في 30 من سبتمبر 2014م، تم توقيع اتفاقية بين حلف شمال الأطلسي أو الناتو والحكومة الأفغانية. وقع الاتفاقية حنيف أتمر مستشار الأمن الوطني للرئيس الأفغاني نيابة عن أفغانستان، ومندوب الناتو المدني في أفغانستان.
وتماما مثل توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا لم تتم دراسة هذه الاتفاقية بعمق، وبقيت فيها نقاط غامضة حمّالة أوجه. وتم العويل فيها على كلمات رنّانة لخداع العامة مثل “التعهد القوي” لأفغانستان آمنة ديمقراطية ذات سيادة.
وجاء في مقدمة هذه الاتفاقية: “تأكيدا على معرفة الطرفين لتهديد الإرهاب ضد المجتمع الدولي والتعهد المشترك لأخذ إجراءات مؤثرة من أجل مكافحة هذا التهديد، والاطمئنان على أن أفغانستان لا تصبح مرة أخرى ملاذا آمنا للإرهاب،
بالمعرفة بأن مهلة الناتو في أفغانستان تنتهي بنهاية عام 2014م، وبالتأكيد المجدد على تعهدات الناتو وأعضاء آخرون من المجتمع الدولي لدعم أفغانستان وتوافق الطرفين في قمة الناتو في ليسبون لتجديد وتعزيز المشاركة الدائمة القوية من أجل التعاونات الأمنية الماضية واستمرارها في المستقبل… [1]“
ويأتي في ختام الاتفاقية: “بالتأكيد المجدد على الاتفاق بأن الناتو تتولى زعامة المهمة غير الحربية، والتدريب والمشورة والدعم التي تبدأ بعد عام 2014م…”.
المهمة غير الحربية
وقد أكّد المسؤولون في الناتو دوما على أن مهمة الناتو في أفغانستان بعد عام 2014م، ستكون “مهمة غير حربية”. لكن فقرتين في الاتفاقية تشرحان أنشطة الناتو، فيهما غموض ويمكن فهم ذلك بأن مهمة الناتو لا تنحصر في أنشطة غير قتالية، بل وفي حال التوافق يمكن أن تكون قتالية أيضا:
- “يذعن الطرفان بأمل مشترك بأن تتسع المشاركة بين الطرفين، إتماما للتعاونات الماضية، وتعزيز التعاونات الأمنية الجارية. ويتفق الطرفان على أهمية استمرار أنشطة الناتو بدعم الأمن في أفغانستان.
- بناءً على توافق الطرفين سيكون تواجد الناتو بعد عام 2015م، في أفغانستان ضمن مهمة غير حربية، متمركزة على التدريب وإعطاء المشورة والدعم، وأنشطة أخرى بزعامة الناتو يتفق عليها الطرفان…”[2].
نشرت الـ”بي بي سي” في 27 من أكتوبر 2014م، بأن آخير جندي بريطاني غادر ولاية هلمند وأن الحرب في أفغانستان قد انتهت بالنسبة للقوات البريطانية.
عودة البريطانيين إلى هلمند
على أساس هذه الاتفاقية قد أنهت قوات الناتو القتال في أفغانستان، وكان عليها الرجوع إلى بلدانها، وهو ما لم يحدث، بل استمرت عمليات القوات الأمريكية الخاصة في المناطق القبلية، ولحقت بها القوات البريطانية أخيرا.
على أساس تقرير لصحيفة “ميرار”، البريطانية رجعت عدد من الجنود البريطانيين الخاص إلى أفغانستان، وذلك لدعم القوات الأمريكية في مكافحة تنظيم داعش. يبقي عدد هؤلاء الجنود غير معلوم، لكن حركة طالبان وفي بيان لها بمناسبة الذكرى السادسة والتسعين لاستقلال البلد من الإنجليز، قالت” أخيرا وصل ألفان من الجنود البريطانيين إلى أفغانستان”[3].
وفي تقرير صحيفة مرار، جاء على لسان مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع البريطانية، بأن قوات خاصة في الجيش البريطاني تملك طرح وزعامة عمليات ضد الإرهاب في أفغانستان. وقال مسؤول عسكري رفيع للصحيفة بأن القوات البريطانية الخاصة درّبت قوات كوماندوز الأفغانية خلال ستة أشهر الماضية، إلا أن هذه القوات اضطرت بأن تحوّل دورها في التدريب إلى مشاركة عملية في الحرب، وتفتيش البيوت، وإلقاء القبض على المشتبهين بهم في دعم طالبان.
ظهور داعش في أفغانستان
عندما أعلنت قوات الناتو بأن مهمتها القتالية تتحول إلى مهمة في التدريب للقوات الأفغانية، أعلن المسؤولون الأمريكيون بأن أمريكا لا تعتبر طالبان عدوا بعد هذا التاريخ، وأن قتال طالبان أمر مخوّل إلى القوات الأفغانية، وأن عمل الناتو لن يعدو التدريب وإعطاء المشورة.
منذ سنة وتحدثت تحركات مشتبهة باسم داعش شرقي أفغانستان، وقد قام المسؤولون الأفغان بنشر الدعايات لهذه المجموعة الجديدة. يرى بعض المحللين بأن ظهور هذه المجموعة كان ذريعة لعودة القوات الأجنبية إلى أفغانستان، والاستمرار في الأنشطة العسكرية. وتقوم القوات الأمريكية والبريطانية بقتل المدنيين وتفتيش البيوت باسم مكافحة داعش، حيث كانت تفعل ذلك بذريعة مكافحة طالبان العام الماضي، والفرق في ذلك أن الحكومة الأفغانية قد آثرت الصمت على أي قول.
تجارة المخدرات
يرى بعض المحللين بأن تجارة المخدرات تقف وراء عودة البريطانيين إلى هلمند.
ادعى “كوردون داف” محقق في مجلة “ويترانس تودي”، في تحليل له بأن أمريكا تريد البقاء في أفغانستان من أجل تجارة الهيروئين. وقال في حوار مع “برس تي وي”، إن أمريكا جاءت إلى أفغانستان وتريد البقاء فيها من أجل تجارة الهيروئين التي تبلغ مليارات دولار، وأن الهيروئين شكّلت دوما، جزءا كبيرا من التجارة في أفغانستان.
ويقول: “عندما جاءت أمريكا إلى أفغانستان عام 2001م، كانت تجارة المخدرات قد انتهت بجميع ألوانها تقريبا، أما الآن تنتج أفغانستان 98% من هيروئين العالم. والأراضي المستخدمة في زراعة الحشيش تبلغ 209 هكتار، وهو ما جعل أفغانستان أكبر منتج للمخدرات”[4].
وكتب “أبي مارتين”، في مقال له بعنوان، “كيف أبقى الحشيش أمريكا في أفغانستان؟”، (في يناير2014)، في “ميديا روتس”، قائلا: “تحدث الحروب دوما من أجل السيطرة على المصادر”.
وكتب على أساس تقرير “كلوبل ريسرج”، بأن سوق الحشيش أصبحت قوية بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان في 2001م، وأن سعر كيلو غرام واحد من الحشيش ارتفع عشرة أضعاف عام 2002م، بالنسبة لعام 2000م. ويعزو الكاتب ذلك إلى أهمية الحشيش لدى المخابرات الأمريكية، وبالاستناد إلى مشاركة ،سيا” سابقا في تهريب المخدرات من جنوب آسيا ، إلى الغرب في الخمسينيات من القرن الماضي، ودعم القوات المناهضة للشيوعية في نيكاراغوا، من الأموال التي حصلت عليها من تجارة المخدرات، يقول إن “سيا” تنشغل بنفس الأمر في أفغانستان.
مع أن المحللين يؤكدون ذلك بسبب عودة القوات البريطانية مباشرة إلى مديرية “سنكين”، في ولاية هلمند حيث السوق الأولى للحشيش الأفغاني، إلا أنه لا يمكن اعتبار ذلك سببا لعودة القوات البريطانية إلى أفغانستان، لأن القوات البريطانية طيلة 13 سنة الماضية كانت على عاتقها مكافحة المخدرات إضافة إلى قتال طالبان، رغم فشلها في مكافحة المخدرات.
عوامل ونتائج
عودة القوات البريطانية الجديدة إلى أفغانستان هي محاولة من أجل توسيع تواجد الحضور العسكري في البلد بذرائع مختلفة منها مكافحة داعش. والحال أن هذه القوات لم تستطع أن تقضي على أنشطة المجموعات المسحلة المخالفة للحكومة الأفغانية في المناطق التي كانت ضمن مهمتها الأمنية.
ستكون لدى الناتو هذه المرة قوات أقل في أفغانستان، وستقوم طائرات بلا طيّار بالمهام العسكرية، أما تواجد القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة في أفغانستان، وتنفيذ العمليات الليلية على بيوت الأفغان، والهجمات العشوائية ستثير أفكار العامة من جديد.
من هنا، يتوقع الشعب من الحكومة الأفغانية بأن تسيطر على التواجد الجديد لهذه القوات وأن لا تقوم هذه القوات بإجراء أي عمليات من دون الموافقة بين الطرفين.
النهاية
http://mfa.gov.af/Content/files/NATO-SOFA-TEXT%20DARI.pdf
See online:[3]
[4] see online:
http://www.presstv.com/detail/2013/12/06/338440/us-aims-to-stay-in-afghanistan-for-heroin/