أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان الأسبوع الماضي (30 ديسمبر 2018) أن الانتخابات الرئاسية لعام ۱۳۹۸هـ ش (2019) التي كان من المقرر إجراءها في 20 ابريل 2019؛ ستجرى في 20 من يوليو نفس العام. وقالت اللجنة المستقلة للانتخابات أن انتخابات مجالس المحافظات ومجالس المديريات والانتخابات البرلمانية في محافظة غزني أيضا ستجرى متزامنا مع الانتخابات الرئاسية.
مع أن مؤسسة يوناما (مكتب هيئة النيابة للأمم المتحدة في أفغانستان) أبدى قبوله لتأخير الانتخابات الرئاسية؛ إلا أنها قالت أن سوء الإدارة في الانتخابات المقبلة غير مقبول. كما قالت يوناما أنه يجب على اللجنة المستقلة للانتخابات أن تعلن عن توقيت جديد للانتخابات في أقرب وقت، كما يجب التأكد من الإصلاحات في اللجنة المستقلة للانتخابات والمجلس التنفيذي لها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية لعام 2019م.
كيفية استمرار عمل حكومة الوحدة الوطنية وفقا لدستور البلاد، وأسباب تأخير الانتخابات الرئاسية لعام 2019م؛ من الموضوعات التي نتطرق إليها في هذا التحليل.
استمرار عمل الحكومة وفقا لدستور البلاد
الدستور الأفغاني كأعلى وثيقة حقوقية للبلاد، يعتبر أحد أهم إنجازات الدولة الحالية والذي وضع من قبل اللويه جرغه قبل حوالي عقد ونصف العقد من الآن، وأيده حامد كرزي رئيس دولة أفغانستان الانتقالية.
كانت هناك جدال حول نقض الدستور وعدم تنفيذه في خمسة عشر عاما الماضية. عدم إقامة للويه جرغه ومجالس المديريات في الوقت المحدد، وتجديد فترة عمل المجلس الوطني، واستمرار المسؤولين الحكوميين في مناصبهم بشكل مؤقت، وسوء استخدام الصلاحيات، وعشرات الأمور الأخرى تشهد على نقض الدستور وعدم تنفيذه خلال عقد ونصف العقد الماضي.
تأخير الانتخابات الرئاسية أخيرا والتي كان من المقرر إجراءها في 20 إبريل 2019م؛ يطيل فترة عمل حكومة الوحدة الوطنية خلافا للدستور. تصرح المادة الحادية والستون للدستور وتقول: ” تنتهي فترة عمل رئيس الجمهورية في اليوم الأول من الشهر الثالث من السنة الخامسة بعد الانتخابات. وتجرى الانتخابات بهدف تعيين رئيس الجمهورية الجديد خلال ثلاثين يوما إلى ستين يوما قبل نهاية فترة حكم رئيس الجمهورية “.
اعتبرت اللجنة المستقلة لتنفيذ الدستور أيضا في ردها على قرار لجنة الانتخابات المستقلة الأخير حول تأخير الانتخابات الرئاسية لعام ۱۳۹۸هـ ش؛ القرار نقضا سافرا للدستور. وفقا لما قال عبدالرؤوف هروي مدير مكتب اللجنة: ” أي نوع من التأخير في إجراء الانتخابات سيقلل من مشروعيتها، ويجب إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد ” .
على هذا؛ ومع عشرات الحالات من نقض الدستور الأساسي من قبل الحكومة نفسها؛ نقضت الحكومة الدستور مرة أخرى بتأجيلها للانتخابات الرئاسية، ويستمر مسؤولو حكومة الوحدة الوطنية عملهم خلافا للدستور.
لماذا تم تأجيل الانتخابات؟
عبدالبديع صياد رئيس لجنة الانتخابات المستقلة قال في مؤتمر صحفي أن الأوضاع الجوية الغير مناسبة لتسجيل أسماء الناخبين وانتقال مواد الانتخابات سيما في المناطق الباردة للبلاد، وتنفيذ الإصلاحات واستخدام المؤظفين، وعدم وجود الميزانية الكافية، واستخدام البايومتريك، والمشكلات الأمنية، وإجراء الانتخابات الرئاسية متزامنا مع مجالس المحافظات والمديريات وكذلك انتخابات المجلس الوطني في محافظة غزني؛ هي العوامل الأساسية التي تقع خلف تأجيل الانتخابات الرئاسية.
مع أن المشكلات الآنفة ذكرها التي تواجهها الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، يمكن أن تلعب دورا في تأجيل الانتخابات؛ إلا أن هناك عوامل أخرى لها دور في تأجيلها بالإضافة إلى المشكلات الأمنية والفنية التي ذكرتها اللجنة المستقلة للانتخابات منها:
المصالحة مع طالبان: مفاوضات السلام الجارية بين طالبان وأمريكا تستطيع أن تكون أحد أهم العوامل في تأجيل الانتخابات الرئاسية. لأن الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لإدارة مفاوضات السلام مع طالبان زلمي خليلزاد صرح في مؤتمر صحفي بعد المفاوضات المباشرة مع ممثلي طالبان: ” نرجو أن نتوصل إلى اتفاق سلام مع طالبان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية ” .
المشكلة الأساسية في مفاوضات السلام الأخيرة مع طالبان هي أن طالبان يؤكدون على الحوار مع أمريكا فقط ولا يريدون التفاوض مع الحكومة الأفغانية، إلا أن أمريكا والدول التي لها دور مهم في هذه العملية يحاولون إحضار طالبان على طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت. لذا؛ تأخير ثلاثة أشهر في إجراء الانتخابات الرئاسية لعام 2019م ربما حدث رجاء استعداد طالبان قريبا للحوار مع الحكومة الأفغانية.
الفرق الانتخابية: وفقا للتوقيت الأصلي للانتخابات الرئاسية لعام 2019م، ستبدأ عملية تسجيل أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية في الأول من الشهر العاشر من السنة الشمسية الحالية وتستمر لاثني عشر يوما، وفي هذه الفترة مع أن حوالي خمسين شخصا حصلوا على المعلومات الانتخابية؛ إلا أنهم لم يسجلوا أسماءهم لعدم القدرة على تشكيل فرقهم الانتخابية.
لذا؛ التأخير في إجراء الانتخابات لا يستبعد أن يكون قد صمم من قبل رئيس الجمهورية لحفظ منصبه بالاستفادة من الوضع الموجود وعقد الصفقات مع معارضيه السياسيين، نظير ما قام به في تجديد فترة البرلمان.
الانتخابات أم دولة مؤقتة؟
احتمال عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد هو أحد الموضوعات المهمة بين السياسيين والتيارات السياسية منذ شهور، وتم تأجيل تاريخ إجراءها أخيرا لمدة ثلاثة أشهر من قبل اللجنة المستقلة للانتخابات.
تذكر مفاوضات السلام مع طالبان كعامل مهم في تأجيل الانتخابات. لأن هناك أصوات ترفع حول مفاوضات السلام بين أمريكا وطالبان تنبئ عن إمكانية توصلهما إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية، وخيار الحكومة المؤقتة في إطار مفاوضات السلام هو من الخيارات المهمة بدلا من إجراء الانتخابات الرئاسية.
من جهة أخرى، قال مجلس الأمن القومي الأفغاني في بيان له أنه لا يملك أي شخص أو دولة حق الحديث حول بنى جديدة للحكومة الأفغانية، كما أكد على إجراء الانتخابات الرئاسية. ولكن السؤال هو أن بالنظر إلى إدارة وطريقة عمل اللجنة المستقلة للانتخابات، وإعلان أكثر من توقيت للانتخابات من قبلها، وعمل هذه اللجنة في إجراء الانتخابات البرلمانية؛ هل اللجنة الحالية ستكون قادرة على إجراء وإدارة الانتخابات الرئاسية بشكل صحيح؟
عموما؛ إذا لم تؤد مفاوضات السلام مع طالبان إلى نتيجة، في تلك الحالة وبالنظر إلى الوضع الأمني والسياسي الحالي للبلاد وأيضا بالنظر إلى عمل اللجان الانتخابية الأفغانية، فإن التوقيت المعلن عنه من قبل اللجنة المستقلة للانتخابات لإجراء الانتخابات الرئاسية ومجالس المحافظات والمديريات وكذلك إجراء الانتخابات البرلمانية في محافظة غزني، لن يكون إعلانا نهائيا، ويحتمل أن تستمر حكومة الوحدة الوطنية في عملها بعد مضي ثلاثة أشهر كما كانت.
انتهى