تنص المادة الـ83 من الدستور الأفغاني بأن دورة عمل البرلمان تنتهي في شهر يونيو، وتضيف المادة: “تنتهي مهلة عمل البرلمان بعد إعلان نتائج الانتخابات في شهر يونيو[1]، وبذلك يبدأ البرلمان الجديد عمله”[2].
ومع صراحة النص الدستوري هذا، لم تتجهز الحكومة بعد لإجراء الانتخابات. فبعد الأزمة الانتخابية في العام الماض، اتفق الفريقان المشاركان في الحكومة بأن الحكومة تحاول إصلاح اللجان الانتخابية بعد تشكيل الحكومة وإتمام الحقب الوزارية.
تنص اتفاقية الطرفين لتشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، بأن: “من أجل بناء الثقة بأن الانتخابات القادمة في أفغانستان تكون موضع ثقة تحتاج النظام الانتخابي الأفغاني لإصلاحات جذرية”. ويضيف أيضا: “وبالنظر إلى المادة الأولى للاتفاقية يصدر الرئيس بعد تشكيل الحكومة قرارا بشأن إصلاح النظام الانتخابي ويشكل لجنة خاصة للأمر”[3].
وتم تأجيل إصلاح اللجان الانتخابية في الحكومة الائتلافية، لأن الحقب الوزارية شُكّلت مع تأخير طويل، ولم يحصل وزير الدفاع على موافقة البرلمان حتى الآن. إلا أنه وبعد فترة طويلة تم اختيار شكريه باركزاي رئيسة على اللجنة الخاصة للإصلاحات الانتخابية من قبل الرئيس الأفغاني أشرف غني مما أدّى إلى مخالفة من شريكه في السلطة الرئيس التنفيذي.
ويضع كثير من نواب المجلس اللوم على الحكومة بسبب التأخير في تشكيل الحقب الوزارية، ويحاولون تفسير المادة الـ83 من الدستور بأنها تحتوي على جملة (بعد الانتخابات)، ولذلك هم يستمرون في عملهم إلى إجراء انتخابات أخرى.
متى نُقض الدستور؟
يتم تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، في دول تكون الجهات السياسية فيها قد حاربت بعضها البعض لفترات طويلة، ولم يكن هناك دستور أو حكومة معترفة بها وتنعدم الثقة فيها تماما. فمن أجل بناء الثقة يتم تشكيل حكومة كل يرى نفسها شريكا فيها. وتقوم هذه الحكومة ببناء أسس النظام والدستور. إلا أن حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان تم تشكيلها من دون ضرورة، وكان تشكيلها أول نقض صريح للدستور، لأن الدستور لم يقترح مثل هذه الحكومة.
أثناء تشكيل الحكومة لم يعر أحد اهتماما بمواد الدستور، وكان الهم الأكبر إنهاء الأزمة الانتخابية، ولم يكن أي طرف مستعدا للقبول بالهزيمة في الانتخابات. وصبت محاولات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارتًيْه إلى أفغانستان في تلك الفترة على إنهاء الأزمة ونُسي أمر الدستور. ولم تحترم الأمريكان أبدا الدستور الأفغاني. ويقال في عام 2009 وخلال الأزمة الانتخابية تم اقتراح مخالف للدستور، للرئيس حامد كرزاي، وبعد أن حدثهم كرزاي عن مخالفة الدستور قالوا له: “اضرب الدستور عرض الحائط”.
لا يمكن لأحد أن يدافع عن شرعية حكومة الوحدة الوطنية، ومن الظاهر الجلي عدم شرعيتها. حينها لم تعلن اللجنة الانتخابية حتى في الإعلان النهائي الرئيس “فائزا” ولا الرئيس التنفيذي الحالي “خاسرا”. وكان ذلك أول إعلان انتخابات من نوعه.
ملء فراغ دستوري
منذ تشكيل الحكومة الأفغانية الحالية حدثت مخالفات صريحة للدستور. وحينها أعتبر حل الأزمة الانتخابية فوزا كبيرا، إلا أن تشكيلها المخالف للدستور أحدث أزمات دستورية جديدة لم تخطر ببال أحد في البداية. منها مصدر شرعية الرئاسة التنفيذية وأمر ميزانيها. وكان ملف ميزانية الرئاسة التنفيذية من القضايا الصعبة في البرلمان الشهر الماض.
لو لم تكن هناك خلافات حادة بين شركاء الحكومة الائتلافية، لكان من الممكن إتمام الحقب الوزارية وتعيين لجنة خاصة لإصلاح اللجان الانتخابية في وقتها، وكان من الممكن اتخاذ إجراءات من أجل مجلس الأعيان وتعديل الدستور. بذلك كان أزمة شرعية الحكومة تنتهي في أمد قريب. ولكن تصارع الجهات المشاركة في الحكومة على السلطة لعب دورا كبيرا في خلق الأزمات مما أدّى إلى طول فترة عدم الشرعية للحكومة. ولو رفعت الجهات المشاركة في الحكومة خطوات سريعة لما انتهت الآن دورة عمل لبرلمان من دون إجرءات أولية لإجراء الانتخابات البرلمانية.
عوامل تأخير الانتخابات البرلمانية
وتكمن العوامل الأساسية لعدم إجراء الانتخابات البرلمانية هذه المرة في الآتي:
- حدوث خلافات كثيرة جرّاء التزوير الحادث في انتخابات 2014، وتأخر إعلان نتائجها لستة أشهر.
- بعد الانتخابات الرئاسية 2014، انصبت محاولات حكومة الوحدة الوطنية على تشكيل وإتمام الحقب الوزارية، وحتى الآن لم تكتمل تلك الحقب الوزارية ولم يحصل رئيس القضاء على تأييد البرلمان. وبشكل عام ضيّعت ذلك فرصة كبيرة من أمام الحكومة ولم تأت فرصة لرفع خطوات للانتخابات الرلمانية.
عراقيل الانتخابات البرلمانية
وفي الآتي نسرد مما يعرقل الانتخابات البرلمانية:
- غياب الميزانية: يقول يوسف نورستاني رئيس لجنة الانتخابات الحرة بأن عدم وجود الميزانية سيؤجل الانتخابات البرلمانية لعام كامل. لأن الميزانية المقررة من قبل البرلمان تم صرفها أثناء الفرز المجدد للأصوات بعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ولا يرغب حاليا المانحون الدوليون في مساعدة اللجنة. ويضيف نورستاني، بأن 960 من عمال اللجنة المهنيين تركوا وظائفهم بعد توقف (UNDP) من الدعم، وفي حال وجود مصادر دعم مالية يمكن توظيف عدد منهم من جديد.
- الأمن: إن الأوضاع الأمنية المتدهورة يوميا هو من أهم ما يعرقل عملية الانتخابات البرلمانية. ويمكن أن يسبب ذلك إجراء الانتخابات في مراحل كثيرة، كي تتمكن قوات الأمن من التركيز الأمني على منطقة محددة.
- إصلاح النظام الانتخابي: بعد انتخابات 2014 المثيرة للجدل، قررت حكومة الوحدة الوطنية إحداث إصلاحات في النظام الانتخابي. وتم اختيار شكريه باركزاي رئيسة للجنة مخول إليها أمر إصلاح اللجان الانتخابية، إلا أن الرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله خالف ذلك مما أدّى إلى عزلها من رئاسة تلك اللجنة. ولم يتم بعد تعيين رئيس لهذه اللجنة حتى يعمل على خطة لإصلاح اللجان وأن تتم بعده الانتخابات البرلمانية بنزاهة وشفافية.
قوى ثلاث ودعم لعدم الشرعية
لسوء الحظ بُنيت الحكومة الأفغانية الحالية على سلسلة من خلافات دستورية. ولم تكن في شهر يونيو أي مؤسسة في القوى الحكومية الثلاث ذات تأييد شرعي. وعلى رأس كلها تم تشكيل القوة التنفيذية –ليست الرئاسة التنفيذية- بشكل غير قانوني. وأما القضاء الحكومي يديره قائم بالأعمال. القوة الوحيدة التي سارت وفق الدستور هي كانت البرلمان. ولا يمكن بأي حال اعتبار البرلمان قانونيا بعد شهر يونيو.
وعندما تكون القوة التنفيذية عارية عن الشرعية، وتتم إدارة القضاء من قبل قائم الأعمال، فمن أين يكسب البرلمان شرعيته؟ وعلى أساس أي شرعية يمكن للقضاء العالي أن يفسر الدستور؟
وصرّح نائب من ولاية بلخ في البرلمان الأسبوع الماض: “لا شرعية لا للرئيس ولا للقضاء العالي”. ويريد أعضاء البرلمان أن يستمروا في أعمالهم تماما مثل القسم التنفيذي والقضائي.
وبذلك بدأت موجهة من نقض الدستور في أفغانستان. وعندما شُكلت الحكومة بطريقة غير دستورية، فلا تراعي أقصى حلقة فيها الدستور بأي حال، لأن تشكيل الحكومة كانت على مساومات سياسية، فإن تلك المساوات تحكم كل الأمور فيها. وتستمر موجهة مخالفات دستورية إلى أن يفقد البرلمان في شهر يونيو شرعيته وهو المؤسسة الوحيدة التي حظيت بالشرعية حتى الآن. وليس في القريب العاجل ممكنا أن تتم انتخابات وأن تقنن أسس النظام في الإطار القوني. هناك عوائق كثيرة أمام إجراء الانتخابات، وإن لم يحاول الطرفان في الحكومة على حد المسؤولية لحل هذه الأزمة، سوف تستمر الأزمة الدستورية وتضع علامة استفهام كبيرة أمام شرعية النظام.
النتيجة
مع أن الحكومة السابقة كانت بها مشاكل دستورية، إلا أن أزمة دستورية مثيرة للجدل لم تكن فيها. إلى حد ما أجريت الانتخابات في وقتها، وتمكن نواب الشعب من منح شرعية للنظام. لكن “حكومة الوحدة الوطنية” الحالية رغم ضعفها وقلة عملها أصبحت الأزمة الدستورية فيها محل جدل واسع. وخاصة أن كل قوة فيها من القوى الثلاث تعتبر غيرها عارية عن الشرعية.
هنا نلخص ما يمكن أن ينتج من هذه الأزمة الدستورية الحالية:
- أن يفقد الشعب ثقته في النظام، وما دام الدستور لا يدعم الحكومة، كيف يمكن لها أن تحظى بتأييد الشعب،
- كان القبول بالدستور من أهم شروط الحكومة في محادثات السلام مع المعارضة المسلحة، الآن وقد تشكلت الحكومة بطريقة غير دستورية تماما، فمن يدعو المعارضة المسلحة على القبول بالدستور.
- أن تذهب محاولات تعزيز الدستور وتعميم القطاع الدستوري أدراج الرياح،
- أن يفقد الشعب ثقته في العملية الانتخابية، لأن عملية بتلك التكلفة إن لم تمنح الحكومة شرعيته فإن الشعب سيفكر في وسيلة أخرى،
- بشكل عام، يزيد انعدام الثقة في عملية ما بعد مؤتمر بن وفي العملية الديمقراطية،
- وأخيرا كل ما أعتبر إنجازا خلال 14 سنة مضت، ستظهر حقيقته بأنه لم يكن إنجازا ثابتا.
النهاية
وتحديدا في الأول من شهر (سرطان)، رابع الشهور في السنة الهجرية الشمسية.[1]
[2] الفقرة الثانية من المادة الثالثة والثمانين.
[3] من نص الاتفاقية المبرمة بين أشرف غني وعبدالله عبدالله المرشحَيْن المنافسَيْن في الانتخابات الرئاسية، لتشكيل الحكومة الائتلافية.