منذ بضعة شهور سيطرت المعارضة المسلحة في عدة ولايات أفغانستان على عدد من المديريات، وخلافا للسنوات الماضية هناك حرب شديدة تدور في أرجاء البلد. اتسعت رقعة الحرب من الولايات الجنوبية إلى الشمالية، وبناءً على وزارة الداخلية الأفغانية تواجه 19 ولاية خطرا أمنيا محدقا.
إلى جانب ذلك، فإن خطط “حكومة الوحدة الوطنية”، الخاطئة مثل إحداث المليشيا، والإدارة الناقصة، والخلافات الداخلية، عدم وصول الموؤنة في وقتها إلى القوات العسكرية، والحلقات غير المسؤولة في الشرطة والجيش، كلها أسباب لعب دورا في احتدام المعركة.
ماهي العوامل التي تقف وراء سقوط المديريات والأوضاع الأمنية الحالية؟ وماذا يكون أثرها على الوضع الأمني؟
المديريات الساقطة
مقارنة بـ14 سنة الماضية، ظهرت الأخبار واسعة عن سقوط عدد من المديريات والمقار العسكرية. لو نمعن النظر في الأشهر الماضية يمكننا القول صراحة بأن مديريات مثل شهاردره ودشت أرشي في ولاية كندز، وكوهستانات في سربل، وجوند في بادغيس، وناوا في غزني، ويمكان في بدخشان، ونوزاد في هلمند، ووانت وايكل في نورستان، سقطت واحدة تلو الأخرى. وتواجه مديريات مثل بسايند وتيوره وجارسده في ولاية غور، وسنكين وكجكي وموسى قلعة في ولاية هلمند، وسمكنيو في ولاية بكتيا، مع عدد من مديريات ولاية كونر وننكرهار ونورستان وميدان وردك، وأورزكان ولوكر خطر السقوط.
عوامل السقوط
هناك عوامل عدة محددة خلف سقوط المديريات في الأشهر الماضية، منها عوامل من صنيع المعارضة المسلحة وأخرى من قبل الحكومة الأفغانية. نسرد منها في الآتي:
-
الخلافات السياسية في الحكومة
إن الخلافات السياسية في “حكومة الوحدة الوطنية”، ألقت بظلال شاسعة على جميع مجريات الأمور في أرجاء البلد. قبل تشكيل هذه الحكومة كانت هناك نزاعات على نتائج الانتخابات، ومنذ أن تم تشكيل الحكومة الائتلافية بين أشرف غني وعبدالله يخوض الطرفان عراكا حادا في جميع الأمور، تمركز بداية حول الحقب الوزارية ليصل الآن إلى خطط الحكومة وبرامجها.
لم يحصل الوزير المخول إليه أمن البلد والمواجهة مع التهديدات الأمنية على تأييد البرلمان، وليس للحكومة موقف واحد تجاه الأمور. وتبقى الخلافات بين الفريقين الرئيسيَيْن في محلها، لتظهر إلى العلن خلافات بين الرئيس نفسه مع نائبه الأول.
ونظرا لهذه الخلافات الداخلية قال مساعد مجلس الشيوخ في جلسة: “للأسف ليس للحكومة موقف واضح تجاه أمور عدة، ليست لدى الحكومة سياسة معينة، فقد سقطت الحكومة فريسة للخلافات الداخلية الأهلية”.
-
الشرطة المحلية والمسلحون غير المسؤولين
إن تواجد الشرطة المحلية والمسلحين غير المسؤولين هو من عوامل سقوط بعض المديريات. أحيانا تضامنا مع المسلحين وأخيانا أخرى تضامنا من السكان مع المعارضة المسلحة بسبب التعامل السيء معهم، سقطت المديريات.
وخير مثال على ذلك سقوط منطقة “أقتاش”، إذا صرّح السكان بأنهم تضايقوا من تعامل الشرطة المحلية والمليشيا، فساعدوا طالبان على السيطرة على منطقتهم[1].
وبناءً على تقارير أخرى إن الشرطة المحلية دفعت منطقة إلى سيطرة طالبان، أو ساعدتها بطريقة غير مباشرة في السيطرة.
-
عمليات ضرب عضب
قبل شهر يونيو 2014م، كانت المناطق القبلية في وزيرستان الشمالية ملجأ المجموعات المسلحة الأجنبية في المنطقة. بدأت باكستان بعد الهجوم الذي حدث على مطار “جناح” الجوي عمليات “ضرب عضب” على وزيرستان الشمالية، وبعد هجوم عسكري آخر على مدرسة تابعة للجيش غيّرت باكستان خطتها في مواجهة الإرهاب، ووسعت عملياتها إلى المناطق القبلية. استهدفت العمليات مخالفي باكستان، وخاصة الشيشان، والأوزبيك، والطاجيك، والأويغور، إلا أن الهجوم على المدرسة العسكرية أثرت على سياسة باكستان ما جعلتها ترفع خطوات ضد جميع الأجانب.
وبناءً على هذه السياسة الباكستانية توجه كثير من الأجانب إلى أفغانستان، ومن هنا اشتدت المعارك في ولايات بدخشان، وتخار، وكندز، وجوزجان، وفارياب، وسربل، لأن هذه الولايات تقع على الحدود مع شينغيانغ، وطاجكستان، وأوزبكستان، وتركمنستان. وتؤكد وزارة الداخلية الأفغانية مجيء وتواجد الأجانب شمالي أفغانستان، وأن المقاتلين الأجانب يريدون بناء ملاذات آمنة لهم في أفغانستان وأن يفتحوا طريقا بين الجنوب والشمال.
وقد تعزز تواجد طالبان بمجيء هؤلاء المقاتلين في المنطقة وهو ما سبب سيطرة حركة طالبان على عدد من المديريات.
-
الاتفاقية الأمنية
ويُعتبر توقيع الاتفاقية الأمنية من عوامل تدهور الوضع الأمني حاليا. وتعهد أشرف غني أثناء الحملات الانتخابية لطالبان وللمقربين من طالبان بتأجيل توقيع الاتفاقية الأمنية قدر المستطاع، لكنه وبعد حلفه رئيسا للبلد بدد أمل طالبان بتوقيع الاتفاقية خلال 24 ساعة، وبدأت طالبان عملياتها المسماة بعزم، في فصل الربيع.
وفي جلسة عقدتها مؤسسة “بكواش”، في قطر اعتبرت حركة طالبان الاتفاقية الأمنية عائقا أساسيا أمام عملية السلام، وقالت في بيان لها: “للأسف كلما تقدمت الإمارة الإسلامية نحو السلام، تتم عرقلة الطريق باسم الاتفاقية الاستراتيجية والاتفاقية الأمنية”.
-
ضغوط باكستان على طالبان في عملية السلام
فور وصول أشرف غني إلى سدة الحكم حاول تحسين العلاقة مع الجانب الباكستاني، لأنه رأى مفتاح السلام الأفغاني في يد باكستان، وأنه بمنح تنازلات لباكستان وتقليص النفوذ الهندي في البلد يمكن جلب دعم باكستان لعملية السلام الأفغانية.
وقد منح أشرف غني لباكستان تنازلات لم تتوقعها باكستان من قبل أساسا، وتحاول باكستان حاليا أن تلعب دورا في عملية السلام. ولكن من جهة أخرى لا تبدو طالبان راضية عن هذه السياسة التي نهجها أشرف غني، لأنهم يرون أن هذه السياسة تثير لدى الأفغان ما يؤكد اتباع طالبان للمخابرات الباكستانية، وأن باكستان تملك زمام الحركة في المفاوضات. ومن أجل ذلك أكدت حركة طالبان مرارا بأن صلاحية مفاوضات السلام مخولة إلى مكتب الحركة السياسي في قطر دون غيره. ويمتنع مكتب طالبان في قطر من محادثات السلام في باكستان كي تظهر الحركة آلة في يد المخابرات الباكستانية. ولذلك بدأت طالبان عملياتها في فصل الربيع بكل عنف وشدة لتظهر أنها تملك قرارها ولها حرية أخذ الموقف بعيدا عن التأثير الباكستاني.
-
الإدارة الناقصة
يقول عدد كثير من أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني إن الإدارة الناقصة للحكومة سببت سقوط عدد من المديريات في يد طالبان. ويرى المجلس بأنه: “لم تستطع الحكومة بسبب الخلافات الداخلية أن تبني سياسة أمنية واضحة ولا أن تحل الأمن للبلد”.
وبرأي المسؤولين، إن عدم وصول المساعدات في وقتها إلى مناطق الحرب عامل آخر لسقوط المديريات. وينتقد أعضاء في البرلمان الأفغاني الحكومة الأفغانية ويرون أن عدم إرسال المساعدات في وقتها هو سبب سقوط عدد من المقار العسكرية والمديريات. ويؤكد صديق صديقي متحدث وزارة الداخلية وجود مشاكل في هذا المجال ويقول: “من دون شك توجد هناك مشكلة في عنصر الوقت. هل تصل –المساعدات- في وقتها أم لا هي مشكلة نحن نواجهها، ونحاول بشكل عام أن نستغل إمكاناتنا وأن نصل إلى المناطق بشكل سريع وأن نحل المشكلة هناك”.
-
ضعف القوة الجوية
عدم تجهيز الجيش الأفغاني بالقوة الجوية من قبل المجتمع الدولي عامل آخر لسقوط المديريات. فمع مرور شهور كثيرة على توقيع الاتفاقية الأمنية، لم يتم بعد تدريب الجيش الأفغاني بما يمكنها من إحراز النجاح ضد المسلحين في كثير من المناطق.
أثر سقوط المديريات
ويؤثر سقوط المديريات والنقاط الهامة في البلد وسيطرة طالبان عليها على الوضع الأمني بشكل تالي:
أولا، القوات الأمنية: تؤثر الأوضاع الأمنية الحالية سلبا على معنويات القوات الأمنية، وتقلل ثقة الشعب عنهم.
ثانيا، إحداث مليشيا: لو نمعن في التسعينيات من القرن الماض، يظهر أن الحكومة عندما فقدت ثقتها في قواتها توجهت نحو صناعة المليشيا. وهناك تقارير الآن تتحدث عن استعدادات لصناعة المليشيا في الشمال بدلا من تعزيز القوات الحكومية وتوسيعها.
وفيما تكرر إحداث المليشيا على غرار التسعينيات، فإنه لن يُنهي طالبان بل يَمُد أجل الحرب إلى أمد أطول. ستأخذ الحرب في الشمال وجهة قومية وستذهب الجهود التي بُذلت في القوات الأمنية سدى.
ثالثا، الحكومة الأفغانية والمسلحون المخالفون: استمرار سقوط المديريات والمقار العسكرية تحرض المسلحين للحرب، ترفع معنوياتهم وتجدد قدراتهم، وتقلل من الثقة الشعبية على الحكومة، تظهر الحكومة ضعيفة وتضع أمام شرعيتها علامة استفهام كبيرة.
رابعا، حياة المواطن اليومية: سقوط المديريات وسيطرة الحكومة عليها من جديد، تخلق جوا عنيفا للمواطن، وتحدث في المديرات التي تدور رحى الحرب فيها سريعا خسائر في الأرواح والأموال.
خامسا، عملية السلام: تحاول الحكومة الأفغانية أن تعلن في الجلسة الثانية من المحادثات مع طالبان هدنة، ولكن استمرار القتال بين الطرفين كما هو الآن وسقوط المديريات في يد طالبان سيؤثر سلبا على عملية السلام، وترى حركة طالبان أنها أقوى من الحكومة فتفضل السلاح على السلام مع الحكومة. كما ويعزز سقوط المديريات موقف المخالفين مع محادثات السلام في الحكومة الأفغانية.
النهاية
[1] صحيفة “ويسا”، العدد 2504 للعام 1394 الهجري الشمسي.