عملية السلام أمام عُطل أو تأجيل؟

بعد أن فشى خبر وفاة الملا عمر زعيم حركة طالبان، ظهر القلق واسعا على مستقبل مفاوضات السلام الأفغاني بين الحكومة وحركة طالبان. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يجدر التفاؤل بمستقبل هذه المفاوضات؟

وفي الماضي أحدثت المفاوضات التمهيدية في “أورومتشي”، وبعدها في “مري”، تفاؤلا بأن تحل هذه المحادثات أزمة أفغانستان، ويتم فتح نافذة نحو السلام في البلد، ولكن عقب الإعلان عن وفاة الملا عمر، والذي حدث قبل عامين، تم تأجيل الجولة الثانية من هذه المحادثات والمقرر إجرائها في إسلام آباد إلى أمد غير معلوم. هذا وكان المسؤولون الأفغان قد صرّحوا بأن الحديث عن هدنة بين الطرفين سيكون على قائمة الحوار.

زعامة طالبان الجديدة وعملية السلام

ينبغي القول بشأن الملا أختر منصور والذي تم إعلانه زعيما لحركة طالبان، بأنه وبعد عام 2010م إذ ألقي القبض على الملا برادر أصبح الرجل الثاني في الحركة وبعبارة أخرى كان الملا منصور يدير طيلة خمس سنوات الماضية الحركة نيابة عن الملا عمر عسكريا وسياسيا.

ولو نقارن فترة خمس سنوات الأخيرة مع فترة الملا برادر في القسم التنفيذي للحركة، ندرك أن طالبان في المرحلة الأخيرة غيّرت رؤيتها كثيرا بشأن السلام والمفاوضات والعالم. فقبل ذلك أي ميلان تجاه السلام في الحركة كان يُعتبر بدعة وكفرا، ومن كان يتحدث فيها عن ضرورة المحادثات مع الحكومة الأفغانية كان يتقبل خطرا كبيرا على نفسه.

وهذه الرؤية فرضت نفسها بقوة في صف الحركة بأن الحرب في أفغانستان هي حرب من أجل تحرير أفغانستان ومن أجل الثأر من أمريكا بسبب تدخلها في أرجاء العالم الإسلامي. من جهة أخرى سببت هذه الرؤية تنازعا بين أمريكا والحركة إذ اعتبرت الأولى الثانية مجموعة متحالفة مع تنظيم القاعدة، ذات جذور متشددة ومنهج مسلح عالمي.

ويمكن أن نعتبر حرب أفغانستان إلى تلك الفترة (حربا ضد مجهول). بمعنى أن في هذه الحرب وخلافا لكل حروب تاريخ كان حركة طالبان عارية عن  أي عنوان دون حضورها العسكري في الميدان.

بعد إلقاء القبض على الملا برادر ونيابة الملا أختر منصور للمرة الأولى تمركز موضع محادثات السلام مع الأجانب من أجل الوصول إلى السلام. ربما لعب إعلان انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان دورا في تغيير السياسة لدى طالبان، مما وفر فرصة للملا منصور لطرح ضرورة الحوار مع الأجانب.

ولم تواجه محادثات طيب آغا مع المسؤولين الأمريكان، والتي تحولت أخيرا إلى عنوان لحركة طالبان في قطر، مخالفة شديدة لاعتبارها حدثت بأمر من الملا محمد عمر، لأن قادة كثيرين في الحركة كانوا يخالفون هذه الخطوة ويرون أنها تضعف معنويات المقاتلين.

السلام في أحاديث الملا منصور

في كلمة ألقاها الملا منصور أثناء جلسة لأخذ البيعة، اعتبر محاولات السلام مؤامرة الأعداء وتم تفسير ذلك بمخالفته مع عملية السلام، لكن جوّا ألقيت هذه الكلمة جدير الاهتمام أيضا.

فقد شاركت في الجلسة عدد كبير من عناصر طالبان الموجودة في ميادين القتال، ولم يكن للملا منصور أن يتحدث عن السلام وأن يؤيد المفاوضات، لكن إشاراته إلى أن أي مشورة تتم في الحركة تكون حسب الشريعة الإسلامية وإشارته إلى اللجنة السياسية في الحركة تُعتبر نوعا ما تأييدا لأسلوب آخر غير الحرب للوصول إلى الغاية.

استقالة “طيب آغا” وموقف مكتب قطر

بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر والبيعة مع الملا منصور ظهرت أصوات مخالفة معه. لم تكن تلك الأصوات مخالفة مع عملية السلام لأن من رفعوا هذه الأصوات شاركوا فعلا في محادثات أورومتشي وإسلام آباد. لذلك يمكن القول بأن الجهة المخالفة مع الملا منصور لا تخالف عملية السلام.

وأما الخبر الذي يحمل أهمية أكبر هو استقالة طيب آغا من رئاسة مكتب الحركة السياسي في قطر. فقد كان طيب آغا من أناس مقربين للملا عمر ويمكن أن نقول إن اختياره لرئاسة هذا المكتب عام 2010م، من قبل الملا منصور كان لطمأنة الملا عمر بأن المكتب لا يقدم على ما يخالف رأي زعيم طالبان.

والآن بعث طيب آغا رسالة استقالة إلى وسائل الإعلام بيّن فيها أسباب استقالته، ومنها إخفاء وفاة الملا عمر عنه؟

وبصفته رئيسا لمكتب طالبان السياسي في السنوات الماضية كانت لطيب آغا صلات واسعة مع دول مختلفة وفي تلك اللقاءات طمأن الجميع بحياة الملا عمر. يرى طيب آغا الآن بأن ظهور خبر وفاة الملا عمر قبل عامين يُفقده وزنا وثقة كمندوب لطالبان أمام الأجانب.

يجدر القول بأنه قبل عامين انتشرت شائعة حول استقالة طيب آغا وتم نفيها. ويبدو من ذلك أنه كان يشعر بقلق عن أحكام وقرارات كان يأخذها مجلس الشورى القيادي للحركة.

وانتقد في رسالته أمرا آخر وهو اختيار زعيم طالبان الجديد في باكستان. لأنه كان يطمئن الدبلوماسيين الأجانب بحرية طالبان وقرار طالبان من باكستان، لكن أسلوب الانتخاب الأخير كان يُفقده تفسير هذا الانتخاب خارج البلد.

وجاء في رسالة استقالته، إن أي انتخاب الزعيم خارج البلد، كانت له آثار سلبية لأفغانستان. ويشير إلى انتخاب زعماء الحكومة الشيوعية، وحكومة المجاهدين في بيشاور، وأخيرا إلى انتخاب زعماء الحكومة الحالية في مؤتمر بن، ويصل إلى نتيجة تقول إن من تم انتخابهم خارج البلد لن يكونوا زعماء ناجحون لأفغانستان.

لا يقول إنه يخالف الزعيم الجديد، ولكنه يسلك طريق عائة الملا عمر، بعدم المبايعة لأحد والبقاء في صف طالبان.

بعد استقالة طيب آغا، أعلن عبّاس ستانيكزاي نائب مكتب قطر مع بقية أعضاء المكتب تأييدهم للملا منصور، وعلى أساس بعض التقارير تم تعيين عبّاس ستانيكزاي رئيسا للمكتب.

مستقبل مفاوضات السلام

إن محادثات سلام جرت حتى الآن بوساطة باكستانية لم تشمل مكتب قطر. ففي الماضي شارك في محادثات السلام نيابة عن حركة طالبان أناس يخالفون الآن زعامة طالبان الجديدة. لذلك ليس الخلاف على ضرورة المحادثات من عدمها موضع الخلاف على الزعامة الجديدة، ويبدو أن الملا منصور ومخالفوه متفقون على ضرورة السلام للبلد.

لكن الخلاف على من يكون خلفا للملا عمر سيطول إلى أمد. وفي حال إن تمكن مخالفو الملا منصور من الحصول على تأييد جزء من قادة طالبان الميدانيين، فإن حدوث انقسام داخل طالبان سيكون ممكنا.

لم يصرح مخالفو الملا منصور بأي اسم بديلا للملا منصور. يقال إنهم يؤكدون على خلافة ابن الملا عمر. وبما أن حركة طالبان حركة مذهبية أكثر من كونها حركة سياسية، فإن خلافة الابن للأب، من شأنها أن تثير أسئلة بشأن وراثة الحكم وجدل فقهي في أوساط الحركة أكثر من نقاش سياسي.

بالنظر إلى هذه النزاعات يمكن التنبؤ بأن عملية السلام سيتم تأجيلها إلى أجل غير معلوم، لأن المشاركة في عملية السالم ستضعّف موقف الجهة المشاركة خاصة في أوساط القادة المسلحين الميدانيين.

النهاية

عملية السلام أمام عُطل أو تأجيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى