المصالحة الأفغانية؛ ستة أيام من المحادثات بين أمريكا وطالبان

 

عقدت الجولة الثالثة من محادثات السلام الأفغانية بين مندوبي الولايات المتحدة وحركة طالبان قبل حوالي شهرين في الإمارات العربية المتحدة. بعد هذا الاجتماع، تم تأجيل المفاوضات لمدة قصيرة بسبب عدم الاتفاق على أجندة الاجتماع. على الرغم من أن هذا التأخير أثار مخاوف بين الأفغان حيال مأزق المفاوضات، إلا أنها بدأت بين مندوبي الولايات المتحدة وطالبان مرة أخرى في قطر.

أجريت الجولة الرابعة من المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان في الفترة من 21 إلى 26 يناير 2019 في العاصمة القطرية الدوحة. وعلى الرغم من عقد المحادثات وراء أبواب مغلقة، ولم تنشر تفاصيلها، إلا أنه يبدو أن استئناف المحادثات مهدت الطريق للتوصل إلى حل سياسي للقضية الأفغانية.

الاجتماع الأخير بين مندوبي طالبان والولايات المتحدة في الدوحة، موقف الحكومة الأفغانية حيال التطورات الأخيرة في محادثات السلام مع طالبان، والاتجاه الذي تتجه إليه محادثات السلام حاليا، هي قضايا نتحدث عنها في هذا التحليل.

 

ماذا حدث خلال ستة أيام من المحادثات؟

استناداً إلى تقارير إعلامية مختلفة، كانت النقاط الرئيسية التي نوقشت في اجتماع الدوحة هي الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية، وتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار، والحكومة المؤقتة، ومحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وتجنب المخاطر من أفغانستان إلى الآخرين بعد الانسحاب الامريكي.

بعد اختتام هذا الاجتماع كتب زلمي خليل‌زاد على صفحته في تويتر: “كانت مفاوضات ستة أيام في الدوحة أكثر إنتاجية مما كانت في الماضي، لقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا في القضايا المهمة ولكننا لم نتوصل إلى أي اتفاق نهائي”. وقد نفى خليل‌زاد في لقائه مع الرئيس الأفغاني في كابل جميع التقارير حول مناقشته مع طالبان فيما يتعلق بكيفية الحكومة المستقبلية وقال: “قضية مناقشة الحكومة المؤقتة خاطئة تماما ولم تتم مناقشتها خلال المحادثات”.

بعد ستة أيام من المحادثات، قالت حركة طالبان أيضا في بيان لها: “في هذه الجولة من المحادثات، تم إحراز التقدم في المفاوضات المتعلقة بالانسحاب الأمريكي وقضايا مهمة أخرى. كان الموقف الواضح لطالبان: إذا لم يتم حل قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فليس هناك أي فرصة للتقدم في قضايا أخرى، والتقارير المتعلقة بوقف إطلاق النار والاتفاق على التفاوض مع الحكومة الأفغانية غير صحيحة إطلاقاً”.

على وجه العموم، فإن تمديد المحادثات حتى يومها السادس، مواقف الأطراف المعنية بعد المحادثات والتقارير المختلفة من وسائل الإعلام تظهر أن طالبان وممثلي الولايات المتحدة قد ناقشوا قضايا مختلفة، وكما قال زلمي خليل‌زاد، فإن طالبان والولايات المتحدة توصلتا إلى إطار عام لموافقة السلام الذي يشمل الاتفاق النسبي على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وفق الأجندة المتفق عليها للجولة الرابعة من المحادثات.

 

موقف الحكومة الأفغانية

يبدو أن الحكومة الأفغانية قلقة من الاتفاق المزمع بين أمريكا وطالبان منذ بدء العملية بسبب عدم حضورها في المفاوضات. لذلك، من خلال وضع العقبات أمام العملية، تحاول الحكومة إيجاد دور مركزي لها في محادثات السلام وتصر على أن تكون المحادثات بقيادة الأفغان.

كانت هناك محاولات لإقناع طالبان بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية خلال اجتماع أبو ظبي، ولكن رفضت طالبان التفاوض مع الحكومة. حاولت الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية ضغوط مختلفة على طالبان لإجبارها على التفاوض مع الحكومة، ولكن بعد أن هددت طالبان بالانسحاب من العملية بدأت المحادثات مرة أخرى في الدوحة.

المحادثات الأخيرة في قطر أثارت النقاش بين المسؤولين الحكوميين وغيرهم من القادة السياسيين ووسائل الإعلام الأفغانية. كتبت صحيفة وول ستريت جورنال حيال مفاوضات السلام في الدوحة: “تم الاتفاق على أن طالبان لن تسمح للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية تحويل أفغانستان إلى قاعدة للإرهاب”. بعد ساعات قليلة من نشر هذا التقرير، الرئيس الأفغاني قال في مؤتمر للمنتدى الإقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية: “طالبان لهم صلات بأخطر الجماعات الاجرامية والمافيا، فضلا على علاقاتها مع باكستان”.

في الوقت نفسه، وبعد لقاء خليل‌زاد مع أشرف غني، نصت بيان للسفارة الأمريكية في كابل نقلا عن زلمي خليل‌زاد: “مفتاح السلام في كابل”. هذا البيان أثار ردفعل أمرالله صالح، النائب الأول لأشرف غني في فريقه الانتخابية وقال: “مفتاح السلام ليس في كابل، بل إنه في باكستان” وأضاف: “مثلما حدث في التسعينيات، الآن أيضا هناك محاولات أن لا يكون للقصر الرئاسي دورا رئيسيا في التغييرات السياسية، بل يحاول أن يكون بعيدًا عن اتخاذ القرارات”.

كانت خطاب الرئيس غني للشعب عبر الفيديو حول عملية السلام بعد لقائه مع خليل‌زاد نوعاً من الخلاف مع عملية مفاوضات السلام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. وقال في خطابه: “ﻧﺮﻳﺪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻭﻧﺮﻳﺪﻩ ﻗﺮﻳﺒﺎ، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺮﻳﺪﻩ ﺑﺘﺒﺼﺮ، ﻭﺍﻟﺘﺒﺼﺮ مهم لأننا لا نريد تكرار ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ والحرب الأهلية مرة أخرى”. وقال في خطاب حاد اللهجة إلى طالبان: “اخرجوا من خطط للأجانب، واظهروا هويتكم الأفغانية، واستجيبوا لمطالب الأفغان وابدأوا محادثات جدية مع الحكومة”.

قبل ذلك، قال الرئيس غني في مؤتمر جنيف: “يجب إجراء محادثات السلام تحت قيادة الحكومة الأفغانية؛ إن الانتخابات الرئاسية الأفغانية في الربيع مهمة لنجاح مفاوضات السلام؛ الأفغان يحتاجون إلى حكومة منتخبة لتوقيع وتطبيق اتفاق السلام وهذه العملية تحتاج إلى خمسة سنوات على الأقل”.

هذه التصريحات تشير إلى أن الانتخابات هي أولوية لقادة حكومة الوحدة الوطنية. يريد الرئيس غني أن يبقى رئيساً للسنوات الخمس المقبلة، وهذا يعني استمرار الحرب للسنوات الخمس المقبلة.

 

مستقبل السلام الأفغاني

تمر كل عملية سلام بالعديد من المناقشات والصعود والهبوط إلى النجاح. فتحقيق السلام عبر المفاوضات في بلد مزقتها الحرب مثل أفغانستان، يحتاج إلى الكثير من الوقت والصبر والمناقشات.

يجب اعتبار مفاوضات السلام الأفغانية معقدة مثل الحرب الأفغانية نفسها. هناك أطراف متورطة على مستوى إقليمي ودولي في القضية الأفغانية التي لصالحها استمرار الحرب ولا تريد إنهائها. لذلك، الأطراف المعنية في المفاوضات تحتاج إلى التدبير والصبر حيال عملية السلام.

في الوقت الراهن، بدء المحادثات المباشرة بين أمريكا وطالبان واستمرارها والرغبة في التوصل إلى حل سلمي سياسي للقضية الأفغانية هي نقطة زادت آمال لتحقيق السلام في البلد.

بيانات كلا الجانبين بعد الأيام الستة من المحادثات مؤملة لأن كلا الجانبين يتحدثان عن التقدم في المحادثات. من جانب آخر، تعيين الملا برادر كرئيس للمكتب السياسي في قطر قد يكون مفيدا لعملية السلام حيث أن الملا برادر هو أحد مؤسسي حركة طالبان، ولا يزال يعتبر قائدا مهما سياسيا وعسكريا بين طالبان.

حركة طالبان تعتبر وجود القوات الأمريكية السبب الرئيسي للحرب الأفغانية، وهي القضية التي تجرى مناقشتها بين طالبان والولايات المتحدة حاليا، ويبدو أن أمريكا تريد سحب قواتها من أفغانستان.

إلى جانب ذلك، لا تزال هناك عقبات في طريق السلام في أفغانستان، منها غياب الإجماع الوطني حول المصالحة مع حركة طالبان الذي يحتاج تحقيقه إلى الكثير من المناقشات.

النهاية

المصالحة الأفغانية؛ ستة أيام من المحادثات بين أمريكا وطالبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى