مرت سنة على “حكومة الوحدة الوطنية”، في أفغانستان وهي لا تزال تسير عرجاء. حكومة وعد زعمائها الشعبَ بكل خير ولم يعملوا بعد بأي وعد.
ويمكن أن نطلع على ضياع آمال الشعب بفراره أفواجا من البلد، حيث يغادر مئات الآلاف وخاصة الشباب، رغم خطر الموت ويتمنون الوصول إلى أي جزء في أوروبّا. ومن المتجهين إلى الغرب من تلتقمه أمواج البحر ليصبح لقمة للأسماك والحيتان.
وتقف الحرب عاملا أساسيا خلف كل هذه المشاكل، ومن هنا وعد الرئيس أشرف غني أثناء حملاته الانتخابية بأن إحلال السلام سيكون على صدر قائمة أولوياته.
السلام:
مفاوضات السلام مع طالبان
السلام عملية مشتركة وليست منفردة ينفرد أي صانع بها ويحمّلها على غيره، إلا أن يكون هذا الغير قد فقد كل قواه جرّاء الحرب ولم يملك خيارا غير الاستسلام. وتكمن مشكلة “حكومة الوحدة الوطنية”، في أنها ترى السلام في دمار الطرف المقابل، وبما أنها لا تملك شيئا في ذلك، فتتمنى من باكستان بأن تصنع لها الهدف، والحال أن تجربة حامد كرزاي أظهرت بأن محاولات السلام يجب أن يجريها الأفغان بأنفسهم.
إذا رأت الحكومة الأفغانية بأن باكستان تملك حركة طالبان الأفغانية تماما، وأن أفغانستان تستطيع أن تحمل باكستان بمنح التنازلات على إجبار طالبان للاستسلام، فإن ذلك حساب غير صحيح بالمرة، ولا تخدع بها إلا نفسها.
وفيما منحت أفغانستان أي تنازل للجانب الباكستاني فإن الأخير سوف يطلب ضمانا للحصول على هذا التنازل لفترة أطول. وهو ضمان لا يحتوي عليه استسلام طالبان للحكومة الأفغانية، بل يكمن في إشراك العناصر الموالية لباكستان في الحياة السياسية.
وقد ظهرت مطالب طالبان في رسالة الملا أختر محمد منصور زعيم طالبان الجديد بمناسبة العيد، وهي انسحاب القوات الأجنبية من البلد، وإلغاء جميع الاتفاقيات الأمنية مع الدول والمنظمات وتنفيذ الشريعة الإسلامية. ولا تقدر باكستان أو أي دولة أخرى لتصرف حركة طالبان من هذه المطالب.
وفيما استعدت الحكومة الأفغانية بأن تمنح مثل هذه التنازلات لحركة طالبان من أجل السلام، فإنه أمر لا يحتاج وساطة باكستانية، ويمكن إجرائه عبر تفاهم أفغاني بين الذات.
تغيير الزعامة في طالبان
بعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، حاولت وسائل إعلام داخلية ودولية بأن تثبت أن خلافات حادة حلت بحركة طالبان وأن الحركة ستنقسم، وقد ظهر أن هذه التوقعات لم تكن في محلها.
أجرت الحكومة الأفغانية جولتين من مفاوضات السلام في أورومتشي وإسلام آباد مع أناس لم يكونوا مندوبي حركة طالبان حقا. وكانت تلك مهارة باكستانية بأن أحضرت إلى الجلسة أناسا نيابة عن طالبان، ويقول المسؤولون الباكستانيون حاليا، إن الإعلان بوفاة الملا عمر أحدث خلافات في الحركة وتم تأجيل المفاوضات إلى مستقبل غير معلوم.
والحقيقة أن الملا أختر منصور يملك خيارات التنفيذ في حركة طالبان منذ 2010م، وكان إحداث مكتب قطر من إنجازاته. وكان القبول بإحداث عنوان للمفاوضات يعني أن الحركة ترغب في السلام، لكنها ترى أولا أن تنتهي مشكلة “الاحتلال”، بانسحاب كامل للقوات الأجنبية. ويعني ذلك أنه ينبغي حل هذه المشكلة مع أمريكا، وأن استمرار التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان أمر يعيق مفاوضات السلام.
في الجانب الدولي مع أن أمريكا والصين رحّبتا بمفاوضات السلام بالوساطة الباكستانية، لكن أمريكا آثرت الصمت حتى الآن بشأن إلغاء الاتفاقية الأمنية والانسحاب الكامل من أفغانستان وهما ضمن شروط طالبان كما سلف.
ترى حركة طالبان إلى الصين كقوة إقليمية يُعتبر حضورها في المفاوضات ضمانة لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، لكنه يبدو أن الصين أيضا تقلق عن وضع أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية، ومن هنا لا تريد أن تبدي رأيا، وخاصة أن التقارير عن تواجد داعش في أفغانستان شكّلت تحديا جديدا، وخلقت اضطرابات جديدة، وتكبّر أمريكا من شأنه يوميا.
الأمن:
ظهور داعش شرقي أفغانستان
يرى البعض بأن حركة طالبان كانت الجهة الوحيدة التي تقاتل القوات الأجنبية طيلة 13 سنة الماضية، وتواجه الحركة الآن منافسا جديدا باسم داعش شرقي أفغانستان، وهي مجموعة تريد بسط سيطرتها إلى مناطق أخرى. وأشار الملا أختر منصور في رسالته بمناسبة العيد إلى هذا الأمر، وقال: “إن المحتلين يريدون أن يصنعوا مجموعات جديدة”.
إن ظهور داعش مشكلة بالنسبة لحركة طالبان من جهة، ومن جهة أخرى له رسالة خطر لدول المنطقة، وقد حيّر الأمر مسؤولي الأمن في هذه الدول ليعلموا إن كان داعش أكثر خطرا أم طالبان؟ وبما أن طالبان أكّدت دوما على أهداف وطنية وداخل أفغانستان، وفي المقابل يريد داعش إحداث خراسان الأكبر، فإن الدول في رأيها تصنّف السيء والأسواء -برأيها-، فتصنف طالبان بالسيء وداعش بالأسواء.
إن إظهار داعش كبيرا أمر في صالح طالبان، ويلفت نظر دول المنطقة نحو طالبان كقوة مؤثرة في مواجهة داعش.
الحرب في الشمال، وسقوط ولاية كندز
منذ مطلع 2015م، حاولت حركة طالبان توسيع الحرب نحو المناطق الشمالية، ويبدو أنها نجحت في هذه الخطة. جنوب أفغانستان حيث انطلقت حركة طالبان، وكان المحللون يرون قبل عامين بأن الحركة لا تملك شعبية في الشمال، وظهرت الآن بأنهم سجّلوا إنجازات كبيرة في الشمال.
لا شك أن ضعف “حكومة الوحدة الوطنية”، سبب قوة لحركة طالبان، وخاصة الآن إذا سيطرت حركة طالبان على ولاية كندز، ظهر الضعف جليا، لكن أسباب انفصال الشعب عن الحكومة والتوجه نحو طالبان تشكلت أيام حكم كرزاي. أخطاء لم تُرفع أي خطوة لإصلاحها.
صناعة المليشيا على أسُس قومية، كانت تذكر بالألوية القومية أيام حكم الشيوعيين، ووفر ظلم المليشيا مع السكان العزل موضع قدم لطالبان في كندز إلى أن سيطرت على الولاية كاملة.
وحمل سقوط كندز في الذكرى السنوية الأولى لـ”حكومة الوحدة الوطنية”، رسالة واضحة للمجتمع الدولي وللحكومة نفسها، وهي أن حركة طالبان أصبحت أقوى من قبل ولا يمكن لأي قوة أن تغض الطرف عنا.
في أوضاع تُعقد مؤتمرات من أجل دعم أفغانستان عبر تعاونات إقليمية، ورجت دول المنطقة بأن يتم بناء أنابيب الغاز والنفط على الأراضي الأفغانية إلى دول أخرى، في مثل هذه الأوضاع تريد حركة طالبان بتواجدها القوي في الشمال أن تقول لهذه الدول، إننا طرف مهم في اللعبة أيضا.
ولاية كندز ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وقد سيطرت حركة طالبان أيام أن حكمت أفغانستان على الشمال الأفغاني بعد أن سيطرت على هذه الولاية. بفارق أن بدخشان وتخار كانت تحت سيطرة “تحالف الشمال”، لكن اليوم تسيطر طالبان على أجزاء كبيرة لولاية بدخشان، وعلى أجزاء لبغلان، ومن هنا تقع ولاية تخار وبغلان أمام تهديد مباشر لطالبان.
الخلافات
من تقاسم السلطة إلى خلافات داخلية
في بلد يُعتبر التوجه الشخصي فيه عملا بطوليا، لا ينتج تقاسم السلطة بين مرشحين منافسين أحسن من الذي نراه اليوم. بعد عام كامل لم تكتمل الحقب الوزارية بعد، والخلافات على اللجان الانتخابية على حالها، ولم تُصدر بطاقات الجنسة الإلكترونية بسبب الخلاف على مصطلح الإسلام والقوم.
وجمع الرئيس والرئيس التنفيذي ومع كل منهما النائب الأول والثاني، جمعا كبيرا من المستشارين لا تظهر أي فائدة منهم. ووضعوا من أجل رواتبهم ضريبة تقدر 10% على رصيد الهواتف، ليضعوا حمل هذه الجماعة العاطلة على الشعب.
ولم تتحق وعود أشرف غني لمكافحة الفساد، بل أصبح الفساد أكثر تفشيا من أيام كرزاي، ووصل أوساط القوات العسكرية، وهناك في البرلمان الأفغاني من يدعي بأن مقار الجيش يتم بيعها للمخالفين.
ومن أجل إحلال السلام تم استخدام قادة عسكريين ذوي خلفية قتل من أيام الشيوعيين، لأنهم أصحاب تجربة وخبرة، لكن ذلك لم ينفع أيضا. وفي سقوط المديريات تحدثوا عن “انسحاب فنّي”، من أجل الحافظ على الدماء، وهي ذريعة يتخذونها في سقوط كندز أيضا.
ماذا ينبغي عمله؟
هذه الحكومة لم تنجز لا في حرب ولا في سلم. إننا نرى في أفغانستان حكومة تجسمت فيها كل مظاهر الفشل. وإذا أرادت هذه الحكومة بأن تُخرج البلد من هذه الأزمات فعليها الآتي:
- إحداث تغيير في سياسة السلام، والتوجه نحو مفاوضات حقيقة،
- إحداث وساطة محايدة لتوفير الأرضية وبناء ثقة متبادلة من أجل محادثات مباشرة،
- فيما لا تقدر الحكومة إجراء هذين الأمرين، فعليها الاستقالة وتسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة،
والمجتمع الدولي إذا أرادت حقا أن تساعد أفغانستان، عليها أن تدعم هذه الخيارات، وإلا ستتوجه أفغانستان نحو أزمات أعنف وأوضاع أسوء.
النهاية