شهدت أفغانستان في الآونة الأخيرة تغييرات سريعة. وقد أقلق ظهور “الدولة الإسلامية” في أفغانستان دول الجوار والمنطقة أكثر من الداخل الأفغاني نفسه.
وتراقب دول كإيران، وروسيا، والصين، ودول آسيا الوسطى، والهند هذه التغييرات بشدة. وصرّح السفير الإيراني لدى أفغانستان بأن بلده مستعد لدعم الحكومة الأفغانية في مكافحة داعش. وفي جلسة شانغهاي أيضا كان ملف أنشطة داعش في أفغانستان على قائمة الأمور التي تمت مناقشتها.
أما في الداخل فلم تشتبك هذه المجموعة بعد مع القوات الحكومية، وانحصرت حربها شرقي البلد مع حركة طالبان، وذلك لطرد الأخيرة من هذه المناطق والسيطرة عليها.
وفي ثنايا هذه الأحداث اعتبر حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي إيران دولة أكبر خطرا من إسرائيل، كما واعتبر ظهور داعش على الحق.
داعش وطالبان
بداية شهر مايو من هذا العام ظهرت أخبار عن مواجهة بين داعش وطالبان في ولاية ننكرهار، إلا أن طالبان رفضت ذلك. وادعت حركة طالبان في البيان الذي أصدرته في 10 من مايو، أن المواجهة لم تكن مع داعش بل كانت مع السرقة وقطاع الطرق. وأضاف البيان:
“ضمن عمليات واسعة في مديرية “كوت”، ومديرية “دي بالا”، وفي مناطق أخرى ضد القتلة، والسرقة، والمخططفين، تمت تصفية المناطق من تواجد أناس كانوا يقتلون الناس ويأخذون أموالهم ويأتون المنكر.
إن تقارير بعض وسائل الإعلام بأن هؤلاء كانوا من أتباع تنظيم إسلامي، وأن المواجهة كانت بين داعش وأفراد للإمارة الإسلامية هي تقارير عارية عن الصحة.
نعلن وبصراحة، بأن هذه المناطق خاضعة لمجاهدي الإمارة الإسلامية ولا يجوز للإعلام أن ينسب قتلة وقطاع طرق ليس لهم هدف إلا القتل وأذى الناس إلى أي جهة إسلامية ولا أن يثير القلق لدى العامة”.
ولكن ظهر سريعا بأن الأمور لم تكن بهذه البساطة. فقد قام أختر محمد منصور رئيس المجلس الأعلى لطالبان ويُعتبر مساعدا للملا محمد عمر بإرسال رسالة إلى أبي بكر البغدادي طلب منه أن لا يتدخل في أفغانستان.
رد داعش لطالبان
وكان رد داعش لهذه الرسالة سلبيا، وتبين أن مجموعة باسم داعش تقاتل طالبان شرقي أفغانستان وأن قيادة داعش في سوريا تؤيدها.
لم يكن رد داعش سياسيا فقط، بل أصدرت زعامته في هذه المنطقة التي يسمونها “ولاية خراسان”، فتوى اعتبرت طالبان مجموعة مرتدة يجب قتلهم. ومع أن الفتوى نُشر باسم مستعار “أبو الياس حنفي”، لكن صياغة الفتوى واستخدام العبارات كانت توحي بأن مفتي داعش في “ولاية خراسان”، أو عبدالرحيم مسلمدوست هو الذي أًصدرها. وجاء في البيان أن أي مجموعة تقاتل داعش هي مرتدة مباحة الدم ويجب قتلهم.
وتضمنت الفتوى الآتي: “إن مخالفي الدولة الإسلامية هم أناس وقفوا في صف الكفار وحلفائهم مثل الدول العربية والشيعة والروافض، الذين لا يوجد أي شك في كفرهم وارتدادهم…”.
وسردت الفتوى أسباب ارتداد طالبان كاتباع “آي إس آي”، أو المخابرات الباكستانية والصداقة مع رجل مرتد مثل المولانا فضل الرحمن. ودلائل أخرى لافتة مثل أن طالبان اعتبرت قطر دولة أخ، وتتسائل أليس إعطاء صفة الأخ لأي دولة مرتدة ارتدادا؟
في جزء آخر من هذه الفتوى، تم اعتبار دعم طالبان لمرسي ومخالفتها مع حكم الإعدام بحقه علامة واضحة على ارتداد الحركة، طارحا السؤال أليست المخالفة مع إعدام مرتد ارتدادا؟ وأدرجت الفتوى الإخوان المسلمين وطالبان في دائرة الارتداد وخارجا عن الإسلام.
وتتشابه فتوى داعش كمجموعة تكفيرية في أفغانستان مع النمط الاعتيادي “للدولة الإسلامية”، في كل من سوريا والعراق ضد المجموعات الأخرى من “النصرة”، إلى الشيعة واليزيدية.
حكمتيار وداعش
وفي الآونة الأخيرة أثار بيان للحزب الإسلامي جناح حكمتيار ردود فعل واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حد اضطر حكمتيار لإصلاح البيان. فقد وجّه البيان مقاتلي الحزب إلى دعم داعش في حال حدوث قتال بين طالبان وداعش. وكان البيان بمثابة إعلان التحاق حكمتيار بداعش.
لكن الإمعان في سياسة داعش يؤكد أن حكمتيار لا يخرج هو أيضا من دائرة ارتداد رسّمه داعش. فكان حكمتيار أول زعيم من بين المجاهدين منذ الجهاد الأفغاني حتى اليوم أصر على انتخاب الزعيم عبر آراء الشعب، والحال أن أبا بكر البغدادي يتسم قبل كل شيء على حد قول أتباعه، “بأنه أول حاكم إسلامي اعتبر الديمقراطية والنظام المبني عليها كفرا ورفضها”.
وتكمن مشكلة حكمتيار في أنه يتخذ مواقف متناقضة في القضايا السياسية. وعلى سبيل المثال نُشر في موقع “الشهادة” التابعة للحزب الإسلامي الجناج التابع له حواران يحتويان على موقفَيْن مخالفَيْن له بشأن تنظيم الدولة أو داعش.
في حوار مع موقع “أفغان زواك”، اعتبر داعش حركة طبيعية للمسلمين ضد الاحتلال الأمريكي والإيراني على العالم الإسلامي، وقال إن جبهة مشتركة من الكفر والنفاق والارتداد تم تشكيلها ضد داعش، معتبرا ذلك علامة كافية على أن داعش على الحق.
لكنه وفي حوار مع موقع “أرزشت”، يقول: “إن الدولة الإسلامية إذا ما حاولت إحداث مجموعات تابعة لها، فإنها ستكرر خطأ طالبان. فإن سياسة طالبان الخاطئة جرتهم إلى حرب مع جميع التنظيمات الإسلامية.
مستقبل التنظيمات الإفراطية في أفغانستان وآسيا الوسطى
مع أن الحرب بين داعش وطالبان تبدو حتمية، إلا أن الأولى تواجه تحديات كبيرة لبسط نفوذها في أفغانستان. فإن الأرضية الفكرية التي يحتاجها داعش تم خدشها بأخطاء ارتكبتها التنظيمات الإسلامية ومنها طالبان، وقد أصبح التجنيد على أسس فكرية أمرا صعبا للغاية.
وتتوفر الأرضية المناسبة لداعش في هذه المنطقة في آسيا الوسطى، إلا أن داعش وكما يبدو لم تعر بعد اهتماما لازما لهذه القضية، وقد اختار مندوبيه في خراسان من بين البشتون. وتبقى أكبر حركة مقاتلة هي حركة أوزبكستان الإسلامية التي خرجت من ائتلافها مع الزعيم البشتوني الملا محمد عمر مترددة عن البيعة مع داعش.
ويختار داعش بصفته مجموعة سلفية مندوبيه من بين السلفيين، والحال أن حركة أوزبكستان الإسلامية تتشكل من أتباع المذهب الحنفي. وربما هو أمر جعل أبا بكر البغدادي لا يهتم بأقوام آسيا الوسطى في خراسان، مما قد يعرقل بسط نفوذ داعش إلى شمال أفغانستان وآسيا الوسطى.
أفغانستان بصفة موقعها الجغرافي العنيف والصلب تجلب أنظار التنظيمات الإفراطية. ولم ينتج قلق دول الجيران والمنطقة من الوضع الأفغاني وحتى من ظهور داعش أي تحالف إقليمي لدعم عملية السلام الأفغانية. ومن هنا سوف ينجر كل من هذه الدول بهدف المواجهة مع تحدي نشاء في أفغانستان، إلى حرب بالوكالة داخل البلد، مما يطيل عمر الاضطرابات الأمنية.
النهاية