التدهور الأمني في أفغانستان والحرب المستمرة والكوارث الطبيعية عوامل أدت إلى صعوبات عديدة يعيشها الشعب الأفغاني. الفقر والبطالة ظاهرتان نتجتا كذلك بسبب الاضطراب السياسي والأمني في العقود الأربعة الأخيرة في أفغانستان، وقد بلغتا نسباً عليا غير مسبوقة.
وفق أحدث تقرير صادر عن إدارة الإحصاء المركزية بأفغانستان فإن نسبة 51.7% من الشعب الأفغاني يعيشون حالة فقر شامل. نشرت الإدارة المذكورة في 31/مارس/2019 نتائج تقرير عن الوضع المعيشي لدى الشعب الأفغاني تم إعداده بدعم من البنك الدولي وجامعة أكسفورد وصندوق دعم الأطفال التابع للأمم المتحدة.
ذُكر في التقرير أن نسبة الفقر في مدن أفغانتسان تبلغ 18 في المئة وفي القرى تبلغ 61 في المئة. كما ذُكر أن نسبة الفقر بين البدو تبلغ 89 في المئة. بشكل إجمالي فإن نسبة الفقر الشامل في ولاية كابل تبلغ 15 في المئة –وهي أقل نسبة – أما أعلى نسبة ففي ولاية بادغيس حيث يبلغ العدد 85 في المئة من إجمالي سُكان الولاية.
نُسلط في هذا المقال الضوء على الوضع المعيشي للسكان، ونسبة الفقر والبطالة وعوامل ارتفاع هذه النسب في السنوات الأخيرة في أفغانستان.
العيش في أفغانستان
أفغانستان دولة ذات حالة اقتصادية ضعيفة، محاطة باليابسة ويعمل معظم سكانها في الزراعة التي من خلالها يقتاتون لضرورياتهم اليومية؛ إلا أن الحرب والتدهور الأمني والكوارث الطبيعية أضرت بالقطاع الزراعي أيضا.
بعد غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان واستمرار الحرب لأربعة عقود في البلد راح ضحيتها ملايين الأفغان بين شهيد وجريح؛ اضطر ملايين الأفغان الآخرون لترك البلد مخلفين وراءهم أموالهم وأراضيهم الزراعية التي تحولت إلى صحاري قاحلة، وقد أدى جميع ذلك إلى تفاقم نسب الفقر والبطالة في أفغانستان.
في عام 2001 وبعد الاعتداء الأمريكي على أفغانستان وسقوط حكومة طالبان، شُكلت دولة جديدة، ورغم أنه بعد تشكل الدولة تقاطرت المعونات إلى أفغانستان بمليارات الدولارات وتطورت بعض القطاعات بشكل ملحوظ؛ إلا أنه في فترة 18 عاما الماضية لم تُنجز تطورات شاملة تساعد على تحرك عجلة الاقتصاد بشكل دائم وتوفر فرص عمل مستمرة للشعب الأفغاني.
من جانب آخر وبحسب إحصائيات البنك الدولي فإن نسبة الفقر والبطالة في أفغانستان في العقدين الماضيين لم تنخفض – كما هو الحال في الكثير من دول العالم – بل لوحظ تصاعد نسبة الفقر والبطالة ملقية بظلالها على الوضع المعيشي لدى الشعب الأفغاني.
الفقر متعدد الجوانب
التقرير المنشور مؤخرا من إدارة الإحصاء المركزية حول الفقر متعدد الجوانب في أفغانستان أول تقرير من نوعه في مدة 18 عاما الماضية. التقارير المنشورة سابقا حيال الفقر في أفغانستان سلطت الضوء على نسب الفقر وفق معدل دخل الأفراد، أما التقرير المذكور فإنه يحلل الفقر بجوانبه المختلفة ويُبرز العوامل العديدة التي أدت إلى تفاقم نسبة الفقر متعدد الجوانب لدى الشعب.
في التقرير المنشور من إدارة الإحصاء المركزية، تم رصد وتحليل الوضع المعيشي لدى الشعب الأفغاني من خمسة جوانب ( الصحة، التعليم، معايير العيش، العمل، وتأثير الوضع الأمني على المعيشة) وتم استخدام 18 عامل هي: (الأمن الغذائي، الولادة بمساعدة قابلات ماهرات، الحضور في المدرسة، تعليم الإناث، تعليم الأولاد، توفر المياه، توفر نظام الصرف الصحي، توفر الكهرباء، توفر المحروقات للطبخ، السكن، الأملاك والزراعة، العلاقات، البطالة، قلة فرص العمل، حرمان الشباب من العمل، الدراسة الجامعية والتدريب، الإنتاج، الدخل، والأمن).
وفق نتائج التقرير المذكور من إدارة الإحصاء المركزية فإن أكثر من نصف سكان أفغانستان بالنظر إلى العوامل المذكورة داخلون في الفقر متعدد الجوانب. كما ذُكر في التقرير أن نسبة 24% من القوة العاملة في أفغانستان عاطلة عن العمل، كما أن نسبة 41.3% من الشعب يستخدمون محروقات جامدة مما يُعرضهم للأمراض التنفسية. وذُكر في التقرير أن نسبة 32.2% من الأسر يعمل بها شخص واحد يعول ستة أفراد في المتوسط.
مما تضمنه التقرير أيضا أن نسبة 39.1% من الأسر رُصد فيها عدم التحاق طفل واحد بالمدرسة رغم إكماله للسن المطلوبة للالتحاق. ومن بين الأسر هناك نسبة 47.9% لا توجد بها أي امرأة متعلمة فوق عمر عشر سنين. وفق نتائج التقرير رُصدت نسبة 24.8% من أفراد الشعب الأفغاني مروا بصدمات أمنية ولم يتعافوا من تأثيراتها السلبية.
عوامل تدهور الحالة المعيشية لدى الأفغان
الحرب: التدهور الأمني واستمرار الحرب في أفغانستان من أهم العوامل التي أثرت – ولا تزال – على معيشة الشعب الأفغاني وبسببها تمر البلد بأزمة فقر وعطالة متفاقمة. في الوقت الحالي تقع قرابة نصف مساحة البلد تحت سلطة قوات المعارضة المسلحة، وتمددت رقعة الحرب وازدادت هجمات القصف الجوي والضحايا في صفوف المدنيين بشكل غير مسبوق؛ حيث أن عدد القتلى والجرحي المدنيين في أفغانستان في العام الميلادي المنصرم (2018) بلغ 10993 شخص. كما أن الاضطراب الأمني دفع عشرات الآلاف من الأسر إلى النزوح عن مواطنهم مخلفين وراءهم أموالهم والأعمال التي كانوا يقتاتون منها، ويمرون حاليا بحالات إنسانية صعبة في مخيمات النزوح.
من جانب آخر، فإن الاضطراب الأمني لم يؤد إلى فرار الأموال وروّاد الأعمال من أفغانستان فحسب، وإنما أدى كذلك إلى تعسر إنفاق ميزانيات وزارات الحكومة الأفغانية، وهكذا أدى انقطاع الاستثمار في مجالات البنى التحتية التي بمقدورها استخدام القوى العاملة في البلد إلى تفاقم أزمة الفقر والبطالة.
الكوارث الطبيعية: بالإضافة إلى الحرب، فإن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والانهيارات الثلجية تسببت في خسائر مالية وخسائر في الأرواح أضرت بآلاف السكان، وساهمت في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلد.
في عام 2018 تعرض نحو مليونيْ مواطن لحالة انعدام المواد الغذائية في عشرين ولاية في أفغانستان، ولهذا نزح نحو 350 ألف شخص من مواطنهم. رغم أن ازدياد هطول الثلوج والأمطار في شتاء العام الجاري أحدث آمالا بانتهاء موجة الجفاف إلا أن الفيضانات وتساقط الثلوج أودت بأرواح وأموال الكثيرين في البلد.
وفق إحصائية مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة OCHA فقد قضى نحو 80 شخص ونزح حوالي 42 ألف شخص في بداية شهر أبريل/2019 بسبب الفيضانات في شمال أفغانستان. وفي أوائل شهر مارس/2019 سقط ضحايا وتكبد السكان خسائر مالية في الولايات الجنوبية، حيث صرحت وزارة العناية بمتضرري الكوارث الطبيعية بجمهورية أفغانستان أن عدد القتلى هناك بلغ 50 شخصا وأُصيب 140 آخرون، كما هُدم عدد 926 منزل بشكل كامل وتضرر عدد 2000 منزل بشكل جزئي.
عدم الاستقرار السياسي: الاضطراب السياسي واستمرار الخلافات الداخلية بين الساسة ومسؤولي الحكومة الأفغانية أديا إلى إغفال الاهتمام بالمشكلات المذكورة وعدم طرح وتنفيذ البرامج التي تساهم في مكافحة الفقر والبطالة. كما أن هذه الاختلافات هيّأت الوضع للفساد الإداري في القطاع الحكومي وإهدار الموارد المتوفرة دون طائل.
النتائج
نظرا لموقعها الجغرافي المتميز فإن أفغانستان تمتلك موارد طبيعية غزيرة وقوى عاملة وقابلية للتطوير يمكن الاستفادة منها باتخاذ السياسات الشاملة وإعمال برامج توفير فرص العمل المستمرة، مما سيؤدي إلى تخفيض نسب الفقر والبطالة.
من جانب آخر فإن تحسن الوضع المعيشي وتوفر فرص العمل مرتبطان بالصناعة بشكل مباشر. إن الصناعة تُعد ركيزة الاقتصاد الأولى لدى الدول وتلعب دورا بارزا في تقليل نسب الفقر والبطالة؛ إلا أن الحكومة الأفغانية لم تنجز شيئا ملحوظا في هذا الصدد، ولعل استمرار الحرب هو السبب الأبرز في عدم تفعيل هذا القطاع المهم.
في مدة 18 عاما الماضية أدى استمرار الحرب إلى أن تصب الحكومة الأفغانية معظم اهتمامها بساحات الحرب، وقد حالت هذه الحرب دون التطور الاقتصادي في أفغانستان. يسوغ القول – وفق ما سبق – أن مكافحة الفقر والبطالة متوقفة على تحسن الأمن في البلد، شأنها شأن جميع القطاعات الأخرى، وما لم يتم إرساء دعائم السلام في أفغانستان وتستقر حكومة مركزية مزدهرة فإن الأزمات الاقتصادية ستتفاقم أكثر.
النهاية