية في أفغانستان إلى الآتي:

أولا: الأضطرابات الأمنية شمالي أفغانستان

قبل وبعد سقوط مدينة قندوز سيطرت حركة طالبان الأفغانية على عدة مديريات في شمال أفغانستان. وبناءً على تحقيق لـ”لونغ وار جورنال”، تسيطر حركة طالبان على 29 مديرية من مجموع 398 مديرية أفغانية بالكامل، وتسيطر على 36 مديرة أخرى من دون مراكزها الخاضعة للحكومة. ومع سقوط مدينة قندوز سيطرت حركة طالبان على 9 مديريات شمالي أفغانستان، وامتدت موجته من بدخشان إلى فارياب. وبما أن المناطق الشمالي المضطربة لها حدود مع دول آسيا الوسطى، فإن ذلك يُقلق المسؤولين في تلك الدول، من وصول هذه الموجة المضطربة إلى آسيا الوسطى. ومن هنا أغلقت طاجكستان في أول يوم لسقوط قندوز معبرها مع أفغانستان، ووضعت روسيا آليات التقنية الجديدة في 201 قاعدة عسكرية لها في الأراضي الطاجكية، واتخذت قوات روسيا للأمن المشترك إجراءات أمنية على الحدود الطاجكية الأفغانية.

ثانيا: تواجد أتباع آسيا الوسطى في تنظيم داعش

منذ الإعلان عن تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بايعها بعض أتباع دول آسيا الوسطى. مع عدم وجود أرقام دقيقة حول أتباع دول آسيا الوسطى في صفوف داعش أو “الدولة الإسلامية”، ولكن بناءً على “رويترز”، يرى المسؤولون الروس بأن 2400 روسي وما يقارب 3000 شخص من أتباع دول آسيا الوسطى قد بايعوا داعش.

ثالثا: مبايعة بعض المجموعات المسلحة من آسيا الوسطى مع داعش

بايعت بعض المجموعات المسلحة من آسيا الوسطى مع أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، منها حركة أوزبكستان الإسلامية، واتحاد الجهاد الإسلامي، وجماعة الأنصار، وقد أثار ذلك قلقا كبيرا في روسيا وآسيا الوسطى.

رابعا: ظهور داعش في أفغانستان

إن ظهور داعش في أفغانستان مصدر قلق لروسيا وآسيا الوسطى. وقد صرّح بذلك الرؤساء ووزراء الدفاع والخارجية لهذه الدول. وفي الآونة الأخيرة تم عقد مؤتمر بشأن أفغانستان في وزارة الدفاع الروسي، وادعى المسؤولون الروس بأن 3000 شخص يتبعون داعش في أفغانستان.

 مساعدة روسيا العسكرية مع أفغانستان

إثر التدهور الأخير للأوضاع الأمنية، رفعت روسيا مستوى مساعدتها العسكرية مع أفغانستان. وأدركت كابول موقف آسيا الوسطى وروسيا، ونهجت في سياسة لجلب تعاون من هذه الدول في مجال إحلال الأمن. وطلبت كابول عضوية منظمة شانغهاي للتعاون، كما وطلبت مساعدة عسكرية ومروحيات مقاتلة من روسيا.

مع تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، اتسعت العلاقات الأفغانية مع الجانب الروسي. وقد قام من الجانب الأفغاني كل من الرئيس، ووزير الخارجية، ومستشار الأمن الوطني، والنائب الأول للرئيس بزيارات إلى روسيا، وفي كابول التقى مرارا مندوب روسيا الخاص مع المسؤولين الأفغان.

اقترحت كابول في 10 من إبريل 2015م، شراء مروحيات مقاتلة “إم آي35″، وقبلت موسكو الطلب الأفغاني، وقال ضمير كابلوف مندوب روسيا الخاص إن الطرفين سيوقعان اتفاقية بهذا الشأن في الشهر الجاري، (أكتوبر2015م). وقال وزير الدفاع الروسي إن روسيا مستعدة للتعاون مع أفغانستان في المجال العسكري. وقال الكسندر كروشكو مندوب روسيا في حلف شمال الأطسي إن أفغانستان لا يمكن لها أن تكافح داعش وحدها.

 هل سينفذ الروس هجمات جوّية في أفغانستان؟

في حال دعم الروس مع أفغانستان، واستمرار الأوضاع كما هي، هل ينفذ الروس هجمات جوّية في أفغانستان كما يفعلون ذلك في سوريا؟ تحدثت في الأسبوع الماضي بعض صحف، عن إمكانية تنفيذ القوات الروسية هجمات جوّية في المناطق الشمالية الأفغانية مثل ما تفعل في سوريا. وقُرنت الإمكانية مع فرضية استمرار تدهور الوضع الأمني وفشل الحكومة في تحكيم الأمور، لكننا نرى الإمكانية معدومة في الأوضاع الحالية للعوامل الآتية:

أولا: إن روسيا تدخلت في ملف سوريا وأوكرانيا منذ أول وهلة، وواجهت ردة فعل غربية شديدة، حتى إن أمريكا ودول أوروبّية وضعت عليها عقوبات اقتصادية أيضا.

ثانيا: بالنظر إلى أخطأ روسيا السابقة في أفغانستان، إنها لا تكرر الخطأ نفسه.

ثالثا: إن قلق روسيا الوحيد بشأن الأوضاع الأمنية شمالي أفغانستان، يكمن في اتساع هذه الأوضاع إلى آسيا الوسطى، وهي لا تقلق بشأن حركة طالبان، لأن أعضاء المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر، صرّحوا لوسائل الإعلام بأن خطة الحركة تكون محددة للداخل الأفغاني فقط.

رابعا: إن روسيا لا تقصف حركة طالبان شمالي أفغانستان كونها قوة معادية خاصة أمام داعش.

خامسا: لا يمكن لروسيا فعل ذلك مع مخالفة أمريكا والناتو الشديدة.

سادسا: ستظهر الحكومة الأفغانية مخالفة مع هذا الموقف أيضا.

 مطالب بعضوية أفغانستان في منظمة شانغهاي

صرّح في الأسبوع الماضي ميزنتسيف رئيس منظمة شانغهاي للتعاون بأن كابول قدّمت طلبا رسميا لعضوية هذه المنظمة. منذ تولي أشرف غني الرئاسة الأفغانية تحدث المسؤولون الأفغان مع الجانب الصيني والروسي بشأن هذا الأمر، لكن كابول قدّمت طلب عضوية المنظمة فيما سيطرت حركة طالبان على مدينة قندوز لعدة أيام، وسقطت مديريات عدة شمالي أفغانستان، وتعزز من جهة أخرى تنظيم داعش موقع قدم لها في أفغانستان.

مع تأهل أفغانستان لعضوية منظمة شانغهاي للتعاون، لماذا لم تحصل على العضوية بعد؟ ربما يمكن السبب في تواجد قوات أمريكا والناتو في أفغانستان منذ 2001م، وكانت سياسة البلد تعول على الغرب كثيرا. وعندما أعلنت أمريكا في 2009م،  انسحابها من أفغانستان، بدأت علاقات حامد كرزاي تتدهور مع الأمريكان، وتدهور الوضع الأمني الأفغاني كثيرا في 2009م، فتم منح أفغانستان عام 2012م، عضوية المراقبة في هذه المنظمة.

وقد تكمن عوامل طلب أفغانستان عضوية منظمة شانغهاي للتعاون في الأمور الآتية:

  • ازدياد التعاون الأمني مع الصين وروسيا،
  • الحصول على مساعدة عسكرية من الصين وروسيا،
  • حصول دعم دول أعضاء المنظمة في مكافحة “الإهارب”، لأن تأسيس المنظمة كانت بهدف مكافحة “الإهارب”.
  • تدعي الحكومة الأفغانية إدمان 3 ملايين من أتباعها بالمخدرات، ويمكن للمنظمة أن تدعم أفغانستان في هذا المجال أيضا.

تأمل وزارة الخارجية الأفغانية أن تصبح أفغانستان عضوا في هذه المنظمة. وقد تلعب الأوضاع الحالية دورا مساعدا في ذلك، لأن شمال البلد يضطرب أمنيا، وتتسع رقعة تواجد داعش في بعض مناطق أخرى من البلد، ويقترب موعد انسحاب قوات أمريكا والناتو. وقد تم منح الهند وباكستان عضوية المنظمة وهو أمر يمهد الطريق لعضوية أفغانستان فيها.

النهاية

أفغانستان تثير قلق روسيا وآسيا الوسطى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى